بدأت السعودية عدوانها على اليمن بغارات جوية نفذتها مئات الطائرات الحديثة الأميركية الصنع، واستهدفت البنى التحتية والمقار والمعسكرات التابعة للجيش، ودمرت المقار الحكومية، مخلّفة آلاف الشهداء والجرحى. ولم يوفر القصف القصور الرئاسية في صنعاء وعدن وتعز التي صارت ركاماً، ما عدا القصر الجمهوري في المكلا مركز محافظة حضرموت، الذي بات بعلم الجميع المقر الرسمي والمعلن لتنظيم «القاعدة»، حيث يمارس منه نشاطه، علماً بأنه لم يتم استهداف أي من مقار «القاعدة» في المحافظة.
مجريات العدوان على اليمن توضح أن الاستهداف يتعدى مسألة القضاء على مكون رئيسي في البلد هم «أنصار الله». وما يحصل هو تدمير ممنهج للبلاد والمؤسسات العامة، من السعي للقضاء على الجيش (لا يخفي الرئيس الفار عبد ربه هادي ذلك بدعوى إنشاء جيش جديد) ثم شل مؤسسات الدولة بما يقود إلى انهيار الدولة بالكامل، علماً بأنه في حال سادت اليمن حالة الفوضى الكاملة، ستكون السعودية أول الخاسرين أمنياً وسياسياً. لكن النظام هناك لا يريد اليمن دولة قوية ذات سيادة كاملة، لأن ذلك يعني خروج اليمن عن سيطرتها وهيمنتها.
السؤال المطروح اليوم هو:
أيّهما أكثر تأزماً، الشعب اليمني أم السعودية وحلفاؤها؟

تصاعد العدوان، وحصل أول احتكاك إيراني ـ أميركي في البحر الأحمر وخليج عدن. ووصلت الأمور مرحلة أظهرت خشية واشنطن مما سمّته «ازدياد العوارض الجانبية»، وبالتالي خروج العدوان نحو الفوضى التي تؤثر في الإقليم برمته، بما في ذلك أمن الملاحة الدولية. كل هذا دفع الإدارة الأميركية إلى الضعط على الرياض، فقررت الأخيرة القيام بمناورة مكشوفة، فعمدت إلى الإبقاء على عناصر العدوان، لكن غيّرت اسم العملية من «عاصفة الحزم» إلى «إعادة الأمل»، ومع تغيير في الأهداف بما يتوافق مع أي نتيجة عسكرية أو سياسية للعدوان.
جداول الغارات والقصف لا تظهر أي تمايز بين أفعال «عاصفة الحزم» وأفعال «إعادة الأمل»، لا من حيث كمية الغارات ولا من حيث الأهداف المدنية والعسكرية، بل حصل أن شهد اليمن أياماً كان فيها العدوان أعنف من ذي قبل. غير أنه في كلتا الحالتين، استمر الجيش و«أنصار الله» في التقدم على كل الجبهات، غير آبهين لحالة الهستريا الجوية والبحرية والبرية، وذلك بالرغم من تعرض قواتهم للقصف. لكنهم نجحوا في وقت قياسي بالتكيف مع طبيعة العدوان، واستمروا في التقدم. ويمكن القول بوضوح إنه لم يسجل منذ اليوم الأول للعدوان أي حالة تراجع في كل الجبهات، بل إن المراقبين العسكريين يقفون مدهوشين أمام مشهد 150 غارة مع قصف بحري عنيف ليلي ونهاري لقواعد وتجمعات الجيش و«أنصار الله»، ومع ذلك ينجح المهاجمون في السيطرة على أهم مديريات عاصمة الجنوب، أي منطقة التواهي الاستراتيجية.
أما المشهد الآخر، فتمثل في التدمير الذي تعرضت له محافظتي صعدة والحجة، وبطريقة تعيد الذاكرة إلى التدمير الممنهج الذي اعتمدته إسرائيل للضاحية الجنوبية من بيروت وقرى جنوب لبنان في عدوان تموز عام 2006، ومع ذلك فقد تقدمت مجموعات صغيرة جداً من رجال القبائل اليمنية وسيطرت على النقاط الحدودية سيطرة شبه كاملة.
صحيح أن ما يعرف بالعالم الحر صامت عن جرائم العدوان، وصحيح أن القصف مستمر بكل أنواعه، ولكن السؤال المطروح اليوم هو : أيّهما أكثر تأزماً، الشعب اليمني أم السعودية وحلفاؤها؟
العارفون بطبيعة الشعب اليمني يدركون أن من الصعب إن لم يكن من المستحيل توقع استسلامه. وبرغم ضراوة العداون وشدته، لا تزال القوى المستهدفة، وفي مقدمها «أنصار الله»، على موقفها قبل العدوان، وهو الاستعداد لحوار داخلي من حيث انتهى الحوار.
أمام هذا الواقع من انسداد للأفق وعدم وجود أي مبادرة وازنة لوقف إطلاق النار، سارعت واشنطن إلى إيفاد وزير خارجيتها جون كيري إلى الرياض بحثاً عن مخرج لحليفتها الرياض من المأزق. فكان مشروعه الانتقالي بهدنة إنسانية، عسى أن تكون مدخلاً لمشروع حل طويل الأمد. وسوف تكون النتيجة ذاتها، أنه لا مجال لتحقيق مكاسب للعدوان، وهذا ما يشرح لمن فاته الأمر، أن فشل محاولات شراء الجيوش، هو معرفة هذه الدول إلى أي مستنقع تدعى إليه... ويكفي هنا الاستدلال بفعل رجال القبائل الذين أبعدوا الجيش السعودي عن الحدود. وعليه يمكن السؤال: ماذا لو قرر الجيش اليمني و«أنصار الله» الانتقال من حالة الصمود إلى حالة المبادرة؟