لا يزال تفشي وباء حمى الضنك يمثل تحدّياً صعباً أمام اليمنيين الذين واجهوا اتساع رقعة هذا الوباء خلال الحرب والحصار، من ضمن جملة تهديدات صحية وغذائية تفاقمت في السنة الأخيرة.وارتفع في الأيام الأخيرة عدد ضحايا حمى الضنك في مديرية بيحان في محافظة شبوة شرقي اليمن، إلى 17 شخصاً من مختلف الأعمار، ما يجعل عدد المصابين بالحمى خلال الأسبوعين الماضيين فقط يفوق 1300 شخص. وأكدت السلطات الطبية في المحافظة التي سبق أن أعلنت الشهر الماضي بيحان «مدينة منكوبة»، عودة الحمى إلى المحافظة في ظل محدودية القدرات الاستعابية لمستشفيات المحافظة. وأكد مدير مستشفى الدفيعة في بيحان، الدكتور صلاح السيد، أن وضع الوباء تجاوز الإمكانات للقطاع الصحي، مشيراً إلى أن نوعية التدخلات الوقائية لمكافحته محدودة، وليس بمقدورهم سوى البرامج التوعوية، أو حملات الرش الضبابي للمنازل ومصادر البعوض الناقل للوباء، مؤكداً تسجيل حالات انتكاسة لبعض من المرضى الذين سبق لهم أن شفوا.
وكان مكتب الصحة والسكان في شبوة قد ناشد حكومة الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي والتحالف السعودي أواخر الشهر الماضي التدخل العاجل لمدّ مستشفيات المحافظة بالأدوية والمستلزمات الطبية، إلا أن نداءه الإنساني قوبل بتجاهل تلك الحكومة، ولم يسجل دخول أي إمدادات طبية إلى مستشفيات المحافظة في خلال الفترة الماضية.
وينتقل فيروس حمى الضنك إلى الإنسان من طريق لدغة بعوضة «الزاعجة» (Aedes) التي تستوطن وتتكاثر في المياه العذبة الراكدة. ويكتسب البعوض الفيروس عادةً عندما يمتصّ دم أحد المصابين بالمرض. وبعد مرور فترة الحضانة التي تدوم من 8 إلى 10 أيام يصبح البعوض قادراً على نقل الفيروس للناس طوال حياته. ومن أبرز أعراض المرض: الحمى، الصداع الشديد، آلام المفاصل والعضلات، آلام العظام، والألم الشديد وراء العينين وحدوث نزف خفيف. وقد يتطور إلى حمى نزفية لتحدث صدمة ونزفاً سريعاً مفاجئاً على شكل بقع نزفية تحت الجلد، وقد تتطور إلى نزف دماغي ودخول المريض في غيبوبة ثم الوفاة.
عشرة آلاف يمني أصيبوا بالوباء العام الماضي

ونظراً إلى القرب الجغرافي بين شبوة ومأرب، انتقل الوباء إلى مديرية الجوبة التابعة لمحافظة مأرب المحاذية لمديرية بيحان، حيث أعلنت السلطات الطبية تسجيل إصابة 110 أشخاص من دون تسجيل أي وفيات.
واجتاحت حمى الضنك عدداً من المحافظات الشمالية والجنوبية، وخصوصاً الصحراوية والساحلية منذ مطلع العام الماضي، مسبّبةً وفاة المئات من المواطنين. وانتقل الوباء من محافظة لأخرى، حيث سُجِّلَت إصابة أكثر من 8036 مواطناً في محافظة عدن العام الماضي. ووفق إحصائيات طبية، سبّبت حمى الضنك وفاة 586 حالة من محافظات عدن وأبين ولحج. وعلى الرغم من انحسار الوباء في المدينة بخلال الأشهر القليلة الماضية، أكدت مصادر طبية اعتزام هيئة مستشفى الجمهورية التعليمي النموذجي في محافظة عدن أخيراً افتتاح قسم خاص بمرض حمى الضنك بالتعاون والتنسيق بين هيئة الهلال الأحمر الإماراتي ومكتب الصحة وكلية الطب في جامعة عدن.
وفي السياق نفسه، تفشّى الوباء في مديريات وادي حضرموت في الآونة الأخيرة، حيث سجلت السلطات الطبية عشرات الحالات من الإصابات.
وأعلنت السلطات الطبية في محافظة تعز إصابة نحو 17430 حالة بالحمى. ووفق تقرير صادر عن مؤسسة التوعية والإعلام الصحي في مدينة تعز، اتسع المرض على نطاق واسع داخل المدينة وفي الأرياف، حيث رُصدت السنة الماضية (أيار، حزيران وتموز) في ستة مستشفيات 7590 حالة مصابة بوباء حمى الضنك بمعدل 84 حالة في اليوم الواحد، حيث يقدم الطبيب الواحد جهداً مضاعفاً في الأسابيع الأخيرة من خلال معالجة 50 حالة يومياً.
ولا يزال خطر حمى الضنك يتهدد الآلاف من سكان محافظة الحديدة الساحلية التي انتشر فيها الوباء خلال الأشهر الماضية، مسبّباً وفاة العشرات من المصابين بسبب ضعف الرعاية الصحية وارتفاع درجة حرارة الصيف في ظل انقطاع التيار الكهربائي وضعف حملات مكافحة البعوض الناقل للمرض. وأفادت تقارير منظمات غير حكومية بأن نحو 10 آلاف أصيبوا بالوباء العام الماضي، وما ضاعف من مخاطر حمى الضنك في الحديدة هو شُحّ المواد الطبية ونقص المحاليل المخبرية في عدد من المستشفيات.
في ظلّ هذا الواقع، لم تقدّم المنظمات الدولية المهتمة بالجانب الصحي أي مساعدات للمستشفيات التي وجهت نداءات استغاثة، واكتفى الكثير منها بتشخيص الوباء والتحذير من مخاطر انتشاره. إلا أن بعض المنظمات أدت دوراً محدوداً مثل «اليونيسف» التي تدخلت بدعم صناديق النظافة في عدد من المحافظات. وكان الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسلّ والملاريا قد قدم مليوناً ونصف مليون ناموسية مشبعة بالمبيدات، وصلت على متن سفينة مساعدات إلى ميناء الحديدة، للمحافظات المتأثرة بمرض الملاريا، وُزعت بإشراف منظمة الصحة العالمية على 52 مديرية.