يعلّق الإعلام والمسؤولون في الخليج (السعودية والإمارات) على ما سموه «انتفاضة صنعاء المباركة» بخيبة أمل بادية في الوجوه والنفوس. فمهما أظهروا من ابتسامات مصطنعة، ليس بمقدورهم إخفاء الشعور بالذل والمهانة والهزيمة تلاحقهم من بلد إلى آخر، ومن قضية إلى أخرى. في المقابل، يتصاعد رصيد الربح والفوز في المحور الآخر. وليس آخرها الارتقاء والتقدم بإدراج الرياض وأبو ظبي في معادلة جديدة للصراع، ولعل هذا القرار من أبرز نتائج الانقلاب الفاشل في الثاني من الشهر الجاري في العاصمة صنعاء.
وكان زعيم حركة «أنصار الله»، السيد عبد الملك الحوثي، قد قال أول من أمس، إنّه لا يمكن العاصمتين (الرياض وأبو ظبي) أن تعيشا بأمان ما دامتا مستمرتين في قتل الشعب اليمني وتدمير بنيته التحتية، ودعا المستثمرين العرب والأجانب كافة إلى نقل استثماراتهم من الإمارات والسعودية باعتبار الدولتين غير آمنتين للاستثمارات. ولفت الحوثي إلى أن الرياض وأبو ظبي ودبي باتت كلها هدفاً مشروعاً للصواريخ الباليستية اليمنية، ولن يتوقف الهجوم على عواصم دول «التحالف» إلا بتوقف الحرب على الشعب اليمني.
يمكن توصيف حالة الإعلام والمسؤولين الخليجيين بشأن إخفاق انقلاب الرئيس الراحل علي عبد الله صالح على «أنصار الله» بالفاجعة المؤلمة، أو كما سماها وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، «انتفاضة صنعاء المباركة». التعليقات السياسية والإعلامية الخليجية، ومنها تصريحات الأخير، بالإضافة إلى الترويج لما حدث على أنه «ثورة العودة إلى المحيط أو الحضن العربي» تشير إلى أمر واحد هو الآمال الكبيرة التي كان قادة الخليج المشاركون في العدوان يعلقونها على الانقلاب.
وبالفعل، ما حدث في صنعاء هو معركة بكامل المواصفات والأبعاد، وليست منعزلة عن بقية امتدادات المعركة الكبرى التي يخوضها الشعب اليمني في وجه قوى العدوان. ويظهر أن رهان القادة الخليجيين على ما سموه «انتفاضة صنعاء المباركة» (الانقلاب) مكان عميق في وعيهم وعقولهم، وأن الفشل في الوصول إلى النتائج المرجوة جرّدهم من إحدى أهم الأوراق التي في حوزتهم، وهذا يفترض أن يكون لهذه الخسارة المدوية والمؤلمة بالغ الأثر في عقول أصحاب القرار الخليجي الذي يدير العدوان على اليمن، ويصل إلى النخب والخبراء والمراقبين، ولا سيما بعد التأكد للمرة الألف من عقم الخيارات العسكرية على جبهات القتال كافة، وأن أقصى ما يمكن أن يقدمه العدوان في ساحات القتال على مدى السنوات الماضية من الحرب قد قدمه، ولكن من دون جدوى.
وبما أن العدوان أخفق في استخدام ورقته الأخيرة في شق الصف الوطني وإحداث صدع في الجبهة الداخلية أو جبهة الصمود، فإن أي مستجد لا يلوح في الأفق في جبهة «التحالف»، بل على العكس، التحالف المشكل منه العدوان على الشعب اليمني يعاني التصدع والتشكيك في استمراره. وعملياً لم يبق في ساحات القتال سوى الجيش السعودي الذي يحصر وجوده في حماية حدود بلده، والإمارات في جبهة المخا. أما الاتكال الأكبر، فهو على مرتزقة الجيش السوداني (وفق توصيف صحيفة «فورين بوليسي» الأميركية)، وكذلك مجاميع من أبناء جنوب اليمن، وقوات علي محسن الأحمر التي أوكل إليها مهمة الهجوم على جبهة نهم.
تجدر الإشارة إلى أن جبهة نهم هي إحدى الجبهات «المفتوحة وبشراسة» لملاقاة حركة الانقلاب في صنعاء، بالإضافة إلى الإسناد الجوي الذي صبّ حممه على قوات الجيش و«اللجان الشعبية» في صنعاء وبقية الجبهات.
في غضون ذلك، فإن المبادرة في الوقت الحالي أقرب ما تكون إلى قوات الجيش و«اللجان» منها لقوات التحالف، وذلك في التطور النوعي لمشاغلة الجيش السعودي على الحدود وإرغامه على الانسحاب إلى الخلف في عدد من النقاط الحساسة والحيوية، وامتلاك اليمنيين إمكانية تطوير الهجمات لتصل إلى مسافات أبعد في العمق السعودي إذا اقتضت المصلحة ذلك.
في السياق نفسه، جاءت عملية إطلاق الصاروخ على المحطة النووية في أبو ظبي بالتزامن مع إحباط الانقلاب لتشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى تماسك «أنصار الله»، وكرسالة ردع قوية إلى الإمارات بضرورة الكف عن ألاعيبها كإحدى أدوات المشروع الأميركي في المنطقة.
وكانت المنظومة الصاروخية قد دخلت في الميزان الاستراتيجي للحرب وتوجت نشاطها بصاروخ الرياض في بداية تشرين الثاني الماضي، فيما ادعت السعودية أن منظومة «باتريوت» قد أسقطت الصاروخ الباليستي (على الرياض). لكن صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية شككت يوم أمس في صحة إسقاط الصاروخ عبر منظومات الدفاع الجوي السعودي، مع أن الرئيس دونالد ترامب أشاد بنجاح «باتريوت»، مشيراً إلى «أن لا أحد يستطيع أن يصنع ما ننتجه». لكن وفق الصحيفة، تبيّن من تحليل صور فوتوغرافية ومقاطع فيديو أن الصاروخ تجاوز الدفاعات الجوية وانفجر قرب المطار في العاصمة الرياض.
إذاً، أصبح يحق للمراقب أن يتخيل قدرة «القوة الصاروخية» اليمنية على إطلاق كميات صواريخ متتالية ومدمرة إلى عمق الأراضي السعودية والإماراتية لضرب الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية والحيوية... رداً على التدمير المنهجي لليمن. وإذا حدث ذلك، فماذا سيكون رد فعل ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي يوشك أن يتربع على عرش مملكة عاصمتها تتعرض للصواريخ؟