يتابع أصحاب المحلات والبسطات في سوق «إسماعيلوفو» الشهير بموسكو نتائج مونديال روسيا منذ انطلاقه، لا لشغف بعضهم بكرة القدم وإنما لاستشراف هوية وحجم الزبائن في الأيام المقبلة. وسوق «إسماعيلوفو» هو أحد أبرز وأقدم أسواق بيع التذكارات والهدايا في العاصمة الروسية، حيث يضم عشرات المتاجر والبسطات المقامة ضمن مجمّع على شكل قلعة تعود إلى القرون الوسطى وداخلها طواحين هواء ومبان خشبية ومطاعم عديدة وغيرها. وفي أيام المونديال، ما أن تدخل من بوابة السوق حتى تنبهر من حجم البضائع داخله وتنوعها، وكذلك كثرة الزبائن الذين يرتدي معظمهم قمصان وقبعات الفرق التي يشجعون سواء أكانت تلك الفرق حققت نتائج مرضية في المونديال أو خرجت منه مهزومة. الروسية ناديازدا نوفيكوفا، إحدى أصحاب المحلات في السوق، تقول إنها تعمل في هذا المكان منذ أكثر من 25 عاماً، ولم تشهد مثل هذا الازدحام الذي رافق انطلاق المونديال. وتضيف نوفيكوفا، التي تملك متجراً لبيع الحرف اليدوية التريكو، إن السياح يأتون عادة من كل أنحاء العالم لشراء التذكارات والهدايا لأهاليهم وأصدقائهم، ومع انطلاق المونديال تضاعف عدد الزبائن عشرات المرات حتى أن السوق بات يغص بهم، وفي بعض الأحيان لا يوجد مكان للمرور أو لركن السيارة خارج السوق.أما يوري كيلاكوف فيقول: «نتابع نتائج كأس العالم منذ انطلاقه كون بلادنا تستضيفه وكذلك يشارك فيه منتخبنا الوطني، أيضاً لأن بعضنا متابع لكرة القدم إلا أن الأهم بالنسبة لنا أن هذه النتائج تنعكس بشكل أو بآخر على المبيعات». ويوضح كيلاكوف، وهو صاحب «بسطة» لبيع الدمى الروسية الشهيرة «ماتريوشكا»، إن خروج الفرق من المنافسة بالدور الأول أو حتى الثاني يعد فألاً حسناً على التجار الصغار، حيث أن مشجعي تلك الفرق يتوافدون على السوق عقب خسارة منتخباتهم وخروجها من المنافسة وذلك لشراء التذكارات والهدايا قبل مغادرتهم إلى بلدانهم. برأيه، الخروج المبكر لمشجعي الفرق العربية وبيرو من المنافسة على سبيل المثال انعكس إيجابياً على حركة السوق؛ حيث «أن زبائن تلك الدول بدؤوا سريعاً بالتوافد على السوق لشراء ما يحتاجون من تذكارات وهدايا». في الواقع، خرجت الفرق العربية الأربعة المشاركة في مونديال روسيا (السعودية ومصر والمغرب وتونس) من الدور الأول، لترافق 12 فريقاً آخر، قبل أن تلحق بها الأرجنتين والبرتغال بنجميها العالميين ميسي وكريستيانو رونالدو ومن ثم المكسيك واليابان وإسبانيا والدنمارك في الدور الثاني.
مع انطلاق المونديال تضاعف عدد الزبائن حتى أن السوق بات يغص بهم


وللتجار آراء «مفصّلة» في مساءل الربح والخسارة، وتأثيرها على حركة «السوق» خلال المونديال. وحسب صاحب إحدى المحال الصغيرة لبيع الهدايا، فإن الفرق التي تحقق الفوز، وتستمر في المنافسة لوقت أطول، تحمّل مشجعيها تكلفة أعلى في الإقامة والتنقل بين المدن لحضور المباريات، أما الفرق الخاسرة، لديها حسابات أخرى: «فترة إقامة المشجعين في هذه الحالة قد لا تطول عن 10 أيام أو أسبوعين وهذا يجعلهم يُقبلون على الشراء خاصةً أن الميزانية المرصودة لفترة أطول تكون تسمح بذلك». وحول مدى مراعاة الأذواق والرغبات في انتقاء المعروضات يقول ستين غولفين، وهو صاحب متجر بالسوق ذاته، إن البضائع تحمل خصوصية حيث أن بعض دمى «ماتريوشكا» تحمل صوراً لنجوم فرق كالبرازيل أو الأرجنتين أو غيرهما وبعضها الآخر يحمل صوراً لسياسيين وزعماء من مختلف البلدان، وهذا يدفع الزبائن ممن يهتم بتلك الشخصيات لشراء تلك البضائع بالذات كذكرى. سوق رأسمالية صرفة في عاصمة كانت عاصمة الاشتراكية العالمية قبل سنوات. ما يبقى، هو الطابع «الأممي»، الذي يضيفه كأس العالم، ولا تضيفه الطبيعة الرأسمالية بطبيعة الحال. يقول غولفين إن معرفة هوية الزبائن على المعروضات تنعكس على «العرض والطلب»... فقد «دفعت خصوصية المونديال أصحاب المحال لجلب بضائع تناسب الأجواء فمثلاً إلى الماتيروشكا الخاصة هنالك بعض الهدايا الخاصة كنموذج مصغر لكأس العالم أو ملعب لوجنيكي الشهير بموسكو أو تميمة المونديال الذئب زابيفاكا». استدرك بالقول إنه وعلى الرغم من أن أسعار هذه الهدايا والتذكارات أغلى من الهدايا العادية كون لها قوالب خاصة إلا أنها تشهد إقبالاً كبيراً، فليس كل عام يمكن السفر إلى روسيا.
في أية حال، ومن زاوية تجارية، تبقى ماتريوشكا، والذئب زابيفاكا من أبرز التذكارات أو الهدايا التي يحملها معهم مشجعو المونديال إلى بلدانهم لتذكر اللحظات «المونديالية» في روسيا. وماتريوشكا، هي عبارة عن دمية خشبية تتضمن داخلها عدة دمى أخرى بأحجام متناقصة، بحيث أن الأكبر تحوي الأصغر منها، وعادة ما تمثل المرأة الروسية الريفية باللباس التقليدي، وترسم ملامح المرأة وبناتها اللاتي يشبهنها. أما الذئب زابيفاكا، فهو التميمة الرسمية لمونديال روسيا 2018، وكشف النقاب عنها في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2016، بعد تصويت شارك فيه أكثر من مليون شخص، ويعني الاسم بالروسية: «الهداف». ولزابيفاكا مجسمات منتشرة على مداخل الاستادات الرئيسية والساحات العامة في أنحاء روسيا إضافة إلى ارتداء عدد من الأشخاص زيه وقيامهم بالتجول في الملاعب والأسواق كأحد مظاهر وأجواء الاحتفاء بالمونديال. أما ما لا يُشترى ولا يباع في السوق، فهو تاريخ روسيا العظيم.