هدفان من أصل كل خمسة أهداف سُجّلت في دور المجموعات من كأس العالم روسيا 2018 جاءا عبر الكرات الثابتة. الأمر لا يعود إلى وجود منتخبات متخصصة بالتسجيل عبر كرات ثابتة، لكن اللافت أن 15 منتخباً من أصل 32 من المشاركين في البطولة العالمية سجّلت نصف عدد أهدافها بهذه الطريقة. الأمر ليس بالطبيعي، إذ لم نعتد مشاهدته في بطولات قارية ومونديالية سابقة، بل ولم تُسجّل هذه الأرقام سابقاً في دور للمجموعات لإحدى نُسخ كأس العالم، وهي أرقام مرتفعة جداً مقارنة مع الأدوار الأخرى في بطولات سابقة.
43% من أهداف دور المجموعات (الدور الأول) سُجّلت عن طريق ركلات الجزاء والركلات الركنية والركلات الحرّة وغيرها من الكرات الثابتة. وفي حديثنا عن الأرقام، وعن الفروقات والاختلافات التي شهدها المونديال الروسي، يمكننا أن نعود قليلاً إلى الوراء، وتحديداً إلى مونديال البرازيل 2014، فقد بلغت نسبة الأهداف التي سجّلت من الكرات الثابتة (ركنيات، ركلات حرّة، ركلة جزاء، وحتى رمية تماس طويلة) الـ28% في البطولة ككل. وفي مثال آخر، لم تتخطَّ هذه الأهداف نسبة الـ27% في الدوري الإنكليزي الممتاز في الموسم الماضي (2017-2018). إلا أن هذه النسبة ارتفعت بشكل ملحوظ في النسخة الروسية من المونديال.
43% من الأهداف في دور المجموعات جاءت من كرات ثابتة


وبلا شك ساهمت تقنية الـ«VAR» بشكل كبير في ارتفاع نسبة الأهداف المسجّلة من الكرات الثابتة. ولتقنية الفيديو الأثر الكبير في كيفية سير العديد من المباريات في كأس العالم حيث احتُسبت من خلالها 24 ركلة جزاء في دور المجموعات فقط، أي بما يزيد على 6 ركلات جزاء عن الرقم القياسي لاحتسابها في بطولة واحدة من كأس العالم (18 ركلة جزاء). والواضح انه بعد اعتماد تقنية الـ«VAR»، أصبح حكّام المباريات يحتسبون احياناً ركلات الجزاء بسبب أي عملية دفع أو عرقلة بسيطة التقطتها الكاميرات داخل المنطقة، متيقّنين بأنه إن أظهرت الإعادة بالفيديو عرقلة أو إعاقة من أي نوع فسيكون قرارهم صائباً، ونتيجة لذلك أصبح المدافعون أكثر تحفّظاً في التدخلات داخل منطقة الجزاء، وحضرت بشكلٍ أكبر خارجها في مباريات عدة.

()

وفي الوقت نفسه، ونتيجة لما سبق، بدأت المنتخبات المحدودة الإمكانيات الفنية اتباع أسلوب التراجع إلى الخلف والدفاع بكثافة، الأمر الذي يصعّب من مسألة تسهيل فرص التهديف عن طريق اللعب المفتوح والكرات البينية (أي عبر بناء هجمة مركّزة من الدفاع إلى الهجوم). لذا، فقد أصبح اللعب مغلقاً أمام المنتخبات التي تعتمد الأسلوب الهجومي. لذا، لم يعد هناك أمامها سوى خيار استغلال أي فرصة لتحقيق هدف ما عن طريق الكرات الثابتة. ومن بين هذه المنتخبات، يبرز المنتخب الإنكليزي، إذ سجّل رجال المدرّب غاريث ساوثغايت الذي فاجأ الجميع في المونديال بوصوله مع منتخب «الأسود الثلاثة» إلى الدور نصف النهائي، أربعة أهداف من كرات ركنية: هدفين لهدّاف المونديال حتّى الآن هاري كاين، وآخر للمدافع جون ستونز وهدف لهاري ماغواير في المباراة الأخيرة للمنتخب الإنكليزي أمام السويد.
ويعد منتخب إنكلترا أكثر المنتخبات استغلالاً للكرات الثابتة في المونديال الروسي، فمن أصل 11 هدفاً سجّلها اللاعبون الإنكليز، 8 أهداف منها جاءت عبر كرات ثابتة والذي يتخصّص في تنفيذها الظهير الأيمن كيران تريبيير، أي بنسبة 73% من إجمالي الأهداف المسجّلة.
هذا الرّقم وغيره يعطي فكرة حول كيفية تأثير الكرات الثابتة في عالم كرة القدم الحديثة، وما بلوغ المنتخب الإنكليزي دور الأربعة معتمداً بمكانٍ ما على لعبه التقليدي إلا أكبر دليل على الفائدة التي تفرزها أحياناً هذه الكرات التي تصيب الخصم في المقتل.