«ما بعد مجزرة الصالة الكبرى، لن يكون كما قبلها». قد تكون عبارة رئيس أركان الجيش اليمني، شرف لقمان، خير تعبيرٍ عن أثر الجريمة التي ارتكبها طيران التحالف السعودي أول من أمس في صنعاء. الجريمة الأكبر في تاريخ العدوان، من حيث عدد الشهداء والجرحى، تفتح صفحة جديدة في الحرب، وتنقل المواجهة إلى مستويات أخرى، عسكرياً وسياسياً. هذا على الأقل ما أوحت به التصريحات السياسية لطرفي الصراع، والتي بيّنت من جهة الاستنفار العام في اليمن للردّ على الجريمة على الجبهات الحدودية والداخلية، ومن جهة أخرى التصريحات الأميركية التي أشارت إلى استعداد واشنطن لمراجعة فورية لدعمها لحرب السعودية في ضوء الأحداث الأخيرة، مؤكدةً أن الدعم «ليس شيكاً على بياض». وإن كانت هذه ليست المرة الأولى التي تشكك فيها واشنطن بحرب حليفتها، وخصوصاً بعد عشرات التقارير الحقوقية التي أثبتت مقتل مدنيين بغارات طيران التحالف السعودي، يُعدّ تصريحها مفصلياً، إذا ما تُرجم في واقع الحرب المستمرة منذ سنة وسبعة أشهر.في اليمن، الصدمة كانت كبيرة جداً. فعلى الرغم من تكرار عشرات المجازر منذ بداية الحرب، بين الأسواق والمدارس والمستشفيات والمساجد والأحياء السكنية، كان احتمال الاستهداف الجوي لصالة مكتظة بمعزّين بعيداً عن التوقع، حتى يوم السبت. إلا أن طيران التحالف أثبت أن لا سقف لعمليات القتل المجاني التي يقترفها، أو حرمةً لأي مناسبة.
لكن الصدمة سرعان ما حوّلها زعيم «أنصار الله» إلى دعوةٍ إلى «النفير العام» والالتحاق بالجبهات «من أجل الثأر من قتلة النساء والأطفال»، في خطوةٍ تعني أن الأيام المقبلة ستشهد تصعيداً في العمليات العسكرية، بعدما كانت الأيام الماضية قد حملت مؤشرات إلى انفراجةٍ سياسية واقتراب إرساء هدنة جديدة.
عبّرت واشنطن عن استعدادها لتعديل دعمها للحرب السعودية

السيد عبد الملك الحوثي توجه إلى اليمنيين بالقول: «علينا أن ننفر على كل المستويات، علينا أن نأخذ بثأرنا لنكون رجالاً وأحراراً... إذا تخلفنا لن يسامحنا التاريخ ولن تسامحنا الأجيال». وتابع قائلاً: «الذين عادوا من الجبهات عليهم العودة إلى جبهاتهم... انهضوا، تحركوا لتكونوا شرفاء وأحراراً، وإلا فلعنة التاريخ كبيرة أمام هذه الجرائم الفظيعة».
وخاطب الحوثي قبائل خولان الذين استهدف العدوان عزاء أحد أبنائهم (والد وزير الداخلية السابق، جلال رويشان) بالقول: «أتوجه إلى الأحرار الشرفاء في خولان الطيال والمناسبة مناسبتهم، لن أحدد لكم ما تفعلون، لكن بحكم ما أعرفه عنكم من شهامة ورجولة... كونوا عند مستوى ما تفرضه مسؤوليتكم الدينية أمام الله ومسؤوليتكم الوطنية والقبلية».
بدوره، دعا الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، إلى القتال على الحدود مع السعودية، قائلاً: «آن الأوان وحانت ساعة الصفر كي أدعو كل أبناء القوات المسلحة والأمن واللجان الشعبية إلى جبهة القتال، إلى الحدود للأخذ بثأر ضحايانا الذين سقطوا جراء المجازر المروعة، وأكبر مجزرة هي الصالة الكبرى». ووصف صالح التحالف بـ«العدوان البربري الغاشم، عدوان آل سعود ومن تحالف معهم، عدوان المذهب الوهابي التكفيري»، داعياً «كل أبناء الوطن» إلى مواجهته. وأضاف «على وزارة الدفاع ورئاسة الأركان ووزارة الداخلية وضع الترتيبات اللازمة لاستقبال المقاتلين في جبهات الحدود في نجران وجيزان وعسير ومواجهة العدوان». وحض صالح هؤلاء على أن «يردوا الصاع صاعين».
تصريحات الطرفين اليمنيين (الحليفين) في الحرب تزامنت مع إعلان وفدهما إلى المفاوضات تعليق كل المحادثات السياسية بعد المجزرة، في عودةٍ إلى المربع الأول بعد التقدم الجزئي في المسار السياسي خلال الأيام الماضية.
وكانت قيادة التحالف السعودي قد تنصلت من مسؤولية الغارات، نافيةً أن تكون قواته قد نفذت أي عمليات جوية في مكان الضربة. وعبرت قيادة «التحالف» في بيان عن «عزائها ومواساتها لأسر الضحايا والمصابين»، مؤكدةً أن لدى قواتها تعليمات واضحة وصريحة بعدم استهداف المواقع المدنية. وقالت في بيان إنه سيتم إجراء تحقيق فوري من القيادة بمشاركة خبراء أميركيين، وستعلن النتائج فور انتهاء التحقيق. لكن بيان «التحالف» تضمن جملة غامضة، يمكن تفسيرها بطرق عدة، وهي أن «من الممكن التفكير في أسباب أخرى للقصف الذي حدث في صنعاء».
أما واشنطن، فقد عبّرت عبر مجلس الأمن القومي عن «انزعاجها بشأن الضربة الجوية على صالة عزاء في اليمن»، وقالت إنه إذا تم تأكيدها، فإنها تأتي «في إطار سلسلة الهجمات المقلقة للغاية تجاه المدنيين اليمنيين». وأكد المجلس أن التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والسعودية «ليس شيكاً على بياض»، مضيفاً أنه في ظل الجهود الرامية إلى تعزيز القدرات الدفاعية للسعودية بُغية الحفاظ على سلامة أراضيها، «نشير إلى أننا أعربنا وسنواصل الإعراب عن مخاوفنا الجادة حول الصراع في اليمن وحول كيفية وطريقة شنها». وأضاف المتحدث باسم المجلس، تيد براس، أنه في ضوء ما حدث وبالإضافة إلى الحوادث الأخيرة، «لقد شرعنا في تنفيذ مراجعة شاملة لدعمنا ــ الذي هو أصلاً محدود ــ للتحالف الذي تقوده السعودية، ونحن على أتم استعداد لتعديل دعمنا تماشياً مع المبادئ والقيم والمصالح الأميركية، وبما في ذلك تحقيق وقف فوري ودائم للصراع المأسوي في اليمن».
وفي بريطانيا، ثاني أكبر داعم للرياض في هذه الحرب بعد الولايات المتحدة، أعرب وزير دولتها لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، توبياس إلوود، للسفير السعودي لدى لندن عن قلقه إزاء المجزرة. وقال إلوود للسفير السعودي، محمد بن نواف بن عبد العزيز، إن «الصور من مكان الحادث صادمة»، داعياً إلى إجراء تحقيق فوري في الحادث.
كذلك، أدانت وزارة الخارجية الفرنسية بشدّة المجزرة، داعيةً «التحالف» إلى السماح فوراً بتحقيق دولي مستقل حول ملابسات المجزرة. وناشدت الخارجية «كل أطراف النزاع» ضرورة الاحترام الصارم لأخلاقيات الحرب والمواثيق الدولية التي تحظر استهداف المدنيين، وهو ما عدّه مراقبون خروجاً فرنسياً من حالة «الزئبقية» التي طبعت موقفها من هذه الحرب من البداية. وقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك إيرولت، أنه سيلتقي ظهر اليوم الاثنين، في باريس، المبعوث الأممي الى اليمن، اسماعيل ولد الشيخ، للتشاور بشكل عاجل حول «عواقب وانعكاسات هذه المجزرة على الجهود الدبلوماسية».
(الأخبار)




500 ضحيّة... والمعروفون قلائل

على الرغم من مضيّ يومين على الجريمة، لا تزال أسماء الضحايا غائبة بسبب صعوبة التعرف إلى العشرات من الجثث، وخاصة أنّه بعد الغارة الأولى على الصالة الواقعة وسط حيّ سكني في شارع الخمسين الشهير في صنعاء، استطاع عشرات المعزّين الهرب، لكن طيران «التحالف» أتبعها بصاروخ شديد الانفجار، أوقع 140 شهيداً، على الأقل، وما يزيد على 315 جريحاً، وأحدث حريقاً هائلاً داخل القاعة، ما أدى إلى اختناق وتفحم العديد من الجثث.
ومن بين الضحايا الذين جرى التعرف إليهم، أمين العاصمة، عبد القادر هلال (الصورة)، الذي كان من أبرز المرشحين لرئاسة الحكومة. ويعدّ الرجل المنتمي إلى حزب «المؤتمر الشعبي العام» أبرز وجوه ما يسمّى "التيار الثالث" الذي تحدثت عنه مبادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وكان مبعوث الأمم المتحدة اسماعيل ولد الشيخ قد أشاد به أكثر من مرة. كذلك، استشهد في المجزرة محافظ البيضاء السابق العميد محمد ناصر العامري وعدد من الأكاديميين والشخصيات الاجتماعية.