انهمرت دموع خاميس رودريغيز، وخسر المنتخب الكولومبي أمام نظيره الإنكليزي بركلات الترجيح أو «الحظ» كما يحب البعض أن يسميها. ومع دموع نجم بايرن ميونيخ، انتهت آخر مباريات دور الـ 16 في كأس العالم 2018. الدموع كانت العنوان والفرحة الهستيرية لم تغب، فهكذا دائماً تكون مشاهد الأدوار الإقصائية في أي بطولة عالمية. ببساطة، الخسارة تعني شيئاً واحداً: العودة إلى الوطن. لكن العنوان الأبرز كان المفاجآت التي استمرت عاصفتها في المونديال الروسي، ولعل أبرزها كان خروج منتخب «لا فوريا روخا» أمام منتخب الدولة المضيفة.
الأهداف كانت موجودة في دور الـ 16، كما هي حال تقنية الـ«VAR» التي كان لها الحُكم الفاصل والحاسم في الكثير من المناسبات. الآن تقلّصت اللائحة مع بقاء 8 منتخبات فقط هي: فرنسا، الأوروغواي، روسيا، كرواتيا، البرازيل، بلجيكا، السويد وإنكلترا.

مبابي الأجمل وسامباولي الأسوأ
الدور الإقصائي الأوّل في البطولة شهد حالات صعود وهبوط في مستوى هذا المنتخب أو ذاك، وكذا لدى عددٍ من اللاعبين. لكن لاعباً واحداً سرق الأضواء أكثر من أي أحدٍ آخر وهو نجم باريس سان جيرمان الشاب كيليان مبابي. المهاجم اليافع الذي لم يتجاوز الـ 19 من العمر سجّل ثنائية أمام الأرجنتين ليصبح أوّل لاعب في سن المراهقة يسجّل ثنائيّة في كأس العالم منذ «الجوهرة السوداء» بيليه عام 1958.
أصبح مبابي أوّل لاعب في سن المراهقة يسجّل ثنائيّة في المونديال منذ بيليه عام 1958 (أ ف ب )

عندما نشاهد قيادة مبابي لـ«الديوك» إلى المجد، وتخطّي الأرجنتين وقائده ليونيل ميسي، نفاجأ في كميّة النضج الكروي الذي وصل إليه هذا اللاعب المهاري في سنٍّ صغيرة.
وبالحديث عن مباراة الأرجنتين وفرنسا، يطل مشهد مأسوي، اذ إن كأس العالم قد تفتقد لميسي صاحب الكرات الذهبية الخمس، والذي أتمّ الـ 31 من عمره خلال البطولة، ما يعني أنها قد تكون الأخيرة له. في الواقع، لم يظهر ميسي بالشكل الذي كان ينتظره الشعب والجمهور الأرجنتيني أو هو نفسه.
لكن ميسي لم يكن الصورة الأسوأ بالنسبة الى الأرجنتين، بل مدربه خورخي سامباولي، الذي تصدّر القائمة السوداء للمدربين في هذا الدور، إذ إن عدم إشراكه للاعب بقيمة باولو ديبالا سوى 20 دقيقة خلال 4 مباريات لعبها منتخب «الألبيسيليستي» هو خير دليل على مقاربته السيّئة والتي انعكست سلباً على ميسي وزملائه.
في النهاية، فاز ديدييه ديشان على سامباولي، ليس لبراعة الفرنسي في التكتيك وفي أفكاره التدريبية، بل لوجود أسماء وحلول عدّة بين يديه. وبعيداً من أداء مبابي الفردي، كان أداء المنتخب الفرنسي في اللقاء موضع شك نوعاً ما، إذ إن شباكه تلقت ثلاثة أهداف من منتخب أرجنتيني ضعيف، وهو ما يضع علامات استفهام عدة على دفاع فرنسا بقيادة ثنائي برشلونة وريال مدريد صامويل أومتيتي ورافايل فاران.

الأوروغواي الأكثر تنظيماً
ومما لا شك فيه أن مهمة فرنسا المقبلة ستكون أصعب بكثير، فهي ستقابل المنتخب الأكثر تنظيماً حتى الآن وهو المنتخب الأوروغوياني، الذي يمكن أن ترى «الغرينتا» في أعين جميع لاعبيه.
أخرج منتخب المدرب «العجوز» أوسكار تاباريز المنتخب البرتغالي من الدور الثاني بعد مباراة شهدت «عقماً» تهديفياً من قبل كريستيانو رونالدو ورفاقه. كيف لا وقد خاضوا المباراة أمام أحد أفضل الدفاعات في البطولة بقيادة ثنائي أتلتيكو مدريد دييغو غودين وخوسيه ماريا خيمينيز، والأرقام تحكي عن هذه النقطة، إذ إن الأوروغواي لم تتلقّ سوى هدف واحد في 4 مباريات حتى الآن. اتّبع منتخب «السيليستي» قاعدة «ثبّت دفاعك في البداية، والهدف سيأتي عاجلاً أو آجلاً». وبالفعل، كان كل من لويس سواريز وإدينسون كافاني على الموعد. سجّل «الماتادور» كما يلقّبه الكثيرون هدفي الأوروغواي بطريقة جميلة ومميّزة، والأول لا ينسى بفعل التفاهم الرهيب بين الثنائي الهجومي، حيث تسلم سواريز الكرة من كافاني ثم أرسلها الى رأسه من دون أن يلقي نظرة على موقع تمركز زميله.
كل ما مرّ يبقى في الماضي، فهذا المونديال لم يكترث للمنطق منذ اليوم الأول على انطلاقه


وهذا الانسجام بين اللاعبَين لم يأتِ من فراغ، فهما يلعبان معاً منذ عام 2009، ما يعطينا الإجابة عن سبب التفاهم والترابط بينهما.
وفي الدفاع، يظهر الأمر عينه بين غودين وخيمينيز اللذين يلعبان معاً في أتلتيكو مدريد، ما سهّل من خيارات المدرب تاباريز الذي وجد مدافعين متفاهمين وجاهزين لكل المباريات.

الكبار في المطار
إذاً، اتجه ميسي إلى المطار، ولحقه رونالدو، ليلتقيا بنجمٍ كبير ثالث وجد نفسه فجأة وبطريقة لم يتوقّعها أحد خارج المونديال الروسي. هو أندريس إينييستا، الذي لم يتمكن من إبعاد منتخبه عن عاصفة «خروج الكبار ومفاجآت الصغار».
تفوّق المنتخب الروسي على نظيره الإسباني في الركلات الترجيحية، ليحجز أصحاب الأرض مقعداً في ربع النهائي ويواعدون المنتخب الكرواتي القوي. ومسألة خروج إسبانيا كانت إحدى المفاجآت الأكثر وقعاً في هذا الدور، كيف لا وقد خرج أحد المنتخبات المرشّحة للفوز باللقب على يد منتخب يعدّ واحداً من أدنى المنتخبات لناحية الترتيب العالمي الصادر عن «الفيفا».

تطوّر البرازيل يقلق الخصوم
وبعيداً من المفاجآت، يأتي الحديث عن تطور المنتخبات، والأبرز طبعاً على هذا الصعيد هو المنتخب البرازيلي الذي سجّل تطوّراً ملحوظاً مباراةً بعد أخرى منذ بداية المونديال الروسي، وصولاً إلى دور الـ 16.
«السيليساو» سجّل بداية عاديّة مقارنةً بما كان متوقّعاً منه، لكن ورغم التنظيم الدفاعي الذي خطّه المدرب تيتي منذ تسلّمه زمام تدريب المنتخب، والذي كان السبب في عدم تلقي الشباك البرازيلية سوى هدف واحد خلال 4 مباريات، فإنه كان يُنتظر أكثر من الهجوم، حتى أطل «راقصو السامبا» بقدراتهم الحقيقية في دور الـ 16.
فاز المنتخب البرازيلي على نظيره المكسيكي العنيد 2-0، وكشف عن مفاتيح هجومية عدة، اذ تبيّن مع تألق ويليان انه ليس كل شيء محصور بنيمار، بل هناك من هو قادر على لعب دور البطولة أيضاً. دورٌ يحتاج الى أن يلعبه أكثر من لاعب برازيلي لأن الموقعة المقبلة امام بلجيكا لن تكون بنفس السهولة، ولو ان "الشياطين الحمر" عانوا بشكلٍ كبير للتأهل امام اليابان الذي خسر لكنه كسب الاحترام، بعد لقاء كان شبيهاً بأحد أفلام المخرج الياباني الشهير أكيرا كوراساوا، التي عرفت دائماً نهاية حزينة، فكانت مبررة دموع رجال "الساموراي" وهم يلتحفون أرضية الميدان ويندبون حظهم.
اذاً، أربع مباريات مقبلة في الدور ربع النهائي، قد تحمل معها المزيد من المفاجآت الصادمة وتنقل منتخباً جديداً الى منصة التتويج، اذ كل ما مرّ يبقى في الماضي، فهذا المونديال لم يكترث للمنطق منذ اليوم الأول على انطلاقه.