هذا المشهد كان واضحاً منذ البداية، إذ إن مدرب بلجيكا الإسباني روبرتو مارتينيز أجرى 9 تبديلات على تشكيلته الأساسية، حيث لم يبق من الأساسيين سوى الحارس ثيبو كورتوا والمدافع ديردريك بوياتا. النجوم كانوا على مقعد البدلاء. هازار كان في الملعب، لكن ليس إيدين بل شقيقه الأقلّ نجومية ثورغان. فرق كبير طبعاً. الجميع كانوا يريدون رؤية نجم تشلسي والنجمين كيفن دي بروين وروميلو لوكاكو معه في الهجوم. كذلك فإن التغييرات كانت بدرجة أقل حاضرة في الجانب الإنكليزي، هجومياً تحديداً، حيث لم يلعب هداف المونديال حتى الآن هاري كاين ولا رحيم سترلينغ. شارك مكانهما جيمي فاردي وماركوس راشفورد. عندما يكون كاين موجوداً يكون الوضع مختلفاً طبعاً. لا يريد المنتخبان الفوز إذاً، ولا يريد الإنكليز حتى التعادل، باعتباره يبقيهم أٌولاً باحتساب البطاقات الصفراء. المنتخبان كانا تواجها مرتين في تاريخ المونديال وتعادلا في الأولى 4-4 في مونديال 1954 وفازت إنكلترا في الثانية 1-0 بهدف ديفيد بلات في مونديال 1990. النتيجتان لا تروقان الإنكليز طبعاً. لكن أسطورتهم في ذلك المونديال الأخير غاري لينيكر كان رأيه مختلفاً، حيث غرّد قبل دقائق من المباراة قائلاً إنه لو كان لاعباً لسعى إلى الفوز وتصدُّر المجموعة ومواجهة البرازيل. لكن لينيكر كان يغرّد في منزله أو استديو التحليل فحسب، بينما القرار كان للاعبين في الملعب.
بدت فصول «المسرحية» واضحة المعالم وكان على أحد المنتخبين أن ينهيها
حصل ما كان متوقّعاً. في الشوط الأول، كان هناك ملعب و22 لاعباً، لكن لم يكن هناك كرة. لم يكن هناك لعب. كرات طائشة من الجانبين. لا جمل تكتيكية ولا فرص حقيقية. شوط أول ممل جداً، حتى إن الحكم أطلق صفارة نهايته في الدقيقة 45 تماماً. كان هذا القرار أفضل ما فعل. بدت فصول «المسرحية» واضحة المعالم. كان على أحد المنتخبين أن ينهيها. كان على أحدهما أن يمتلك الشجاعة تحت شعار: «لكي تفوز في المونديال عليك أن تثق بنفسك وألا تخشى أحداً». البلجيكيون امتلكوا هذه الشجاعة في الشوط الثاني. منذ بدايته تحلّوا بالجرأة ليسجلوا الهدف الأول، ولم يكن هدفاً عادياً، بتسديدة مقوّسة رائعة من الشاب عدنان يانوزاي في الدقيقة الـ51. انتصر يانوزاي قبل كل شيء بهدفه للكرة الجميلة. هل سيُبادر الإنكليز من جهتهم إلى التسجيل؟ لا يبدو ذلك. هذا ما تُثبته الدقيقة الـ65، إذ إن راشفورد وُضع في موقف «محرج» بعد أن وجد نفسه منفرداً بكورتوا. ماذا يفعل؟ يفعل طبعاً ما طلبه غاريث ساوثغيت بأن لا يسجّل. يسدّد إذاً خارج المرمى المكشوف أمامه. نجا الإنكليز من هذا «القطوع». نجحوا في عدم تسجيل هدف. يا لروعة ما حصل!
بقي 25 الدقيقة. لكن أنظار المشاهدين لم تعد على الملعب بل على توقيت المباراة أعلى الشاشة، ولسان الحال: متى تمرّ هذه الدقائق الثقيلة، متى يُطلق الحكم صفارة الختام؟ في الدقائق الأخيرة كان الإنكليز «يسهّلون» الطريق أكثر نحو مرماهم، لـ «ضمان» الخسارة، لكن المحاولات البلجيكية لم تنجح... وفي النهاية أطلق الحكم الصفارة المرجوّة. كان، مجدداً، هذا القرار أفضل ما فعل. انتهت مباراة «القمة»، ويا ليتها لم تكن. فازت بلجيكا وتصدّرت، وستواجه اليابان في دور الـ16، فيما ضَمِن الإنكليز المركز الثاني. لكن مهلاً، من يضمن لهم تخطّي كولومبيا والوصول إلى ربع النهائي! بدوره، عوّض منتخب تونس خيبة الخروج المبكر من المونديال في المجموعة الصعبة مع بلجيكا وإنكلترا بفوزه المعنويّ بنتيجة 2-1 على بنما التي شاركت للمرة الأولى في كأس العالم. وقلب «نسور قرطاج« تأخّرهم بهدف ياسين مرياح بالخطأ في مرمى منتخب بلاده في الدقيقة الـ33 إلى فوز بهدفَي فخرالدين بن يوسف في الدقيقة الـ51 ووهبي الخزري في الدقيقة الـ66. وهذا هو الانتصار العربي الثاني في مونديال الخسائر.