لم يكن مشهد اللاعب السويسري بريل إمبولو عادياً أمس عندما سجل هدف الفوز لمنتخب بلاده في مرمى الكاميرون. الواقع أن سويسرا ليست بلاده، بل هي البلاد التي انتقل اليها مع والدته المنفصلة عن والده، والتي اقترنت لاحقاً بمواطنٍ سويسري، فالرجل الذي حصل على الجنسية السويسرية قبل 8 أعوام، هو من مواليد العاصمة الكاميرونية ياوندي.إمبولو رفض الاحتفال بالهدف احتراماً لأصوله، وهو واحد من عشرات اللاعبين الذين ولدوا في بلدٍ ويدافعون اليوم عن ألوان بلدٍ آخر، فهناك ألماني في التشكيلة الويلزية محاطاً بمجموعة لاعبين ولدوا في إنكلترا، وأميركي في التشكيلة اليابانية. كما أن هناك الكثير من اللاعبين المولودين في فرنسا يدافعون اليوم عن ألوان منتخبات إفريقية.
هذه المسألة تمتد الى كل المنتخبات والبلدان والقارات، إذ حتى بين منتخبات أميركا الجنوبية هناك لاعبون لم يولدوا في البلاد التي حملتهم الى كأس العالم 2022، فمع الإكوادور مثلاً، هناك الحارس هرنان غاليندس الأرجنتيني المولد، وفي قطر هناك بدرو كوريا كغيره الكثير من اللاعبين الذين يدافعون عن ألوان «العنابي»، وفي السنغال عدد كبير من حاملي الجنسية الفرنسية بحكم ولادتهم في فرنسا، أمثال الحارس إدوار مندي والمدافع عبدو ديالو. وينسحب الأمر الى القارة الآسيوية مع سمّان قدوس الذي يلعب للمنتخب الإيراني، وهو من مواليد السويد، بينما يحمل الحارس الياباني الاحتياطي اسماً لا يشبه أياً من أسماء زملائه، وهو دانيال شميدت المولود في الولايات المتحدة من أبٍ أميركي وأمٍ يابانية يحمل ملامحها مئة في المئة.

البحث عن المثالية
هذه الأسماء هي عيّنة من اللاعبين الـ 137 الذين لم يتمسكوا بهوية الولادة أو جواز السفر الذي مُنح لهم في البلد الذي ولدوا فيه، بل ذهبوا لتحقيق أحلامهم في بلدانٍ أخرى تناسبهم، وتلتقي مع أهداف مسيرتهم الكروية، فكانت الاستفادة متبادلة بينهم وبين تلك المنتخبات التي حصلت على خدماتهم.
ما يبحث عنه اللاعب في حالة إمبولو أو غيره من اللاعبين السويسريين الذين ولدوا خارج سويسرا هو أوّلاً الحياة الطبيعية، اذ إن هناك لاعبين لقوا أنفسهم عن طريق الصدفة يلعبون لبلادٍ غير تلك التي ولدوا فيها، على غرار زميله شيردان شاكيري الذي استقر في تلك البلاد بعدما انتقلت عائلته إليها هرباً من الصراعات في إقليم كوسوفو.
للجنسيّة دور مهمّ في ما خصّ صورة أيّ لاعب وسمعته لناحية قيمته السوقية


هناك وجد هؤلاء اللاعبون الاستقرار الاجتماعي والمادي، ووجدوا تقديراً لموهبتهم، بينما وجدت هذه البلدان أن لها أحقية فيهم، فهي التي اهتمت بنشأتهم الكروية واستثمرت فيهم، وحملتهم الى النجومية.
أما بعض اللاعبين أنفسهم فأدركوا أنه لتحقيق مسيرة ناجحة لا بدّ من القبول بفكرة اللعب مع بلدٍ غير بلدهم الأصلي، إذ ليس من الصعب الاختيار مثلاً بين فرنسا وأنغولا بالنسبة الى لاعبٍ مثل الفرنسي ادواردو كامافينغا المولود في كابيندا، وليس صعباً أبداً اتخاذ قرارٍ على صورة ذاك الذي اتخذه النجم الإنكليزي رحيم سترلينغ المولود في العاصمة الجامايكية كينغستون.

القيمة في الجنسية
إذاً هو البحث عن المجد وفي الوقت نفسه عن مسيرة أفضل، وطبعاً عن الاستفادة المادية، إذ إن السوق تحدّد قيمة اللاعب لا بحسب إمكاناته الفنية فقط، وإنما أيضاً بحسب ألوان بلده، فالجنسية تؤدي دوراً مهماً في ما خصّ صورة أي لاعب وسمعته، وهي تزيد من قيمته بحسب القيمة الكروية للبلاد بشكلٍ عام.
والأكيد هنا أن قيمة سترلينغ في سوق الانتقالات لم تكن لتصل الى 70 مليون جنيه استرليني لو أنه بقي على جنسية بلاد الولادة، ولم يكن ليسرق الأضواء ويتصدّر العناوين لو أنه لم يلعب لمنتخب إنكلترا فأصبح أحد أبطاله، وخصوصاً بعدما سجل له 3 أهداف في كأس أوروبا الماضية.
الرقم المذكور والخاص بسترلينغ هو رقمٌ مطابق لنجم منتخب كندا ألفونسو ديفيس الذي لم يمثّل بلده الأصلي ليبيريا ولا بلد مولده غانا، بل كان اللعب في كندا ولمنتخباتها في الفئات العمرية جسر عبور إليه للعب في الدوري الأميركي حيث الكشافون الأوروبيون، فكان أن رصدته أعين بايرن ميونيخ الألماني ليصبح سريعاً أحد نجومه الأساسيين بعد انتقاله إليه.
وينطبق الأمر على لاعب منتخب إسبانيا أنسو فاتي الذي تقدّر بورصة الانتقالات قيمته المالية بـ 50 مليون باوند، وهو الذي ولد في غينيا - بيساو، واختار اللعب لإسبانيا، أو كامافينغا الذي تقدّر قيمته بـ 50 مليون أيضاً، والذي ربما كان قد بقي طوال عمره في أنغولا لو لم يحصل على فرصة اللعب في فرنسا مع رين، ليذهب بعدها الى أحد أفضل أندية العالم ريال مدريد الإسباني.
لكنْ هناك أيضاً لاعبون ولدوا في بلدانٍ عريقة في كرة القدم، لكنهم اختاروا بلاداً أخرى، إما لسببٍ عاطفي على غرار مدافع السنغال كاليدو كوليبالي المولود في فرنسا، أو لسببٍ فني بحيث لم يجدوا أماكن لهم في منتخبات البلدان التي أبصروا النور فيها، أمثال ثنائي البرتغال بيبي وأوتافيو المولودين في البرازيل.
بطبيعة الحال هي العولمة التي تحكم كرة القدم. تلك اللعبة التي لا تعترف بأيّ حدود، بل إن المستديرة التي تتقاذفها الأقدام لتصل الى النجومية المطلقة هي الجنسية الوحيدة التي يسعى إليها الكل.