صنعاء | طوال ثلاثة أشهر، مدّة العدوان السعودي على اليمن، ظلّت محافظة حضرموت بعيدة عن مرمى الغارات السعودية وبمنأى عن الحصار الخانق المفروض على بقية المحافظات اليمنية، رغم خضوعها لتنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» المدرج على «قائمة الإرهاب» السعودية، والذي خصصت واشنطن، الداعمة للحرب السعودية الحالية، استراتيجية لمكافحته في اليمن منذ أكثر من عقد.
ذبحٌ وتجارة ومصادرة أموال الحكومة

أعلن «القاعدة»، مدينة المكلا عاصمة حضرموت، «إمارةً» له، مركّزاً نشاطه على الخطّ الساحلي (المطلّ على بحر العرب) من حدود المحافظة مع شبوة، حتى حدودها مع المهرة، ومسيطراً بذلك على واحد من أهم الموانئ في المنطقة. ومنذئذٍ، تصل شحنات المساعدات والوقود من السعودية إلى ميناء المكلا، كما تصل شحنات تجارية ونفطية برّاً إليها ليتولى «القاعدة» إدارتها وتوزيعها. وبعدما سيطر التنظيم على المدينة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من نصف مليون نسمة (إحصائيات 2005)، نفذ هجوماً كبيراً على سجنها المركزي مطلقاً سراح أخطر عناصره وقادته، وبينهم خالد باطرفي، الذي أصبح فور خروجه أميراً على المكلا. وعلى الفور، بدأ بتنفيذ الأحكام والإجراءات الخاصة بالتنظيم من محاكمات واعتقالات بحق المواطنين، وينفذ التنظيم جرائم الإعدام في كثير من الأحيان لإخافة الناس من مجرد الاعتراض على ممارساته.
تصل شحنات المساعدات
والوقود من السعودية إلى «القاعدة» في ميناء المكلا

كما باتت مزاولة النشاط السياسي في المحافظة أمراً مستحيلاً، وخصوصاً بعدما اعتقل «القاعدة» عدداً من القادة التابعين لأحزاب يمنية، غير أن كل من اعتقلهم التنظيم يتبعون فقط القوى التي ترفض العدوان السعودي، وتحديداً من حزب «المؤتمر الشعبي العام» أو أخرى تابعة لـ«الحراك الجنوبي» أو من أتباع الطريقة الصوفية، فيما يكون مصير أي شخص يتبع «أنصار الله» أو يناصرهم هو الإعدام ذبحاً.
ويؤكد القيادي في حزب «التجمع الوحدوي»، ناصر باقزقوز أنه لا وجود لسلطات الحكومة في ساحل حضرموت، بما فيها المكلا، باستثناء مكتب البريد في المدينة الذي لا يزال يصرف الرواتب التي تأتي من صنعاء للمتقاعدين فقط، أما رواتب باقي الموظفين فقد عجز عن صرفها طوال الشهور الماضية. ويضيف باقزقوز في حديثٍ إلى «الأخبار»، إنه « يتم تحويل رواتب الموظفين التي تصل أحياناً من صنعاء عبر أحد الصرّافين المحليين الموالين لـ«القاعدة» والذي يعمل تحت حمايته»، لافتاً إلى أن «القاعدة» يعمل على محو أي وجود للدولة في المناطق التي يسيطر عليها.
وتفيد المعلومات بأن التنظيم هو من يتسلم المواد الإغاثية المرسلة من السعودية ومن بقية الدول، ويبيعها عبر تجار ‏تابعين له ولحزب «الإصلاح»، بدلاً من توزيعها على المواطنين. وفي الوقت نفسه، فرض التنظيم حظراً على كل قادة الدولة والقضاء وصادر صلاحياتهم، مستولياً على مقارّهم وأخذ سياراتهم الحكومية. وبحسب المعلومات، فقد فاق عدد السيارات التي استولى عليها الـ 50 سيارة، علاوةً على نهب البنوك والمصارف واحتلال المنشآت الحكومية والاستيلاء على وثائقها والعبث بمعاملات الناس وملفّاتهم، بالإضافة إلى إحراقه أرشيف بعض المؤسسات، ليحوّل المكلا وبعض المدن إلى ولايات تابعة له ‏ولعزلها تماماً عن سلطة الدولة في صنعاء‎.

التنظيم يبيع النفط وسط صمت دولي

تضمّ محافظة حضرموت أكبر الحقول النفطية في اليمن، التي تتبع عدداً من الشركات النفطية الأميركية والفرنسية وغيرها. منذ سيطرته على المحافظة، استولى التنظيم على المخزون النفطي هناك، بدأ ببيعه بزيادة 20 ريالاً لليتر الواحد، وبمحاصصته مع أعضاء «المجلس الأهلي الحضرمي» (الهيئة التي أنشأتها الرياض أخيراً بالتنسيق مع قادة «الإصلاح»، وقادة موالين للرئيس الفار عبد ربه منصور هادي).
ويثير الصمت الدولي إزاء سيطرة «القاعدة» على مناطق نفطية حسّاسة في حضرموت، تساؤلات تحيل على فرضيات تم تداولها بهذا الشأن، عن أن سيطرة التنظيم على المحافظة بعد خمسة أيام من بدء العدوان، جاءت نتيجة خطة سعودية أميركية تهدف إلى إبعاد منابع النفط عن متناول الجيش وحركة «أنصار الله» في صنعاء. وفيما كانت الثروة النفطية في عهد النظام السابق مقسمة على حصص بين القوى النافذة الحاكمة للبلد على هيئة شركات، يحصد التنظيم الآن عوائد كبيرة من إيرادات الضرائب التي تصل في اليوم الواحد الى 2 مليون ريال. ويستغل التنظيم سيطرته على المدينة ومرافقها، ليقوم بإرسال شحنات أسلحة عبر سفنٍ يمتلكها مواطنون، يلزمهم كرهاً بإيصالها إلى مناطق الحرب بين الجيش و»اللجان الشعبية»، وبين عناصر التنظيم في محافظات عدن وأبيَن وشبوة. ويضغط «القاعدة» على مسؤولي فروع المؤسسات الحكومية في المحافظة لتوقيع صفقات ومناقصات تجارية بالقوة، مستغلاً اسم السلطات الرسمية لتأتي عوائدها لحسابها، فيما تتواصل الحركة التجارية عبر الميناء والسواحل الواقعة تحت سيطرته.

بحاح يتواطأ ويسهّل

يتخذ فرع «القاعدة» في حضرموت من «أبناء حضرموت» اسماً له. ويرى باقزقوز أن رئيس الحكومة المستقيلة خالد بحاح ومحافظ حضرموت عادل باحميد متواطئان مع التنظيم. «اللافت هو إصرارهما على تسمية التنظيم باسم أبناء حضرموت في تجاهلٍ للجرائم اليومية التي يقوم بها التنظيم ضد أبناء حضرموت الفعليين»، يقول باقزقوز الذي يشير أيضاً إلى أن سقوط المحافظة جرى من دون مقاومة وعبر «تسلّم وتسليم». وتساءل القيادي اليمني مستغرباً: «هل تصدّق أن بحاح حتى الآن لم يتكلم عن أن «القاعدة» يحتل حضرموت؟»، مضيفاً: «هذا نفهمه تواطؤاً وتسهيلاً».
في هذا السياق، علمت «الأخبار» أن وفداً يتبع «المجلس الأهلي الحضرمي» توجه الأسبوع الماضي إلى السعودية، حيث التقى بحاح طالباً منه الدعم، وهو ما يؤكده باقزقوز الذي قال إن «المجلس الأهلي» هو مجموعة من الأشخاص اختارهم «القاعدة» لفرضهم على الناس كونهم يمثلون أبناء حضرموت، معتبراً أن تلك الزيارة تؤكد التنسيق بين الرياض وفريق هادي من جهة، وبين «القاعدة» من جهة أخرى.
ويضمّ «المجلس الأهلي» مجموعةً من المتنفذين والفاسدين ومن أتباع السلفية المتشددة، وقد أسس فرعاً له في مدينة شبام التاريخية، الأمر الذي رفضه علماء الطريقة الصوفية التي يمثل أتباعها غالبية القاطنين في المدينة، وهو ما يُرجّح ربطه باغتيال «القاعدة» العلامة السيد حسين عبد الباري العيدروس، أحد أكبر علماء الصوفية في شبام.
وأثار اغتيال العيدروس إمام وخطيب جامع الحزم في شبام سخطاً شعبياً في الشمال والجنوب. ومن المعروف أن العيدروس كان مؤيداً بشكلٍ علني لثورة «سبتمبر 2014»، ولحركة «أنصار الله»، ورافضاً للعدوان ولوجود «القاعدة» في حضرموت. وأشارت المعلومات إلى أن العيدروس كان قد تلقّى تهديدات سابقة، في حين كان يلقي في المسجد خطابات مؤيدة لـ«ثورة سبتمبر» ولـ«أنصار الله». وكشفت معلومات أن أحد منفذي الاغتيال هو المدعو يوسف بن طالب الكثيري، وهو أحد أخطر عناصر «القاعدة» في مناطق الوادي والصحراء في المحافظة.