العودة الى كأس العالم 1994 في الولايات المتحدة، حيث وجدت أسماء كبيرة مع أبرز المنتخبات. البرازيليان روماريو وبيبيتو، الألماني يورغن كلينسمان، الإيطالي روبرتو باجيو، البلغاري هريستو ستويشكوف، وحتى الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا. لكن من بين كل هؤلاء، قفز اسم لاعبٍ كان مجهولاً بالنسبة الى الأغلبية الساحقة من متابعي كرة القدم حول العالم. هو الروسي أوليغ سالينكو، الذي تشارك صدارة الهدافين في نهاية المشوار مع ستويشكوف بـ 6 أهدافٍ لكل منهما.عامذاك، كان سالينكو يلعب لفريقٍ اسباني مغمور هو لوغرونيس، لكن مع صيته المونديالي سارعت اندية أهم للتعاقد معه، فحطّ في فالنسيا، ليتبيّن هناك انه لاعب عادي حيث لم يسجل اكثر من 7 اهداف طوال الموسم مع الفريق الاسباني الذي استغنى عنه سريعاً لمصلحة رينجرز الاسكوتلندي، فتكرر المشهد هناك بالأداء والأرقام، لينتقل بعدها الى تركيا للعب مع اسطنبول سبور، قبل ان ينهي مسيرته في سن الـ 31 بسبب مشاكل قيل انها صحية وأخرى ترتبط بالإصابات...
العِبرة من هذه القصة ليس الحديث عن سالينكو تحديداً، بل عن الخدعة التي يمكن أن تتركها كأس العالم في أذهان إداريي الأندية، فاللاعب الروسي المذكور لم يسجل مع منتخب بلاده، الذي خاض معه 8 مباريات فقط، سوى تلك الأهداف الستة في المونديال، والتي جاءت 5 منها في مرمى الكاميرون. من هنا، كان من الطبيعي ان يكون انتقاله الى أي نادٍ مهم غير مضمون. لكن جاذبية المونديال بلا شك تأسر أولئك الساعين الى تعزيز صفوف فرقهم بأفضل اللاعبين، فلا يترددون في دفع اي مبلغ لضم هذا اللاعب او ذاك.
مسألة بالتأكيد مطروحة بقوة هذه الأيام رغم وقوف الأندية الأوروبية الكبرى بحذر تجاه اي صفقة يمكن ان تبرمها، وذلك في ظل انتظار بعض الأندية العروض لاستغلال الظروف ورفع أسعار لاعبيها البارزين في المونديال بغية بيعهم بأفضل صفقات ممكنة.
هي حال السوق خلال الفترة المونديالية، والنسخ السابقة هي خير دليل على هذا الموضوع، حيث تتضخم اسعار النجوم مع كل هدفٍ يوقّعون عليه في كأس العالم. والكولومبي خاميس رودريغيز هو الدليل القاطع. اللاعب الذي قَدِم من بانفيلد الأرجنتيني الى بورتو البرتغالي مقابل 5 ملايين يورو فقط في عام 2010، كان قد أثبت جدارته ووصل الى موناكو الفرنسي بصفقة كبيرة وصلت الى 45 مليون يورو عام 2013. لكن هناك في الإمارة كان مستواه عادياً، حيث سجل 9 أهداف في 34 مباراة. عامذاك، اعتقد كثيرون ان اقامة خاميس ستطول في فرنسا، لكن أداءه في المونديال بدّل كل شيء. 6 أهداف سجلها في مونديال البرازيل توّجته بالحذاء الذهبي لأفضل هدافٍ، فما كان من رئيس نادي ريال مدريد الاسباني فلورنتينو بيريز سوى المسارعة الى فتح خزنته ودفع 76 مليون يورو لموناكو من اجل التخلي عن نجمه، فوافق نادي الإمارة الفرنسية على العرض المربح، فتمّت العملية.
طبعاً خاميس هو نجم مميز، لكن الخطوة التي قام بها بيريز ثبت انها غير مدروسة، فلاعب مثل النجم الكولومبي قد لا يجد نفسه متأقلماً مع منظومة فريقٍ معيّن، وهو ما حصل في حالة خاميس الذي انتهى به الأمر معاراً الى بايرن ميونيخ حيث وجد مكانه أخيراً واندمج أكثر في الفريق البافاري الذي قرر شراء عقده نهائياً، وطبعاً بمبلغٍ أقل بكثير مما دفعه الريال، الذي خرج خاسراً من هذه الخطوة بشكلٍ عام، وخصوصاً اذا ما احتسبنا الراتب المرتفع الذي حصل عليه اللاعب طوال ثلاثة مواسم قضاها في مدريد.
وخاميس مجرد مثال حول امكانية حصد الفشل جراء التعاقد مع لاعب على خلفية تميّزه في بعض المباريات في المونديال، اذ ان هذه البطولة تحمل 7 مباريات كحدٍّ اقصى بالنسبة الى اي لاعب سيصل الى النهائي فيها. وبالتأكيد يعلم اللاعبون ان المونديال هو محطة اساسية لرفع اسعارهم في السوق وأنه فرصة للبروز بهدف الانتقال الى نادٍ افضل والحصول على مكاسب اكبر. لكن ما يجب ان تنظر اليه الأندية ليس التألق المؤقت في مباريات معيّنة، بل قدرة تفاعل اللاعب مع المجموعة التي انضم اليها، وفي خضم العمل اليومي الشاق وضغوط المباريات والاستحقاقات، طوال موسمٍ مليء بالتحديّات. وهذه النقاط تثبت جدارة واستحقاق اي لاعب في اللعب لنادٍ كبير أو تبرّر المبلغ المدفوع للتعاقد معه.
لذا، تبدو بعض الأندية ذكية جداً في طريقته تعاطيها مع أهدافها في سوق الانتقالات حيث لا تنسحر بالأداء المونديالي، اذ ان بعض اللاعبين اعتادوا إيجاد أنفسهم في منتخباتهم بعيداً عن تألقهم مع الأندية حتى، وأبرز مثال على هذا الأمر لاعب وسط بلجيكا أكسل فيتسل الذي حافظ على مركزه أساسياً مع “الشياطين الحمر”، رغم أنه يلعب منذ سنوات في الصين. لذا لا يمكن القول انه بمجرد بلوغه نصف نهائي المونديال يصبح أهم وأغلى وأكثر تأثيراً في عالم الكرة من الأرجنتيني ليونيل ميسي أو البرتغالي كريستيانو رونالدو مثلاً.
تقرير صدر عن “الفيفا” في وقتٍ سابق يختصر كل الحكاية ومدى تأثير المونديال على اسعار اللاعبين، اذ يذكر انه في كأس العالم الماضية وبحكم وصول كوستاريكا الى ربع النهائي، ارتفع مجموع المبالغ المدفوعة لقاء انتقال لاعبين من البلاد الى الخارج من 922 ألف دولار اميركي في عام 2013 الى 10 ملايين دولار بعد نهاية مونديال 2014.
أسماء عدة تطوف في السوق اليوم، أمثال المكسيكي إيرفينغ لوزانو الذي وصل الى اوروبا في الصيف الماضي للعب مع بي أس في أيندهوفن الهولندي، وهو رغم بروزه معه وتسجيله 17 هدفاً في موسمه الأول معه، فإنه لم يلفت الأنظار إلا بهدفٍ واحد فقط سجله في المونديال الروسي، وكان في مرمى ألمانيا، لتتهافت الأندية الإنكليزية عليه اليوم، حيث يتردد ان مانشستر يونايتد على رأس المهتمين للحصول على توقيعه.
والأمر عينه ينطبق على المدافع الكولومبي ييري مينا الذي وصل للتوّ الى “القارة العجوز” من بالميراس البرازيلي وانضم الى برشلونة الاسباني. والمفارقة ان “البرسا” قرر اعارته بعد المونديال، لكن قد يعيد النظر بالفكرة الآن، وخصوصاً بعد تسجيله 3 أهداف مع كولومبيا، الأمر الذي دفع ليفربول وجاره إفرتون الانكليزيين لبدء السباق باتجاه ضمّه.
وتطول اللائحة لتصل الى الروسيين دينيس تشيريشيف وألكسندر غولوفين والكرواتي دوماغوي فيدا وغيرهم الكثيرين الذين ارتفعت اسعارهم في بورصة الانتقالات، ويتوقّع أن يكونوا من العناوين البارزة في السوق وأرقامها المتضخّمة موسماً بعد آخر.


«القنبلة» التي هزّت المونديال
لا يخفى أن انتقال النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو من ريال مدريد الإسباني الى يوفنتوس الإيطالي، اخذ قسماً كبيراً من رهجة المونديال، وحتى إن هذا الخبر احتل القسم الأكبر من العناوين في الصحف الأوروبية، لا بل طغى على تأهل فرنسا الى نهائي كأس العالم.
وبالطبع، انشغلت صحف ايطاليا برونالدو أكثر من أي شيء آخر، وتراوحت عناوينها بين وصف هذه النقلة بالحلم، وبين إطلاق عليها صفة صفقة العمر.
وكتبت «لا ريبوبليكا» في صفحتها الأولى: «كريستيانو رونالدو في يوفنتوس: حلم بـ 117 مليون يورو».
اما «كورييري ديللا سيرا» فكتبت عن انتقال ترك الهداف التاريخي للريال للنادي الذي أمضى فيه تسعة مواسم: «رونالدو، الحلم يتحقق».
وأضافت: «حصلت الشرارة، والآن دعونا نستغل ذلك»، في اشارة منها الى استفادة الدوري الإيطالي عامةً من هذه العملية، ويفترض استغلالها لاستقطاب المزيد من النجوم الى البطولة التي وصفت يوماً بـ»جنّة كرة القدم».
وتابعت الصحيفة عينها: «كنا نجده شخصاً سمجاً، لقد كان كذلك بتصرفاته المتعجرفة، عبر لقطاته عندما كان يستعرض عضلاته. لكن الملعب بأكمله صفق له عندما قام بضربة مقصية في منتهى الروعة ليسجل هدفاً تاريخياً في مرمى الحارس الأسطوري جانلويجي بوفون في دوري أبطال أوروبا في نيسان الماضي. حينها أدركنا أن هذه الروعة يجب أن تكون لنا».
بدورها، صحيفة «لا ستامبا» التي تملكها شركة «فيات»، وهي أكبر المساهمين في نادي يوفنتوس أيضاً كتبت: «العالم بأجمعه سيتابعنا»، في حيت اعتبرت «إل ميساجيرو» أن «انييللي (رئيس يوفنتوس) حقق صفقة القرن» من خلال التعاقد مع رونالدو الذي حاز خمس كرات ذهبية لأفضل لاعب في العالم. وأضافت: «الحلم (الذهبي) أصبح حقيقة. ها هو كريستيانو رونالدو، الرمز الجديد ليوفنتوس».