لم يكد ينجلي غبار الزوبعة التي أثارتها الأوامر الملكية السعودية، وما رافقها من عمليات اعتقال لعشرات الأمراء والوزراء السابقين والمسؤولين مساء السبت، حتى جاء قرار «التحالف العربي» إغلاق المنافذ اليمنية الجوية والبحرية والبرية كافة، ليكمل مشهدية «الطيش» التي سيطرت على المنطقة منذ 3 أيام.
وصاحب ذلك القرار تصعيدُ الهجوم السعودي على إيران على نحو غير مسبوق، على خلفية اتهام الرياض لطهران، بالمسؤولية عن إطلاق الصواريخ الباليستية من اليمن على أراضي المملكة، والذي تجلت آخر حلقاته مساء السبت بالصاروخ الذي أطلقته «أنصار الله» على مطار الملك خالد في العاصمة السعودية.
ورغم الحرص الشديد للسلطات السعودية على التقليل من أهمية الصواريخ المطلَقة من الأراضي اليمنية، وتشديدها على ضآلة الخسائر التي تتسبب بها، إلا أنها تعمد، في كل مرة يتم فيها استهداف منطقة ذات حساسية (منطقة مكة أو منطقة الرياض أو غيرهما)، إلى إطلاق حملة سياسية ودبلوماسية «مسعورة» على «أنصار الله» بتهمة استهداف الأماكن المقدسة وتهديد المدنيين. على أن الرد السعودي، هذه المرة، تجاوز حدود الفعل الكلامي إلى اتخاذ قرار بتشديد الخناق المفروض على اليمن منذ أكثر من عامين، عبر توسيع الحظر السعودي ليشمل الموانئ والمطارات والمعابر التي كانت لا تزال خارج دائرته، بدعوى «سد الثغرات الموجودة في إجراءات التفتيش الحالية، والتي تسببت باستمرار تهريب الصواريخ والعتاد العسكري إلى الميليشيات الحوثية».
قرار أثار ردود فعل ساخطة حتى في الأوساط اليمنية المحسوبة على السعودية. إذ عدّ نشطاء وإعلاميون مؤيدون لحكومة الرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي الخطوة مضادة لـ«الشرعية» أكثر منها لـ«أنصار الله» وحلفائها، لأن الموانئ والمطارات والمعابر التي كانت لا تزال مفتوحة إلى ما قبل فجر الإثنين تقع جميعها في المناطق التي يدعي «التحالف» «تحريرها». ومن تلك المنافذ، على سبيل الذكر لا الحصر، معبر الوديعة الحدودي الذي كان يشكل المنفذ البري الوحيد لليمنيين إلى السعودية ومنها، والمحتمل إغلاقه نهائياً في أي لحظة، ومطارا عدن وسيئون اللذان توقف العمل فيهما بعدما أعلنت الخطوط الجوية اليمنية تعليق رحلاتها لعدم حصولها على تراخيص من قيادة «التحالف»، فضلاً عن موانئ عدن والمكلا والضبة التي كانت تأتي عبرها المشتقات النفطية اللازمة لتشغيل الكهرباء والمواصلات.

ضم الموانئ والمطارات
والمعابر إلى دائرة الحظر السعودي

وعليه، فإن القرار السعودي الجديد لن يؤدي إلا إلى مضاعفة معاناة اليمنيين الذين سيُمنع العشرات منهم من السفر إلى الخارج بغرض العلاج، فيما ستُحظر على آخرين العودة إلى وطنهم. كما سيفاقم أزمة نقص الوقود، وأحياناً انعدامه، في المحافظات الجنوبية، مع ما لذلك من تبعات على خدمة الكهرباء المتردّية أصلاً، وعلى قطاع المواصلات الذي يدخل من حين إلى آخر حالة شلل بفعل شح المشتقات النفطية. ولعل الأخطر مما تقدم هو ما سيحل بميناء الحديدة، الذي ما تزال ترِد عبره المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية التي تُموّن المحافظات الشمالية من البلاد. إذ إن المعلومات الواردة من الميناء تفيد بعدم تلقي إدارته، إلى الآن، أي بلاغ بإمكانية إدخال السفن المتوقفة في غاطس الميناء، على رغم أنها تحمل تصاريح مرور من فريق التفتيش التابع للأمم المتحدة.
وبالنظر إلى تلك المخاطر، لم يبد مستغرباً أن يأتي الرد من قبل «أنصار الله» على الخطوة السعودية بالتهديد باستهداف بوارج «التحالف». فقد نقلت وكالة «سبأ» التابعة لـ«أنصار الله» عن مصدر في القوات البحرية والدفاع الساحلي قوله إن «بوارج العدوان ستكون أهدافاً مشروعة للقوات البحرية والدفاع الساحلي للرد على غطرسة العدوان وتماديه في زيادة معاناة الشعب اليمني». كما نقلت عنه تأكيده جاهزية القوات اليمنية لـ«الرد على أي حماقات يقدم عليها تحالف العدوان»، وتحذيره من أن إقدام «التحالف» على «إغلاق الموانئ اليمنية أو استهدافها ستكون له نتائج كارثية». واستنكرت حكومة الإنقاذ، بدورها، قرار إغلاق المنافذ اليمنية، واصفة إياه بـ«العدوان الإجرامي الذي يحظى بغطاء دولي»، داعية الأمم المتحدة إلى «عدم ترك الشعب اليمني فريسة لهذا العدوان».
على خط مواز، وفي ما بدا رداً «ناعماً» على «هستيريا باليستي الرياض» المسيطرة على السعودية، افتتح رئيس المجلس السياسي الأعلى، صالح الصماد، أمس، «معرض الصواريخ الحربية» الذي نظمته القوات البحرية والدفاع الساحلي. وأُميط اللثام، خلال افتتاح المعرض، عن منظومة صواريخ بحرية محلية الصنع تحمل اسم «المندب»، وتمتاز «بدقتها العالية في إصابة الأهداف». وبدا لافتاً، أثناء فعاليات المعرض، حديث الصماد عن «مكافآت مادية ومعنوية للأحرار في قسم التصنيع العسكري، سواء في القوة الصاروخية أو الدفاع الجوي أو القوات البحرية والدفاع الساحلي»، في رسالة مبطنة إلى السعودية التي كانت أعلنت، الأحد، رصدها مكافآت لمن يساعد في إلقاء القبض على واحد من أربعين مسؤولاً في «أنصار الله» أدرجتهم ضمن لائحة مخصصة لذلك.
لائحة أعقب الإعلان عنها توالي التصريحات السعودية التصعيدية ضد إيران، في استكمال لما كانت بدأته الرياض قبل حوالى أسبوع، عندما حشدت وزراء خارجية ورؤساء أركان دول «التحالف العربي» على أراضيها، لتعلن، بعد أكثر من عامين من الحرب على اليمن، أن إيران هي مبتدأ المشكلة ومنتهاها. وبررت قيادة «التحالف» قرار إغلاق المنافذ اليمنية بـ«ثبوت ضلوع النظام الإيراني في إنتاج الصواريخ وتهريبها للميليشيات الحوثية»، معتبرة ذلك «عدواناً عسكرياً سافراً ومباشراً من قبل النظام الإيراني، وقد يرقى إلى اعتباره عملاً من أعمال الحرب ضد المملكة العربية السعودية».
ومساء أمس، غرد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، على حسابه في «تويتر»، قائلاً إن المملكة «تحتفظ بحق الرد بالشكل والوقت المناسبين على تصرفات النظام الإيراني العدائية، وتؤكد بأن لا تسامح مع الإرهاب ورعاته». وأضاف أن «الإرهاب الإيراني يستمر في ترويع الآمنين وقتل الأطفال وانتهاك القانون الدولي، وكل يوم يتضح بأن ميليشيا الحوثي أداة إرهابية لتدمير اليمن»، متابعاً أن «التدخلات الإيرانية في المنطقة تضر بأمن دول الجوار، وتؤثر على الأمن والسلم الدوليين»، و«(أننا) لن نسمح بأي تعديات على أمننا الوطني». وكان سبق الجبير في العزف على النغم السعودي المتصاعد ضد إيران، وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، الذي وصف الهجوم الباليستي الأخير على الرياض بـ«الحوثي الإيراني»، معتبراً، في تغريدات على «تويتر»، أن «خطر تحويل الحوثي إلى حزب الله جديد ماثل أمامنا»، مشدداً على أن «توحيد وتعزيز الموقف الخليجي تجاه الخطر الإيراني والحوثيين مهم جداً».
تصريحات «نارية» جاء الرد الإيراني عليها من مستويات متعددة، اشتركت جميعها في محاولة تفريغ المعادلة «المقلوبة»، من وجهة نظر طهران، والتي تحاول الرياض فرضها على الرأي العام، من محتواها. إذ قال وزير الخارجية عادل ظريف، على «تويتر»، إن السعودية «تعمد إلى تفتيت اليمن عبر قصفها الذي يقتل آلاف الأبرياء وبينهم رضع، وتنشر الكوليرا والمجاعة، لكنها تتهم إيران طبعاً». وتابع ظريف أن السعودية «تشن حروباً عدوانية، وتمارس طغيانها في المنطقة، وتمارس سلوكاً استفزازياً ينطوي على أخطار ويتسبب بعدم الاستقرار، ثم تحمّل إيران مسؤولية تداعيات أفعالها».
وفي الاتجاه نفسه، شدد قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، على أن «هذه الصواريخ التي تطلق متعلقة باليمن نفسه، حيث قاموا هم أنفسهم بتطويرها وزيادة مداها للثأر لدماء شهداء اليمن»، فيما اعتبر المتحدث باسم الخارجية، بهرام قاسمي، إطلاق الصواريخ الباليستية على أراضي المملكة «رداً مستقلاً، يعود سببه إلى الاعتداءات السعودية وليس إلى إجراءات أو تحريك من أي دولة أخرى».
(الأخبار)




معركة الحديدة إلى الواجهة من جديد


بدا لافتاً في قائمة المطلوبين اليمنيين التي أعلنتها السعودية، مساء الأحد، خلوّها من أي أسماء محسوبة على الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، أو على حزب «المؤتمر الشعبي العام». خُلوٌّ طرح العديد من علامات الاستفهام لدى الأوساط السياسية والإعلامية في اليمن، وذهب البعض إلى تفسيره بمحاولة السعودية تقصير المسافة بينها وبين صالح. في هذا الإطار، تفيد معلومات حصلت عليها «الأخبار» بأن استبعاد «المؤتمر» من القائمة كان متعمداً بهدف التوطئة لخطوات تصعيدية سيقدم عليها «التحالف» في المرحلة المقبلة، وسيكون لصالح، وفق الرهانات السعودية، دور رئيس فيها. تقول المعلومات إن خطة السيطرة على مدينة الحديدة ومينائها، والتي كان قد خفت الحديث عنها في الآونة الأخيرة، باتت جاهزة، وهي تقتضي امتناع القوات الموالية لصالح عن التدخل في معركة الساحل، بناءً على اتفاق ستتولى الإمارات ترتيبه وإنجازه، وكذلك استقدام كل ما لدى «الشرعية» من قوات بعد تهديد وجوهها وقياداتها، وخصوصاً «الإصلاحيين» منهم، بوضعهم على «القوائم السوداء» في حال الامتناع عن التنفيذ.
وتفيد المعلومات، أيضاً، بأن الخطوة التالية بعد السيطرة المرجوّة على الحديدة تنفيذ إنزال برّي في صنعاء يشارك فيه طيران «التحالف» بكثافة بهدف منع أي إمدادات، وتسبقه جهود في استمالة «قبائل الطوق» بإغراءات مالية، ولا يُستبعد أن يلعب الجنرال علي محسن الأحمر دوراً رئيساً فيه. من هنا، يمكن فهم التصعيد غير المسبوق الذي شهدته جبهات نهم وصرواح خلال الأسابيع الماضية، والذي استطاعت قوات «الشرعية» بقيادة الأحمر، من خلاله، تحقيق اختراقات مؤقتة. ولئن كانت كل تلك الخطوات مشروعاً سعودياً ــ إماراتياً قديماً منذ أن بدا إسقاط صنعاء بالطرق التقليدية «مستحيلاً»، إلا أن إمكانية الإقدام على تنفيذه اليوم باتت أكثر جدية، بالنظر إلى اندفاع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، المحموم، نحو اتخاذ خطوات متسارعة يراها ضرورة لحسم المعركة على جبهة اليمن.
(الأخبار)