لم تمضِ بضع ساعات على انتهاء منافسات كأس العالم، حتى أبدى مشجعو كرة القدم اشتياقهم للبطولة الأحب إلى قلوبهم. لهفة كبيرة لمعايشة اللحظات المونديالية مرة أخرى أعادت الجدل إلى الواجهة حول المدة الطويلة التي تفصل كل نسخة عن الأخرى من البطولة، وعما إذا كان طرح إقامة المونديال كل عامين مجدياً أم لا. تتّصف كل بطولة، محلية كانت، أو قارية أو دولية، بخصائص محددة تميزها عن غيرها. بالنسبة لكأس العالم، يعد التوقيت أبرز العلامات الفارقة. يُقام المونديال كل أربع سنوات، منذ إبصاره النور عام 1930، مع حصول انقطاعات وحيدة في عامي 1942 و 1946 بسبب الحرب العالمية الثانية. 
أسباب عدة تقف وراء المدة الطويلة لقص شريط البطولة، أبرزها الخوف من تشابك مواعيد المسابقات الكبرى. تتنوع الأسباب لتشمل أيضاً إعطاء الفرصة للبلد المنظم كي يستعد جيداً، وتوفير الوقت الكافي لإجراء تصفيات المنتخبات، من دون إغفال إعطاء حيز كبير للتسويق. 
ورغم التقليد طويل الأمد، حاول الاتحاد الدولي لكرة القدم خلال السنوات الأخيرة الضغط من أجل إقامة كأس العالم كل عامين. قاد الاقتراح حينها رئيس فيفا لتطوير كرة القدم العالمية، آرسين فينغر، وقد أثار جدلاً واسعاً في جميع أنحاء العالم ومن مختلف الجهات. 
أبدى رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، ألكسندر تشيفرين، بسرعة اعتراضه الشديد على المقترح، وأصدر بياناً حينها سلط خلاله الضوء حول مخاوف تأثيرات إقامة المونديال كل عامين على أجندة المباريات الأوروبية. كما أكد أن المزيد من بطولات كأس العالم سيؤدي إلى عجز إجمالي على مدى أربع سنوات يتراوح بين 2.5 و 3 مليارات يورو. وأبدى اتحاد أميركا الجنوبية (كونميبول) المعارضة أيضاً، كذلك الأمر بالنسبة لرابطة الدوري الإنكليزي الممتاز. 
فنياً، كانت هناك اعتراضات واضحة صُبّت في خانة إرهاق اللاعبين. على سبيل المثال، لعب صانع ألعاب مانشستر يونايتد، البرتغالي برونو فيرنانديز، 72 مباراة مع ناديه ومنتخب بلاده خلال موسم 2020-2021، بواقع أكثر من 5500 دقيقة. مثال آخر متوسط ميدان برشلونة الشاب، الإسباني بيدري، الذي سبق له وأن لعب 4368 دقيقة بسن الـ19 سنة في غضون 62 ظهور بين النادي والمنتخب. 
حاول الاتحاد الدولي لكرة القدم الضغط من أجل إقامة كأس العالم كل عامين 


إقامة كأس العالم كل عامين، بشكل إضافي عن البطولات المحلية والأوروبية والتصفيات والبطولات الودية والتحضيرية وغيرها، يزيد من إرهاق اللاعبين، ويعرضهم بالتالي إلى خطر الإصابة مع زيادة عبء اللعب والسفر. في هذا الإطار، عارض قائد منتخب كرواتيا ولاعب وسط ريال مدريد الإسباني، لوكا مودريتش، المقترح بقوله «لا أرى الغاية من ذلك»، فيما قال أفضل لاعب في كأس عالم 2022، كيليان مبابي: «إنه شيء خاص لأنه يحدث كل أربع سنوات. إذا كان لديك كل عامين، يصبح من الطبيعي أن تلعب كأس العالم، وهو بحد ذاته أمر غير طبيعي. إنه لأمر مدهش أن تلعب ربما مرة أو مرتين في حياتك». 
وفي ظل الاعتراضات المختلفة، قرر فيفا خلال شهر آذار الماضي التراجع عن خطة إقامة كأس العالم كل عامين، وأوضح إنفانتينو أن المقترحات الماضية هدفت لإجراء دراسة جدوى حول تقليل المدة الفاصلة بين كل مونديال، وخلصت الدراسة إلى أنه «من الممكن أن تكون للفكرة بعض التداعيات والتأثيرات». 
الفكرة لم تمت بعد، ومن المتوقع أن يطرحها أحد آخر خلال السنوات القريبة المقبلة، والهدف الأساسي هو الربح المادي على حساب جمالية الكرة. كأس العالم هي البطولة الأكثر سحراً. شغف مشاهدتها طيلة شهرٍ كامل، وسط منافسة المنتخبات الوطنية واللاعبين والجماهير، تجعل الانتظار الطويل مستحقاً.