نيويورك | بدأت القيادة السعودية الجديدة تعامل الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي بجفاء واستخفاف، ممعنةً في إهانته مع أعضاء حكومته، رغم أنها لا تزال في حاجة لهم لبعض الوقت. لجأت إلى أساليب وصفها أحد الدبلوماسيين بـ «المخزية إلى حدّ الضعة» في تعاملها مع ضيوفها اليمنيين الذين «صنعتهم» بنفسها ليمثلوا «الشرعية». كأنها تحمّل هؤلاء تبعة الفاتورة الكبيرة التي دفعتها في غزوتها الفاشلة. التقديرات الأولية تشير إلى أن فاتورة حرب اليمن ستجعل الحكومة تواجه عجزاً مالياً في نهاية السنة لا يقلّ عن مئتي مليار دولار. بينما كانت تسجل فائضاً كبيراً في السنوات الماضية. وهذا سيرتد سلباً على مكانتها الإقليمية، لكون زعامتها تقوم على شراء الشخصيات والمفاتيح ورشوة الدول والمنظمات، بما في ذلك الأمم المتحدة، لكن حتى هذه الأخيرة تشعر هذه الأيام بأن السعودية خدعتها بصورةٍ مبتذلة، ولم تفِ بتعهداتها المالية.
يشعر هادي الذي عيّنته الرياض رئيساً لليمن ‫بالجفاء. يتعامل معه المسؤولون السعوديون بقلة احترام ولا يصغون لكلامه، كما هم لا يخفون ضيقهم منه ومن حكومته. وإمعاناً في إهانته مع الحكومة، جرى إسقاط نجوم من الفنادق المخصصة لهم مع أن الرياض لا تزال تحتاجهم لحضور «مؤتمر جنيف» أو إفشاله. هادي، وشعوراً منه بأنه لا يزال يملك هذه الورقة وحدها، يصرّ على حضور المؤتمر، علماً أنه قد يغير رأيه تحت الضغوط في الأيام المقبلة، فهو لم يكن زعيماً يوماً ما، ولم يعد يمثل أحداً خارج الرياض.‬

‬ضيوف مطرودون

المضايقات لم تقتصر على هادي وفريقه المباشر. مئات الشخصيات المعروفة وغير المعروفة من القبائل المختلفة وأعضاء في الجمعيات الأهلية ولجان الشباب والنساء، جمعتهم السعودية في «مؤتمر الرياض»، تحت وعود بمكافآت مالية، قبل أن تتخلّى عنهم بطريقةٍ مهينة في الأسابيع الاخيرة. هؤلاء لن يعودوا إلى اليمن خالي الوفاض وحسب، بل سيعودون مديونين للفنادق التي سكنوها لأسابيع. بعضهم يتحدّث عن عمليات احتيال وفساد سعودية أحرجتهم كثيراً. ويقولون إن المؤتمن على الدفع لم يسدّد الحساب للفنادق بحسب المتوقع، أو أن «الأمر» بإذلالهم صدر من «مراكز عليا» لأن المؤتمر لم يحظَ بالاعتراف الدولي المطلوب.
صفقة الرياض مع الامم
المتحدة: تعيين ولد الشيخ مقابل ٢٧٤ مليون دولار للمساعدات

وخلال الأزمة اليمنية سجلت العديد من مظاهر الفساد السعودية. من بينها مثلاً، اكتشاف أمر صناديق من الأوراق النقدية السعودية نُقلت جوّاً إلى قبائل موالية في شبوة ومأرب لحملها على دعم حزب «الإصلاح» وتنظيم «القاعدة»، جرى طبعها في مطبعة خاصة، ولم تكن أوراقاً نقدية شرعية. هذه الأموال أحرقتها القبائل أمام عدسات الكاميرا، ما فُسر حينها بأن الأموال الحقيقية استبدلت «بعدما سرقتها شخصية رفيعة لا يجوز البوح باسمها».
من جهةٍ أخرى، بدأ أعضاء الأحزاب اليمنية يشعرون بالضجر والإهانة، خشية تحول وضعهم إلى التهميش التام. فالحراك العسكري السعودي لم يؤمن لهم حتى الآن متراً مربعاً واحداً آمناً، كي يقيموا عليه دولةً افتراضية. بدوا وكأنهم هم الخارجون على القانون والشرعية لا «أنصار الله». فالجيش اليمني لا يزال الطرف الرئيسي لحفظ الأمن بتحالفه مع «اللجان الشعبية» بقيادة «أنصار الله». ومع طول الحرب التي انتقلت إلى داخل الأراضي السعودية بعمق يتجاوز أحياناً عشرين كيلومتراً، وليس في الجانب اليمني وحده، بدأت الخلافات بين هادي وفريقه مثل وزير خارجيته رياض ياسين ونائبه خالد بحاح، تتفاقم، بحيث يبدو أن هادي يشعر أكثر من أي وقتٍ مضى، بأن أجله السياسي اقترب. فالرياض، على ما يبدو، لم تعد تثق سوى بزعيم «الإصلاح» علي محسن الأحمر الذي تريد تعيينه في أي حكومة جديدة لليمن. والجنوبيون الذين راهنوا على الاستقلال في نهاية الحرب، لم يعودوا يحلمون بأي تحقيق لطموحاتهم، ولا سيما أن الرياض ترفض منح أي دور لعلي ناصر محمد، رئيس الجنوب السابق. وبناء عليه، بات هادي يتصرف بطريقة دفاعية مستغلاً كل ما لديه من شرعية دولية.
هذا التوجه أقلق حلفاء الرياض كثيراً، ولا سيما مصر والإمارات، وفي الوقت نفسه أغضب الولايات المتحدة التي انتقلت إلى التعامل مباشرةً مع «أنصار الله» عبر مفاوضتها في العاصمة العُمانية مسقط، حيث توصلت معها إلى تفاهم، لكونهما مجتمعين على قتال «القاعدة» و»داعش»، وهو الهمّ الأساس للحكومة الأميركية في الوقت الراهن، كما ترى واشنطن ودول إقليمية مثل مصر والإمارات، أن أي دعم سعودي وقطري لحزب «الإخوان المسلمين» في اليمن (الإصلاح)، سيترجم تعزيزاً لدور التيارات الإسلامية المتطرفة كلها في المنطقة وحتى خارجها.
في هذا الوقت، يبدو أن صبر الرياض قد بدأ بالنفاد. هي تريد إحراز انتصار بأي ثمن حتى ولو كان بالتحالف مع «القاعدة». ‫السعوديون وبعد أشهر من القصف الأعمى والتدمير الممنهج الذي قد يورّطهم في دعاوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لكونهم لم يوفروا الإنسان والبنى المدنية والمعالم الأثرية، ما زالوا يراهنون على استسلام «أنصار الله» والجيش اليمني. وفي المقابل، لاحظ خبراء عسكريون أن القذائف والصواريخ السعودية الثقيلة توشك على النفاد، مستدلّين على ذلك بعدم انفجار الكثير منها في صعدة وفي صنعاء. وفسّروا بأن ترسانة السعودية الصدئة دخلت المعركة بعد نفاد الصواريخ الجديدة. أما وصول ‬شحنات فيحتاج إلى بعض الوقت، ولا سيما أن واشنطن لم تعد ترى منفعة لها من استمرار القتال.

«نصب» على الأمم المتحدة

الأمم المتحدة باتت أيضاً تشعر بضيقٍ من السعودية ومن تصرفاتها «غير المتّزنة». لقد حدد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون موعد «مؤتمر جنيف» في ١٤ من الشهر الحالي، من دون أن يشير في البيان الذي أصدره السبت الماضي إلى قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢١٦ كمرجعية وحيدة للمؤتمر، بحسب رغبة الرياض. إنما أشار إلى كل القرارات الدولية والاتفاقات المتعلّقة باليمن. الرياض تريد من «جنيف» أن يطبق القرار الأخير وحسب لأنه يعوّضها في جنيف ما فشلت عن نيله في صنعاء.
كذلك، لوحظ أن بان المستاء من السعودية لأسباب عدة، خفض تسمية «جنيف» من «مؤتمر» إلى «مباحثات» يمنية برعاية الأمم المتحدة. وفي ذلك دلالة على تقليص مستوى التوقعات رغم أن الوضع الإنساني في اليمن تجاوز شفير الكارثة منذ وقتٍ بعيد.
لكن الأمين العام مستاء أيضاً من تصرفات السعودية، لأسباب مادية. فالسعودية تعهدت، قبل تعيين اسماعيل ولد شيخ أحمد مبعوثاً دولياً لليمن، تسديد كل النداء الإنساني لليمن بقيمة ٢٧٤ مليون دولار، رابطةً هذه المساعدة بالتعيين. والأمم المتحدة التي تدرك مدى صعوبة جمع أموال في الوقت الذي تكاثرت فيه الكوارث الانسانية في العالم، قبلت المساومة، وعينته استجابةً لرغبة السعودية، لكن المبلغ لم يُدفع حتى اليوم بعد مرور أشهر على التعهد به، بل إن السعودية أبلغت الأمم المتحدة أنها ستتولى إرسال المساعدات إلى اليمنيين عن طريق ترتيباتها الخاصة من دون إشراف الأمم المتحدة. وهذا يعني أنها تريد استخدام المساعدات ورقة ضغط على اليمنيين لشراء الذمم، ولا سيما أن باع المملكة في هذا المجال طويل. فاللجنة الخاصة السعودية التي تضم أسماء مئات السياسيين اليمنيين هي المسؤولة عن توزيع «المكرمات الملكية» وشراء الذمم والولاءات في اليمن، حتى إن فسادها شمل حتى كبار يساريّي عدن ونواحيها. ‬
هذا الاحتيال على الأمم المتحدة هو الثاني من نوعه للسعودية خلال أقل من عام. في العام الماضي جاء عادل جبير، الذي كان سفير السعودية في واشنطن آنذاك، إلى بان كي مون حاملاً صكاً بقيمة ١٠٠ مليون دولار لتمويل مكتب «مكافحة الإرهاب»، وسلمه إياه على مرأى من وسائل الإعلام. لكنه اتضح فيما بعد أن مقر مكتب «مكافحة الإرهاب» يقع في السعودية نفسها، أي إن السعودية سلمت الصك في نيويورك لكي يُصرف في الرياض، ونالت السمعة المطلوبة بأنها «تحارب الإرهاب».‫‬
اليوم يشعر بان بأن السعودية تلعب معه لعبة «غير شريفة». وكان المسؤول الدولي قد عبّر مراراً عن استيائه من القصف العشوائي ومن رفض الرياض تمديد الهدنة الإنسانية استجابة لطلبه، ولا سيما أن مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية ينوء تحت أعباء مالية هائلة في أزمات تمتد من جنوب السودان إلى أفغانستان وبورما. ‬
هذا كلّه في العلن. أما في السرّ، فقد أدرك الأمين العام أن المبعوث الجديد الذي اختارته السعودية لا يتمتع بالمؤهلات اللازمة لتولّي المهمة. لقد ارتكب ولد الشيخ أخطاء فادحة في مساعيه وجولاته، ليس أقلّها أنه سأل السعودييين: «كم تريدون من الوقت لإتمام حملتكم؟». فهو يهادن الرياض على حساب أرواح اليمنيين، الأمر الذي أغضب «أنصار الله» وجعلهم يُضعفون تواصلهم معه. ولم يخرج ولد الشيخ بأي تصريح يدلّ على أنه صاحب موقف أو خطة سياسية لامعة بعدما أزيح عن المنصب جمال بن عمر الذي سجل نجاحات كبيرة وتميز بالمرونة والحنكة النادرتين. وقالت أوساط سياسية مطلعة في نيويورك عن ولد الشيخ إنه «يتخبط في مساعيه كالضائع». فالمهمة أكبر منه بكثير. هو يعمل على عقد مباحثات جنيف، وهو يدرك أن الاجتماع لن يكتب له أي نجاح بسبب شروط السعودية غير الواقعية.




هادي: لا مفاوضات مع الحوثيين في جنيف

أكد الرئيس اليمني الفارّ عبد ربه منصور هادي ورئيس الحكومة المستقيلة خالد بحاح أن الاجتماع الذي ستحتضنه جنيف في 14 من الشهر الحالي، ليس تفاوضاً مع حركة "أنصار الله"، بل مجرد "تشاور في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216"، الذي ينصّ على انسحاب الجيش اليمني و"أنصار الله" من المحافظات والمدن اليمنية. وقال هادي، في مقابلةٍ تلفزيونية، إن الاجتماع الذي سيعقد في المدينة السويسرية برعاية الأمم المتحدة "لا يهدف للمصالحة". وأشار في سياقٍ آخر إلى أن دور إيران في اليمن أكبر من دور تنظيم "القاعدة"، متابعاً بالقول إن "القاعدة نستطيع أن نصفيها، لكن إيران عملها ممنهج ومسيّس". من جهته، أكد خالد بحاح أن اللقاء في جنيف للتشاور، مشدداً على أولوية استعادة الدولة ومن ثم استكمال العملية السياسية على أساس "المرجعيات" المتفق عليها مسبقاً والتي لن يجري التفاوض حولها، مشيراً إلى أن التفاوض مجدداً يعني "التراجع إلى ما قبل 4 سنوات مضت".
(أ ف ب)