ألقت المتغيرات الميدانية التي شهدتها فترة التشاور، أو ما سمّي «إجازة مشاورات الكويت»، بظلالها على مواقف أطراف الأزمة اليمنية، ولعلّها دفعت باتجاه استئناف الجلسات في الموعد المحدد، بعدما كان وفد الرياض قد أعلن عزمه على مقاطعة المشاورات في الكويت، معتمداً في ذلك على حدوث متغيرات ميدانية لمصلحته.وفيما تحدث فريق الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي عن «ضمانات» قدمتها الأمم المتحدة لهم للمشاركة في المحادثات من جديد، كان الجيش و«اللجان الشعبية» قد أحرزوا تقدماً كبيراً في جبهات مأرب ونهم وتعز. إلا أن الحدث العسكري الأبرز كان في إطلاق ثلاثة صواريخ باليستية على مواقع قوات «التحالف»، أوّلها في معسكر ماس في مأرب، والثاني استهدف معسكر بريالين في نجران السعودية، أما آخر العمليات الصاروخية، فكان إطلاق «توشكا» في محيط منطقة ذو باب القريبة من باب المندب. العملية التي تمت ليل السبت، أدّت إلى مقتل وإصابة عشرات الجنود والمسلحين الموالين لـ«التحالف»، والذين نُقلوا ليلاً إلى مستشفيات عدن.
طرح وفد صنعاء تأجيل المحادثات إلى جولة ثالثة

وكانت مشاورات السلام قد انطلقت من جديد أول من أمس، بعد نجاح الأمم المتحدة في جمع الأطراف، بعد يوم واحد فقط من الموعد المحدد. واستؤنفت المشاورات بجلسة عامة في قصر بيان جمعت وفد صنعاء ووفد الرياض، بحضور ولد الشيخ. وبدت الجلسة كما لو أنها لافتتاح جولة جديدة، مع أن المُعلن هو أنها استئناف لما كان جارياً قبل 30 تموز الماضي، إذ اقتصرت الجلسة على الاستماع إلى كلمات ألقاها رؤساء الأطراف وكلمة ألقاها المبعوث الدولي.
سبق انعقاد الجلسة الأولى العديد من التصريحات للأطراف المتحاورين التي عكست الهوة العميقة بينهم والتباعد في الرؤى، الأمر الذي يشير إلى أن خارطة الطريق التي طرحها ولد الشيخ لم يعد لها مكان. وأعادت تلك التصريحات طرح شروط تقدم بها وفد الرياض في بداية الجولة الاولى، مثل مطالبة الطرف الآخر بتسليم السلاح والمؤسسات والمدن قبل تشكيل أي إطار سياسي، علاوة على اشتراطه أن تحدد الجولة الحالية بسقف زمني مدته أسبوعان لا أكثر. وفي كلمته التي حثّ فيها الأطراف على ضرورة الوصول إلى اتفاق، تحدث ولد الشيخ عن ضرورة تنفيذ القرار الدولي 2216 والبدء بتسليم الأسلحة والانسحاب من المنطقة (أ)، في إشارة واضحة إلى عودة المشاورات نحو المربع الأول.
وفيما بدت كلمة المبعوث الدولي خلال الجلسة متناغمة الى حدّ كبير مع مطالب وفد الرياض حتى في ما يخص السقف الزمني، شدد وفد صنعاء على ضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل وتشكيل سلطة توافقية تنفيذية، بما فيها مؤسسة الرئاسة والحكومة، معتبراً أن الحل الشامل يجب أن يكون سياسياً وأمنياً واقتصادياً وإنسانياً، ويتمثل في تشكيل مجلس رئاسي من القوى الوطنية وتشكيل حكومة وحدة وطنية من المكونات السياسية، مشدداً على ضرورة أن تستأنف مشاورات الكويت من حيث انتهت.
وفي السياق نفسه، أكد مصدر مطلع على مسار المشاورات أن وفد الرياض يصرّ حالياً على البدء بالملف العسكري والأمني قبل أي نقاش في الملف السياسي. وكشف المصدر نفسه أن المبعوث الدولي تبنّى الفكرة نفسها بعدما كان قد أفصح أنه يمتلك مقترحاً للحل (خارطة الطريق) يتزامن فيه تشكيل حكومة وحدة وطنية مع تشكيل لجنة عسكرية وأمنية، وهو ما عدّه المصدر انقلاباً على ما تم التوصل إليه في الجولة السابقة. في المقابل، تحدثت معلومات عن أن وفد صنعاء ردّ على تركيز هذه الجولة على الملفين العسكري والأمن، بطرح تأجيل كل الملفات إلى جولة أخرى في حال اقتصر النقاش على الموضوع الأمني والعسكري.
على المستوى الميداني، أكد مصدر عسكري أن صاروخ الـ«توشكا» الذي استهدف غرفة عمليات لقوات «التحالف» في منطقة المضاربة جنوبي تعز، أدى إلى «مقتل 180 عسكرياً، بينهم أجانب». وأكد المصدر أن من بين القتلى ستة سعوديين لم يتم تمييز جثثهم، وضابط مصري كبير، وثلاثة ضباط مغربيين، إضافة الى ضباط وجنود من جنسيات أخرى. ولفت المصدر إلى أن المعلومات أكدت أن قيادي عسكري رفيع المستوى في «التحالف» لم يعرف مصيره حتى اللحظة، ويعتقد أنه نائب قائد عمليات «التحالف» في باب المندب. المصدر كشف أيضاً أن مستشارين أميركيين كانوا قد غادروا المعسكر قبل الضربة بساعات، بعدما جرى النقاش بينهم وبين قيادات «التحالف» في تنفيذ عملية عسكرية كبيرة تستهدف مديريات عدة في محافظة تعز.