صنعاء | مع كل تطور في الميدان وما تتكبّده الجيوش الغازية من خسائر في اليمن، تعمد طائرات التحالف إلى قصف وحشي ومكثف للمدن اليمنية بشكل عشوائي لا تميّز فيه بين الأهداف المدنية والعسكرية. صنعاء القديمة أحد الأماكن التي يمعن التحالف في الانتقام منها، حيث أقدمت طائرات العدوان السعودي على قصف متعمّد للمنطقة ليلة الجمعة ــ السبت، وهي الغارة الثالثة منذ بداية العدوان على المدينة المسجلة ضمن التُراث العالمي، والتي تعود إلى آلاف السنين.
أضرار كبيرة لحقت بحي الفليحي إضافة إلى الخسائر في الأرواح بلغت 11 شهيداً، عشرة منهم من عائلة المُزارع العيني، وهو مواطن يقوم ببيع الخُضر في الحارة، وجُرح أربعة من جيرانهم، فيما تحدثت قنوات العدوان عن استهداف منزل قيادي من «أنصار الله».
ينسب تاريخ مدينة صنعاء القديمة الميثولوجي إلى سام بن نوح، وتشير الدراسات التاريخية إلى أن أحدث مبانيها يعود إلى 500 عام. وقد بذلت الحكومات السابقة جهداً كبيراً في المحافظة عليها وترميمها، كان آخرها في عام 2004 حين أُعلنت صنعاء عاصمة الثقافة العربية.

ومن موقع القصف، أعلن مدير عام التدريب المعماري في الهيئة العامة للمحافظة على المُدن التاريخية، المهندس عقيل النصاري، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الأضرار فادحة بسبب تدمير 48 منزلاً من داخل منطقة البُستان دماراً كاملاً، و94 مبنى من المُطلة على البُستان تعرضت لأضرار متوسطة، أما الأضرار البسيطة فأكثر من مئتي بيت في قُطر نصف كيلومتر».

48 منزلاً من صنعاء القديمة دمّرت دماراً كاملاً في القصف الأخير


مدير عام التفتيش في الهيئة العامة للحفاظ على المُدن التاريخية اليمنية، سعيد الشامي، رأى أن الأضرار الناتجة من قصف طائرات العدوان هي «خسارة للعالم كله، لأنها من أقدم المدن التاريخية المسجلة في التراث العالمي، وهي ليست ملكاً لليمن، بل هي إرث لكل الإنسانية، وهو استهداف متعمّد».
وعن الإجراءات التي تقوم بها الهيئة لتوثيق ما يحصل من دمار، أوضح الشامي في حديث إلى «الأخبار» أن الهيئة «تقوم حالياً بتوثيق الخسائر وإرسالها لجميع المنظمات المعنية، واليمن تحتفظ بحق قانوني في مقاضاتهم عالمياً، والسعودية وكل دول العدوان موقّعة على هذه الاتفاقيات، ولكنها ترمي بهذه الاتفاقيات عرض الحائط».
وبحسب بيان للهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية في صنعاء، فإن غارات شنّت على جبل نقم «أدت إلى تدمير منزلين لعائلة بني النجار في حارة الجلاء، أحدهما مكوّن من ستة طوابق دمر بشكل كامل، في حين تعرض المنزل الآخر، الذي كان يسمى قديماً دار الجلاء والمسجل في اليونسكو والمكوّن من ثلاثة طوابق، لتشقق جدرانه وأسطحه، الأمر الذي يعقّد عملية ترميمه ويجعله غير صالح للسكن».

وعن موقف منظمة «اليونسكو» ممّا يحصل، أوضح مدير عام الهية العامة للآثار والمتاحف، مهند السياني، أن السعودية قابلت مواقف «اليونسكو»، الداعية إلى الحفاظ على تراث اليمن، بالمزيد من القصف والاستهداف للمواقع الأثرية، مضيفاً أن «اليونسكو» كانت «المنظمة الوحيدة التي لا تزال تدافع وتطلب من السعودية وغيرها إيقاف استهداف المدن الأثرية اليمنية».

وعن تدمير آثار اليمن، يضيف السياني لـ«الأخبار» أن «آل سعود بدأوا باستهداف تاريخنا وحضارتنا ليس في بداية العدوان وحسب، بل منذ عشرات السنين عندما استهدفوا الآثار عبر القاعدة بالتفجيرات ضد السياح الأجانب في الأماكن الأثرية في الجوف ومأرب وغيرهما».