بعد مرور قرابة أسبوعين على الاتفاق الذي رعاه «المجلس السياسي الأعلى» بين حركة «أنصار الله» وحزب «المؤتمر الشعبي العام»، والذي قضى بـ«توحيد الجبهة الداخلية وعدم السماح بشقها أو خلخلتها»، يبدو، اليوم، أن علاقة شريكَي الحكم في صنعاء تتجه نحو فصول جديدة من التصعيد، قد لا تقتصر، هذه المرة، على حدود ما آلت إليه الأمور عقب الاشتباكات التي شهدتها العاصمة ليل الـ27 من الشهر الفائت.
تعزز تلك الاحتمالات جملة مؤشرات تسارعت خلال الأيام القليلة الماضية، بالتوازي مع عودة التراشق الكلامي بين وجوه الطرفين. أول المؤشرات المذكورة استعداد كل من الحركة والحزب لإقامة فعاليات متقاربة زمنياً خلال الشهر الجاري، ما ينذر بعودة الاحتكاكات السياسية، وربما الأمنية، إذ تستعد «أنصار الله» لإحياء ذكرى «ثورة 21 أيلول» بفعالية ضخمة في أمانة العاصمة، بدأ التجهيز لها بحملات دعائية في وسائل الإعلام وعلى الأرض، وبدعوات إلى أوسع مشاركة في «الفعالية»، كان أبرزها دعوة رئيس «اللجنة الثورية العليا»، محمد علي الحوثي، إلى الاحتشاد في «ساحة السبعين»، وتجهيز «أكبر القوافل لدعم الجبهات» بالمناسبة.
في المقابل، يراهن «المؤتمر» على قرب حلول ذكرى «ثورة 26 أيلول»، لإعادة التحشيد لمصلحته، على غرار ما جرى في الـ24 من آب الماضي، في الذكرى الـ35 لتأسيس الحزب. ومن هنا كانت دعوة اللجنة العامة لـ«المؤتمر»، أمس، إلى «إقامة المهرجانات الاحتفائية على مستوى المحافظات بأعياد الثورة». دعوة ترافقت مع هجوم «حاد» على «أنصار الله»، على خلفية القرارات التي أصدرها رئيس المجلس السياسي الأعلى، صالح الصماد، السبت الماضي، والتي أطاحت عدداً من المسؤولين المحسوبين على الرئيس السابق علي عبدالله صالح من مجلس القضاء الأعلى والهيئة العامة للتأمينات والمعاشات.

يستبعد مراقبون أن تكون «الحركة» البادئة في فرط
التحالف مع «المؤتمر»

ووصفت اللجنة، عقب اجتماع استثنائي لها برئاسة صالح، تلك القرارات بأنها «أحادية الجانب، ومخلة بمبدأ الشراكة والتوافق، بل وتخدم أهداف ومخططات قوى العدوان في شق الصف الوطني»، معتبرة إياها «غير ملزمة». واستغرب المجتمعون «الحملة السياسية والإعلامية الممنهجة والمخطط لها مسبقاً من قبل أنصار الله ضد المؤتمر الشعبي العام وقيادته»، لافتين إلى أن «تلك الحملة استمرت في التصاعد، وبوتيرة عالية، من خلال عملية الشحن والتعبئة والتحريض التي امتدت إلى وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، وإلى المساجد والفعاليات الثقافية والمهرجانات ومختلف وسائل التواصل الإجتماعي».
وشددت اللجنة العامة لـ«المؤتمر» على ضرورة أن «يكون التفاهم والتنسيق بين القوى المناهضة للعدوان هو الرافعة الحقيقية للتعاطي السياسي مع أي حوارات أو مشاورات أو مفاوضات خارجية»، مؤكدة رفضها «أي تفاهمات أحادية من قبل أي طرف». وعلى الرغم من ذلك الموقف التطميني الذي ما فتئ «المؤتمر» يكرره منذ مدة، إلا أنه يبدو واضحاً أنه ما زال لدى «أنصار الله» توجّس من إمكانية إقدام رئيس الحزب على عقد صفقات جانبية بعيداً من التفاهم مع شركائه، خصوصاً أن «الغزل» الخارجي الموجه إلى صالح تجاوز، خلال الأيام الماضية، الجانب الإماراتي، ووصل إلى السعودية التي بدأت منابرها، حديثاً، تداول فكرة التحالف مع الرئيس السابق.
في هذا السياق، ثمة اعتقاد لدى البعض بأن التعامل الخليجي مع الخلاف بين «أنصار الله» و«المؤتمر» تعدّى حدود الاستثمار فيه لزعزعة الجبهة الداخلية المناوئة للعدوان، وتحوّل إلى مراهنة جدية على فصل الحركة عن الحزب، بما يسمح، في نهاية المطاف، بالخروج من أوحال المستنقع اليمني. وانطلاقاً من ذلك الافتراض، يمكن فهم الضخ المكثف في وسائل الإعلام الموالية للسعودية والإمارات في اتجاه تسعير الخلاف اليمني الداخلي، وتحمية رؤوس «المؤتمر»، وتحريض قواعده على «أنصار الله»، كما يمكن فهم محاولات التودّد السعودية لصالح، وإن أتت على شكل تساؤلات حول جدوى انفتاح الرياض على الرئيس السابق، وتنبيه الأخير إلى أن جزءاً من عمليات «التحالف العربي» في صنعاء يستهدف فك «الطوق» الذي يحاول «الحوثيون» فرضه عليه في مسقط رأسه في سنحان.
على المقلب اليمني، يبدو صالح، ومعه القيادات «المؤتمرية» الموالية له، في حالة ترقب مستمر لتحركات «أنصار الله» وخطواتها السياسية والأمنية. ولئن ظَهَر، عقب المهرجان الأخير لـ«المؤتمر» في ميدان السبعين، أن الرئيس السابق والمحيطين به استشعروا خطورة التصعيد ضد «أنصار الله» التي باتت لها اليد الطولى في المجالين العسكري والأمني، خصوصاً في صنعاء، إلا أنه من غير المعلوم، إلى الآن، ما ستؤول إليه تقديرات اللجنة العامة لـ«المؤتمر» التي وُضعت في حالة انعقاد دائم، إذا ما تراءى لصالح أن الظرف بات مناسباً لفضّ عرى الشراكة مع «أنصار الله». هذا الاحتمال بالذات هو ما تتحسّب له الحركة، التي تقول مصادر إنها وصلت إلى اقتناع بأن الرئيس السابق أصبح «عبئاً عليها»، وبأنه «لم يعد بمقدوره تقديم أكثر ممّا فعل»، خصوصاً أن أغلب من يرابطون، اليوم، على الجبهات، هم من المقاتلين الموالين لـ«أنصار الله». بيد أنه، ومع ذلك، يستبعد مراقبون أن تكون الحركة هي البادئة في فرط عقد التحالف مع «المؤتمر»، وتفجير الوضع في وقت تشتد فيه حاجة اليمن إلى وحدة الصف. لذا، تذهب معظم الترجيحات إلى أن «أنصار الله» ستركن إلى العمل «الناعم» القائم على تجريد خصومها «المحتملين» من عناصر القوة، ومحاولة استمالة القيادات «المؤتمرية» إلى صفّها بعيداً من صالح، والتركيز على إفهام الإقليم والعالم أن أيّ محاولة لعقد تسويات مع غيرها لن تغيّر مجرى الأمر الواقع في اليمن، ولن تبوء إلا بالفشل.
(الأخبار)