كرة القدم لعبة جماعية بامتياز، لا على صعيد تبادل الكرة بين اللاعبين فقط وإنما في روح الجماعة التي تطغى على الفريق، فتجعل منه كتلةً متماسكة وقوية. وهذا الأمر يتعزّز عندما تكون هذه الروح مرتبطة بالوطنية، وهي الكلمة التي لا شيء يمثّلها أكثر من المنتخب.لكن الواقع أن الصورة تبدّلت في العصر الحديث للعبة، حيث الهمّ الأول للنجوم هو صورتهم الشخصية، إذ إن الأنانية أصابت الأكثرية الساحقة منهم، فبات اسم النجم أهم من سمعة منتخب بلاده، وأصبحت الغيرة حاضرة في الكثير من غرف الملابس، والكره وتصفية الحسابات الشخصية أيضاً، ما جعل المنتخبات تدفع الثمن، ومنها من هو موجود في المونديال الحالي.

بلجيكا «خربانة»
منتخب بلجيكا هو الدليل الصارخ على هذا الكلام، إذ إن «الشياطين الحمر» تحوّلوا من رقمٍ صعب على الساحة الدولية الى منتخبٍ يعاني على مختلف المستويات، والسبب هو كثرة الصدامات في قلب تشكيلته بين لاعبيه، والتي دمّرت ما تبقى ممّا سٌمّي بالجيل الذهبي الذي قاد المنتخب الى المركز الثالث في مونديال 2018، لكنه خيّب الآمال بخروجه المبكر من مونديال 2022.
المدرب الإسباني للمنتخب البلجيكي روبرتو مارتينيز اعترف علناً بأن هناك بعض الإشكالات في تشكيلته، ولعل الأبرز بينها هي تلك التي ترتبط باثنين من كبار اللاعبين، والتي يبدو أن خضّتها ضربت المنتخب بقوة وجعلته عرضةً للخروج المبكر من العرس الكروي، وخصوصاً بعد الخسارة أمام المغرب حيث تردّد أن أوّل ارتداداتها كان مواجهة عاصفة بين نجوم الفريق في غرفة تبديل الملابس.
أما الصادم فهو ما تبيّن بأن نجم المنتخب كيفن دي بروين وحارس المرمى تيبو كورتوا لا يتبادلان الكلام منذ سنوات لأسبابٍ خاصة، تبيّن أنها ترتبط بإقامة صديقة دي بروين السابقة علاقة مع كورتوا قبل حوالي الـ 10 أعوام، وذلك ردّاً على خيانته لها مع إحدى صديقاتها، الأمر الذي أثار غضب لاعب وسط مانشستر سيتي الذي قطع علاقاته بزميله في المنتخب.
صديقة دي بروين السابقة انتقمت منه بإقامة علاقة مع كورتوا، ما قطع العلاقة بين النجمين


الوضع نفسه ينطبق على لاعبين آخرين لأسبابٍ مختلفة، إذ لا سلام ولا كلام أيضاً بين إيدين هازار ولياندرو تروسار، وبين الهدّاف روميلو لوكاكو وبديله الدائم ميتشي باتشواي. وتتسع دائرة المشاكل أكثر بعد خروج تقارير أفادت بأن دي بروين وهازار ويان فيرتونغن اصطدموا ببعضهم البعض عقب الخسارة الأخيرة أمام المغرب، علماً بأن عدداً من لاعبي بلجيكا لم يهضموا تصريحات نجم السيتي قبل المونديال عندما قال إن بلاده لا يمكنها الفوز باللقب بسبب وجود عددٍ كبير من اللاعبين المتقدّمين في السن في التشكيلة.
هذا المشهد يعيدنا الى عام 2010 حيث شهد المونديال مشاكل جمّة في التشكيلة الفرنسية، ومنها ارتبط ببعض النجوم الكبار والمدرب ريمون دومينيك الذي قيل إنه نبذ أمثال تييري هنري، فلوران مالودا، ويليام غالاس، ونيكولا أنيلكا الذي شتمه، فقرر الاتحاد الفرنسي طرده من معسكر المنتخب وهو أمر عارضه بعض اللاعبين، لا بل إن آخرين مثل باتريس إيفرا ذهب الى أبعد من ذلك بدخوله في عراكٍ مع المعدّ البدني روبير دوفورن الذي اتهم قائد المنتخب عامذاك بالخيانة بعدما أخبره بأن اللاعبين لن يقبلوا بالتدرّب.

البرتغال على وشك...
حوادث بلا شك ضربت مشوار المنتخب الفرنسي، الذي قيل إنه يعيش حالة انشقاق جديدة في صفوفه سببها أداء الظهير الأيمن بنجامان بافار.
بافار الذي قدّم أداء متواضعاً في المباراة الأولى لفرنسا، أصبح الخيار الثالث على الجهة اليمنى دفاعاً رغم أنه كان يحظى بدعمٍ كبير من مدرب «الديوك» ديدييه ديشان، الذي أبدى غضبه من إيماءات لاعبه وعدم التزامه بالتعليمات خلال مواجهة أوستراليا!
ويبدو أن أداء بافار أزعج أيضاً بعض زملائه ودفعهم إلى انتقاده، وخاصة عثمان ديمبيلي، بينما يحظى لاعب بايرن ميونيخ بدعم لاعبين آخرين مثل أوليفييه جيرو والقائد هوغو لوريس.
كل هذه الحوادث تخشاها منتخبات عدة حالياً، ومنها البرتغال التي دخلت الى كأس العالم على وقع مشاهد غريبة، كان الأكثر انتشاراً بينها محاولة لاعب الوسط برونو فرنانديش تجاهل وصول زميله النجم كريستيانو رونالدو إثر المقابلة الشهيرة التي أجراها الأخير وهاجم خلالها ناديهما مانشستر يونايتد بقساوة.

خرجت بلجيكا من الباب الضيّق للمونديال (أ ف ب)

المشهد الغريب انتهى بمصافحة باردة، وانتصارا البرتغال في هذا المونديال لا يمكن ان يبعدا ما حصل من إذهان الجميع، وخصوصاً بعدما تألّق برونو بشكلٍ كبير في أوّل مباراتين، لكن الأضواء بقيت دائماً مسلّطة على رونالدو، وأيضاً عندما سجل برونو الهدف الأول أمام الأوروغواي فشغل الـ«سي آر 7» العالم والإعلام وحتى الشركة المصنّعة للكرة بعدما احتفل بالهدف إثر تمريرة الأول، فأصبح الحديث العام «الكرة لمست شعر رونالدو... الكرة لم تلمس شعره».
وما زاد الطين بلّة هو الإعلام الذي سكب الزيت على النار عندما ذكرت بعض الصحف أن الاتحاد البرتغالي سيتقدّم بمراجعة الى نظيره الدولي لاحتساب الهدف لمصلحة رونالدو، ما سيجعله الهداف التاريخي للبرتغال في كأس العالم بالشراكة مع «الأسطورة» أوزيبيو. كلامٌ لا شك في أنه مستفزّ بالنسبة الى برونو ولو أنه غير صحيح، إذ لا يمكن أن يفرّق الاتحاد البرتغالي بين لاعبَيه ويفضّل أحدهما على الآخر.
بطبيعة الحال، الجمهور يلفظ نجومه في بعض الأحيان، فها هي البرازيل تشهد موجهة انتقاداتٍ لنيمار بعد إصابته مرةً جديدة وابتعاده عن «السيليساو». انتقاداتٌ قد لا تكون في محلّها بالنسبة الى الكثيرين، وخصوصاً أن موجةً مضادة في «بلاد السامبا» خرجت لتردّ ببساطة بأن المرشح الأول للفوز بكأس العالم يؤدّي أفضل من دون صاحب القميص الرقم 10.