في سابقةٍ خلال فترة الحرب السعودية، شن حزب «الإصلاح» هجوماً لاذعاً على الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، متهماً إياه بـ«التواطؤ مع أنصار الله في السيطرة على محافظة عمران وسقوط صنعاء»، في أيلول 2014. ووجه هذه الاتهامات المحرر السياسي لموقع «الصحوة نت»، ليعود الموقع الناطق باسم الحزب ويتراجع عن المقال، مؤكداً أنه جرت قرصنة الموقع الالكتروني ونشر مادة صحافية يسيء مضمونها إلى «الشرعية» و«التحالف العربي». وعلى الرغم من صعوبة التحقق من حقيقة القرصنة، يمكن وضع الهجوم الذي شمل أيضاً السعودية بصورةٍ غير مباشرة، في سياق «العزلة» التي يغرق فيها حزب «الإصلاح» يوماً بعد آخر، بعدما بات يتصرّف في الميدان وفقاً لقناعةٍ باتت راسخة لديه وأعلنها سابقاً بأن «الحلفاء» يتعمدون إقصاءه.
وفي الذكرى الثانية لمقتل العميد في الجيش اليمني حميد القشيبي في «معركة عمران» التي مهّدت لدخول «أنصار الله» إلى العاصمة، لم يكتفِ موقع «الإصلاح» باتهام هادي بالوقوف خلف سيطرة «انصار الله» على عمران، بل تجاوز ذلك إلى اتهامه بالاشتراك بقتل القشيبي. واتخذ الموقع من الزيارة التي قام بها هادي عقب سقوط محافظة عمران في قبضة «أنصار الله»، حجةً لتهمته، حين أكد هادي «عودة المحافظة للمرة الأولى إلى حضن الدولة منذ 50 عام». كذلك، اتهم الموقع الإصلاحي السعودية، بشكل موارب، بالمساهمة بسقوط عمران ومن بعدها صنعاء، حين أشار إلى «تخلّي الرياض عن آل الأحمر»، حلفائها التاريخيين من قبيلة حاشد، «وهم الذين خاضوا مواجهات لأشهر مع أنصار الله»، انتهت بالسيطرة على حاشد التي كان يعدّها آل الأحمر بوابة صنعاء.
وبعد الاتهامات التي وجهتها فصائل مسلحة إلى «الإصلاح» بسرقة «المكاسب العسكرية على حساب تضحياتها»، اتهم الحزب الإخواني جهات لم يسمّها بـ«السعي للنيل منه والتآمر عليه والتقليل من دوره»، مؤكداً أنه «يتصدر الجبهات القتالية ضد أنصار الله».
وبمعزل عن مضمون المقال، يعاني «الإصلاح» كحزب قائم على شبكة مصالح واسعة من عزلة محلية وخارجية أشعرته بفقدان مكانته السياسية التي خسرها عقب «ثورة 21 سبتمبر» (تاريخ دخول «أنصار الله» إلى صنعاء)، وهو يرى أن استعادة هذه المكانة لن يكون عن طريق السلام. لذلك، يعمل الحزب الإسلامي منذ أشهر على تقويض أي فرصة سلام لا تحقق مصالحه وتعيد مكاسبه. فـ«الإصلاح» يجاهر عبر مختلف وسائله الإعلامية بتأييد خيار الحرب باعتباره الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تعيده إلى السلطة، ويرى في أي اتفاق سلام يقوم على الشراكة مع «أنصار الله» وحزب «المؤتمر الشعبي العام» بمثابة الرصاصة الأخيرة بحق أي دور سياسي مستقبلي له.
من هذا المنطلق، لم يعلن الحزب الذي يرأسه محمد اليدومي، تأييد اتفاق وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه كل القوى السياسيىة ودخل حيز التنفيذ مطلع نيسان الماضي. وقد ظلّ «الإصلاح» عبر مجموعاته المسلحة يدفع نحو التصعيد العسكري، في محاولة لإفشال الاتفاق. ونجح مسلحو الحزب في تصدّر المشهد العسكري، وخصوصاً في جبهات محافظات مأرب والجوف وصنعاء.
الخلافات السياسية بين هادي والتحالف السعودي من جهة و«الإصلاح» من جهة أخرى، انتقلت إلى الميدان ايضاً، حيث تشكو الجماعات المسلحة الموالية للحزب من «التهميش والإقصاء» من قبل الجماعات الموالية لهادي والمدعومة مباشرةً من «التحالف» مثل «المقاومة الشعبية». هذا الصراع البينيّ أخذ في التصاعد خلال الأيام القليلة الماضية في محافظة مأرب بسبب محاولة مجموعات «الإصلاح» الاستحواذ على أسلحة ومدرعات قدمها «التحالف» ضمن تعزيزات عسكرية للقوات الموالية لهادي، في إطار مساعي «الإصلاح» إلى قيادة الهجمات باتجاه صنعاء. وينظر الحزب إلى «معركة صنعاء» التي أعلن الموالون لـ«التحالف» إقترابها، أنها الطريق الأنسب للعودة إلى المشهد السياسي والعسكري.
من جهة أخرى، دفع ازدياد تلك الخلافات «الإصلاح» إلى البحث عن مصادر تمويل غير الرياض. وبرزت في هذا المجال، زيارة العشرات من قيادات الحزب الدوحة خلال الاشهر الماضية، كما «نزحت» قيادات عدة من الرياض إلى تركيا، في استعادةٍ لنفوذ الدولتين على الحزب الإخواني.
وبالعودة إلى المستوى المحلي، وبعد اقتحام قوات إماراتية مدعومة بقوات موالية لها مقر «الإصلاح» مطلع الشهر الماضي في مدينة المكلا الساحلية واعتقلت عدداً من قياداته، تصاعدت الدعوات في المحافظات الجنوبية إلى حظر نشاط الحزب هناك بدءاً بإغلاق كافة مقراته. إلا أن تلك الدعوات اعتبرها ناشطون في حزب «الإصلاح» محاولات مكشوفة تقف خلفها القوات الموالية للإمارات. وتعود دعوات الجنوبيين لحظر نشاط «الإصلاح» في محافظاتهم إلى مبررات عدة، منها مشاركة هذا الحزب في الفوضى الأمنية التي تشهدها محافظة عدن منذ نحو سنة. بالإضافة إلى تماهي مجموعات «الإصلاح» في عدن مع مسلحي «القاعدة». وفي هذا الإطار، قال ناشطون إن اقتحام مكتب الحزب في المكلا أعقبت حصول الأجهزة الأمنية على أدلة تؤكد النشاط المشترك لـ»الإصلاح» في نشاط مشترك مع «القاعدة».