حقق كلٌّ من المنتخبين البرازيلي والألماني انتصاره الأول في الجولة الثانية من دور المجموعات، لكن هذا الانتصار لم يحسم لأيٍّ منهما مسألة التأهل إلى الدور المقبل، لتكون الجولة الأخيرة محطة مفصلية لهما، عندما يلعب اليوم «السيليساو» مع صربيا في المجموعة الخامسة، و«المانشافت» مع كوريا الجنوبية في المجموعة السادسة. وما بين الكلام الكثير عن توقّعٍ للقاء بينهما كان غير متوقع قبل انطلاق النهائيات، وما بين الحديث عن إمكانية عدم تأهل أحدهما أو الاثنين معاً، تبرز الكثير من القواسم المشتركة بين هذين المنتخبين اللذين تركا ذكرى تاريخية في المونديال الماضي عندما فاز الألمان بنتيجة ساحقة 7-1، في الدور نصف النهائي، ليمهدوا الطريق نحو لقبٍ رابع في تاريخهم.ففي المباراة الأخيرة لكلٍّ منهما فاز الاثنان في الدقائق القاتلة، وقبلها لم يقدّم أي منهما الصورة المنتظرة منه، فخسر الألمان وتعادل البرازيليون. من هنا، دعوة حقيقية للمنتخبين لترك رسالة مرعبة إلى كل منافسيهما في ختام دور المجموعات، وإلا فإن هيبتهما ستسقط قبل أن يسقطا فنياً على أرض الملعب، فهما كانا بنظر خصومهما في المجموعتين وانسحاباً إلى كل الفرق الأخرى، المرشحين الأقوى للفوز باللقب. الأكيد أن أسلوب واستراتيجية المنتخبين تختلفان، لكن هناك بعض النقاط التي يمكن التوقف عندها في الصورة التي ظهرا فيها للتصويب على سبب مسألة «معاناتهما» في مكانٍ ما، وهما إذا ما عالجا هذا الأمر فإنهما سيذهبان بعيداً في المشوار المونديالي، وسيتفاديان طبعاً (من خلال تصدّرهما للمجموعتين) أي مواجهة مباشرة بينهما قبل النهائي الكبير. تبقى المشكلة الأساسية والمشتركة التي يعاني منها المنتخبان هي إيجاد التوازن بين الدفاع والهجوم، والتي جعلت منهما غير مقنعين حتى الآن.
ومما لا شك فيه أنه في مباراتي البرازيل وألمانيا، ظهر المنتخبان بشخصية قوية، فهما أرعبا خصومهما في غالبية فترات اللقاء، وكانا الأكثر خطورةً والأفضل استحواذاً، لكن يبقى أن لكلٍّ منهما مشكلته في الإطار المذكور سلفاً، والتي قلّصت من سلاسة التسجيل في شكلٍ سهل ومن دون تعقيدات أو انتظارٍ حتى الدقائق الأخيرة. الأمر الواضح أيضاً أن المنتخبين دخلا المونديال بعقلية هجومية، وهو ما أعدّ له المدرب البرازيلي تيتي طوال أشهرٍ عدة، لكنه اضطر أخيراً لإجراء بعض التعديلات الاضطرارية في هذا المجال، وتحديداً بعد المباراة الأولى أمام سويسرا ومن ثم الشوط الأول أمام كوستاريكا، ما حسّن من أداء فريقه في الشوط الثاني من المباراة الأخيرة. وتيتي مثل نظيره في المنتخب الألماني يواكيم لوف لديه أسلحة هجومية إضافية عن تلك التي تبدأ المباريات أساسية عادة، لكن أيضاً مثله يبحث عن مشكلةٍ للاعبي الوسط المدافعين غير القادرين على تشكيل إضافة هجومية تكسر التكتلات الدفاعية. وهنا يمكن الحديث عن التزام كاسيميرو بالمهمة الدفاعية فقط، مقابل جري باولينيو في شكلٍ عشوائي وفي مساحات لا يفترض أن يتواجد فيها في بعض الأحيان، ما حجّم من خطورته الهجومية التي عرفناها مع برشلونة في الموسم الماضي.
مشكلة مشتركة تعيشها البرازيل وألمانيا عنوانها انعدام التوازن بين الدفاع والهجوم


ولهذا السبب كان تيتي حاضراً لاقحام دوغلاس كوستا على حساب ويليان ليكمل الثلاثي الهجومي مع نيمار وأفضل لاعبي البرازيل في المونديال أي كوتينيو. والأمر عينه ينطبق في الحالة الدفاعية التي تكشف انعدام التوان الدفاعي - الهجومي، إذ بعيداً من اجتهاد كوتينيو ومحاولات كوستا للحدّ من تقدّم الخصم، فإن الحرية الممنوحة لنيمار لا تجعل منه لاعباً لمصلحة المجموعة في الحالة الدفاعية، إذ في أقصى الحالات قد يحاول إغلاق الرواق على الجهة اليسرى. بطبيعة الحال تبدو البرازيل حاضرة أكثر من ألمانيا في ما خصّ الشق الدفاعي، إذ وكما ألمانيا لديها العديد من اللاعبين الذين يخسرون الكثير من الكرات في محاولاتهم لأخذ الأمور على عاتقهم، أمثال نيمار وكوستا (ومسعود أوزيل وتوماس مولر في ألمانيا). لكن الفارق بينها وبين ألمانيا هي أن لديها مدافعين حاضرين لحماية المنطقة، وإيقاف أي مدّ هجومي مرتد عبر تغطية المساحات الفارغة. وهذه النقطة هي بمثابة المعضلة التي لم يجد لها الألمان الحلّ منذ المباراة أمام المكسيك، لتستمر المعاناة أمام السويد وتترك قلقاً كبيراً حول مصير «المانشافت» في المونديال.
الواقع أن ألمانيا تبدو وكأنها قَدِمت إلى المونديال بلا مدافعين. لكن هذه المسألة لا يتحمل مسؤوليتها تواضع مستوى جيروم بواتنغ وتراجع قدرات ماتس هوملس وأنطونيو روديغر أو محدودية جوناس هكتور، بل كيفية انغماس اللاعبين الألمان الآخرين في المنظومة الدفاعية، ومثلهم لاعبي خط الظهر في الحالة الهجومية. وهذا العرض يأخذنا إلى مونديال 2014 عندما كان بناء الهجمة الألمانية يبدأ من الخلف، من عند هوملس تحديداً، وعند خسارة الكرة في منطقة الخصم، يكون الهداف ميروسلاف كلوزه أول المدافعين من خلال عملية الضغط العالي التي كانت فصولها تنتهي عند خط الوسط بوجود سامي خضيرة وطوني كروس اللذين عملا على إلغاء أي عملية هجومية. اليوم يحاول لوف إعادة التوازن عبر تغييرات شبه جذرية في منتخبه، لكن بقيت المساحات الخالية وعدم الترابط بين الخطوط، مشكة أساسية بغياب الكيميائية المفقودة التي تعزل المهاجمين أحياناً أو تضيعهم، تماماً كما حصل مع تيمو فيرنر التائه بين مركزي رأس الحربة والطرف الأيسر، من دون أي علم إذا ما كانت لديه أي مهامٍ دفاعية.
وعلى رغم تغييرات لوف، فإن المنتخب يفتقد قائداً حقيقياً بخروج أوزيل من الحسابات الأساسية (بقرارٍ مبرر)، فقائد الوسط وضابط الإيقاع لطالما كان عنصراً حاسماً في عملية توجيه زملائه والحرص على تثبيت التوازن الذي يطلبه المدرب. وفي الحقبات الناجحة للألمان كان هناك غالباً لاعب على شاكلته، أي منذ ايام «القيصر» فرانتس بكنباور، مروراً بزمن لوثار ماتيوس، ومن ثم ميكايل بالاك، ووصولاً إلى الأيام الذهبية مع باستيان شفاينشتايغر. إذاً الكثير من العمل ينتظر ألمانيا والبرازيل، فهذا المونديال ليس مونديال الصغار كما يعتقد البعض بحسب النتائج المسجّلة، بل هو مونديال الأكثر حضوراً ذهنياً والأكثر تصرّفاً بطريقة ذكية ومنظّمة على أرض الملعب. الأكيد أن البرازيل وألمانيا ولو أنهما كشفا عن وجهين هجوميين ممتعين فإنه في الأدوار المقبلة (إذا ما تأهلا) عليهما أن يبحثا عن الكمال من خلال إيجاد التوازن المطلوب وإلا فإن الخيبة الكبرى ستكون في انتظارهما.



مصير صربيا وسويسرا والسويد في أيديهم
إذ يبدو كل التركيز على موقعة البرازيل (4 نقاط) وصربيا (3 نقاط) في المجموعة الخامسة، فإن مباراة سويسرا وكوستاريكا هي على قدرٍ عالٍ من الأهمية، خصوصاً بعد الفوز اللافت للسويسريين على الصرب في الجولة السابقة. ومما لا شك فيه أن مهمة سويسرا (4 نقاط) أسهل مقارنة بمهمة طرفي المباراة الأولى، على رغم أن كوستاريكا قد تتكتل مجدداً في محاولة لتفادي خسارة ثالثة بعد خروجها من السباق إلى إحدى بطاقتي التأهل عن هذه المجموعة.
لكن اليد العليا ستكون لسويسرا لا محالة، وهي التي تملك لاعبين مميزين على الصعيد الفردي، وسريعين في آنٍ معاً، يمكنهم كسر أي حاجز دفاعي، أمثال شيردان شاكيري وغرانيت شاكا، خصوصاً الأول الذي سيستفيد بلا شك من سرعته في مواجهة منتخب بطيء وغير منظم، وغير قادر على تشكيل الخطر المطلوب كما بدا في مباراتيه الأوليين. أما في المقلب الآخر أي في المجموعة السادسة، حيث يتوقع كثيرون أن تمرّ ألمانيا (3 نقاط) من كوريا الجنوبية التي تلقت هزيمتين، فإن الأنظار ستكون على الموقعة الأقوى بين المكسيك (6 نقاط) والسويد (3 نقاط).
الأول منتخب يعرف ما يفعله على أرض الملعب وكيفية رسم هجماته التي يبدو سلاحها الفتاك السرعة الفائقة في الانتقال من الشق الدفاعي إلى نظيره الهجومي، إذ يعتبر كثيرون أن المكسيكيين هم الأسرع في الهجمات المرتدة ويملكون مهاجمين فعالين، أمثال إيرفينغ لوزانو وخافيير هرنانديز (تشيتشاريتو). أما السويد فإن ما يعيبها هو عدم وجود خط وسط خلاّق لديها، اذ باستثناء إميل فورسبرغ، يصعب إيجاد لاعب سويدي يمكنه لعب دور القائد في عملية بناء الهجمة، ما يجعل من المهاجم الوحيد ماركوس بيرغ يأمل بإيجاد مساحة خالية لمحاولة الوصول إلى المنطقة، وهو أمر سيكون صعباً إلى حدٍّ كبير في اللقاء أمام المكسيك المعروفة بارتدادها السريع إلى الخلف.