«أريد أن ألعب كرة القدم بطريقة احترافية، ميسي مصدر إلهام كبير لي. عندما شاهدتهم يخرجون من النفق مع اللاعبين، ورأيت أحد الصبية يمسك بيد ميسي، قلت لأبي: من هم هؤلاء الأطفال المحظوظين؟ كيف وصلوا إلى هناك؟ أريد الذهاب أنا أيضاً». يرتدي أحمد (11 عاماً) قميصاً مخططاً باللونين الأزرق والأبيض، عليه اسم نجم برشلونة والأرجنتين، ويسجّل موقفه من «المونديال». يُعلِن: ليو هو بطلي.
الطفل يحفظ بسهولة كل ما يتعلق باللاعبين (ايتان أبراموفيتش ــ أ ف ب)

بعيداً عن مقاييس الفوز أو الخسارة في مباراة، يقول أحمد الصغير: «ليو لا يستسلم أبداً، غو ميسي غو». سواء في لبنان أو غانا أو إسبانيا أو في البرازيل، يحب الأطفال كرة القدم. الرياضة التي تعمل على سد الفجوة الثقافية واللغوية، بين أكثر من 6000 لغة مختلفة نتحدثها على كوكبنا. الأطفال في جميع أنحاء العالم يفهمون «لغة كرة القدم». يتابعون اللاعبين ويعتبرونهم قدوة على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل المشاهير الآخرين. يحلم الأطفال من جميع الخلفيات بأن يحذوا حذو اللاعبين: أن يصبحوا مشهورين. معظمهم يأتي من الطبقات التي في القعر. يواجهون تحديات مختلفة، ويحلمون بالوصول. وكما بدأ رونالدو بلعب كرة القدم في الشوارع في سن مبكرة، وعانى ميسي من نقص هرمون النمو، شكلت قصص الطفولة لهؤلاء الأساطير مثلاً أعلى. في لبنان كما في العالم. وفي هذا الإطار، تشير التربوية مي سعادة، إلى أن «الطفل يبحث دائماً عن مثل أعلى». ممكن أن يكون هذا المثل هو الأب، أو شخصية كرتونية أو سياسية أو لاعب فوتبول. لكن، ترجح سعادة، أن الأطفال وقعوا باكراً في حب كرة القدم بسبب حبهم للـ«كابتن ماجد». عدد كبير من الأطفال اليوم «مغروم» بلاعب كرة قدم تابع لفريق معيّن، وذلك بسبب انجذاب الأطفال لشهرته والأضواء... «يبكون أو يحتفلون مع نجومهم لمجرد هدف». وفي ثقافتنا، يعامل نجوم الرياضة كأبطال. يتمتعون بامتيازات، ويتشجع العديد من الآباء والأمهات لتربية «نجم كرة قدم»، فهذه الرياضة، مثل غيرها، لديها إيجابيات. تعلمهم الصداقات، روح الفريق، الانضباط، وتعزز اللياقة البدنية. ولكن سعادة تسأل: هل لاعب كرة القدم هو قدوة حسنة للأطفال دائماً؟

سددها يا ماجد!
أحد أبرز هؤلاء الأطفال هو الكابتن ماجد. شخصية خارقة من كتب «مانغا» اليابانية الكوميدية، تم إنشاؤها في 1981. لكنها تجاوزت خيال مبتكرها يويتشي تاكاهاشي. في 1983، تم تصويره كأنمياشن على شاشة التلفزيون، وتمت ترجمته وبثه في جميع أنحاء العالم. في الشرق الأوسط، يعرفه الأطفال بهذا الاسم: «كابتن ماجد». كان «تسوباسا» فتى يحب كرة القدم ويحلم بالفوز بكأس العالم لليابان. ولكنه تجاوز ذلك بكثير: تحدث عنه لاعبون مثل زين الدين زيدان ورونالدينيو وتأثيره على تطوير كرة القدم وحبهما لها. يقول مرتضى، وهو شاب لبناني يتابع كرة القدم: «عندما كنت صبياً، أحببت الشخصية وأردت أن ألعب مثله، عندما كبرت، أدركت أنني لا أستطيع نسخ تلك التحركات الصعبة». هل حدث ذلك مع زيدان ورونالدينيو؟ لا نعرف. كل ذلك كان في الماضي، ماذا عن الآن؟ هل ما زال يلهم الأطفال ليصبحوا لاعبي كرة قدم؟ يتزايد عدد الأطفال في العالم الذين يُطلِق عليهم آباؤهم وأمهاتهم اسم ميسي أو رونالدو، نظراً لمكانة الثنائي في كرة القدم العالمية. إنه عصر ميسي ورونالدو. اثنان من أعظم لاعبي كرة القدم الذين رأيناهم على الإطلاق. صنع كل واحد منهما أرقاماً رياضية مثيرة للإعجاب. سجّلا أكثر من 500 هدف. في هذا الصدد، يقول الرياضي إبراهيم وزني: «يرتدي الأطفال قمصان أبطالهم الكرويين، وأحياناً ينقسم أبناء الحي الواحد الى فريقين، فريق ميسي ضد فريق رونالدو، «يرقّص» أحدهم الكرة على قدميه، بينما يقوم الآخر بتخطي طول الملعب، حتى تتخطى الكرة خط المرمى».
في السلع كافة نرى نجوماً تؤدي دورها الترويجي في الإعلانات

برأيهِ، ولعدة أسباب، يشجع الأطفال منتخبات محددة: «أولها التأثر بالجو العام، جو المنزل والحي، التضامن مع الكبار في المنزل وأحياناً الوقوف على طرف النقيض منهم ليقول: أنا هنا وهذا رأيي». يبحث الأطفال عن قدوة رياضية والخيارات كثيرة في ميدان اللعبة الشعبية من منطلق المتابعة المستمرة، بالإضافة إلى محاولة إظهار الثقافة والمعرفة الرياضية للتباهي والتميز، ولا ننسى التأثر بالحملات الدعائية، في الملبس والمأكل والمشرب والمعدات، وفي السلع كافة نرى نجوماً تؤدي دورها الترويجي في الإعلانات. يجب أن لا ننسى أن هناك وظيفة «مشتركة» تجمع بين «ماجد» و«ميسي»: السوق الإعلانية الضخمة بطابعها الرأسمالي.

الآلهة الجدد
لاعبو كرة القدم بالنسبة إلى الأطفال هم أكثر من أفراد. هم النجوم، الأصنام، والآلهة تقريباً. في المقابل، ليس هناك ما يمكن للعبة أن تستمده من أكثر معجبيها ولاء، أكثر من الأطفال. «نافاس، كاسيا، راموس، فاران، فرنانديز، مارسيلو، هيرنانديز، كارفاخال، كاسيميرو، يورنتي، كروس، مودريتش، كوفاسيتش، سيبايوس، إيسكو، كريستيانو رونالدو، ماركو، بنزيما... بالنسبة لي، من الصعب جداً البدء في تعلم كل هذه الأسماء»، تقول والدة فضل شمخا، الذي يبلغ من العمر 8 سنوات، لكنه يعرف أسماءهم وأرقامهم جميعاً عن ظهر قلب. مهووس ومغرم باللاعب كريستيانو رونالدو، ويقلده عندما يحتفل بعد تسديد كل هدف. ويحب أيضاً مارسيلو، وقد أرسل الأخير إليه في عيد ميلاده فيديو معايدة يقول فيها: «هالو فضل شمخا». لا يزال يشاهده كل يوم ويتباهى ببطله و«صديقه» أمام الجميع. وفي قصة أخرى، بين ليلة وضحاها باتت فاطمة من مشجعي المنتخب الألماني مع بداية المونديال من خلال مشاهدة التلفزيون... «وطلبت ​​مني إحضار علم ألمانيا». تؤكد والدة فاطمة أن ابنتها البالغة من العمر 5 سنوات «انجذبت» للون العلم الألماني، بعد أن رفعه أبناء خالتها على شرفة منزلهم، وهم الآتون من ألمانيا إلى لبنان لقضاء عطلة الصيف: «يبدو أن ألوان العلم الألماني راقت لفاطمة من بين كل الأعلام المنتشرة على الشرفات والملصقة على زجاج السيارات»! في أية حال، تبقى متابعة كأس العالم مناسبة كبيرة تحدث كل 4 سنوات. وسائل الإعلام، الناس، السياحة والاقتصاد، والجميع يهتم ويحاول الاستثمار فيه. يقول محمد حدادة: «يلعب الإعلام دوراً كبيراً في تسليط الضوء على الأسماء اللامعة، حتى اللحظة لم نشهد على نجوم كبار، باستثناء كرستيانو رونالدو، إيسكو بإسبانيا، هاري كين بمباراة انكلترا وتونس، والسبب أن المنتخبات التي تلعب في كأس العالم لم تعد فردية، لم تعد المهارات لها دور في كأس العالم، أصبحت قوة اللياقة البدنية والتركيز وهذه الأمور هي التي يفضلها المدربون». لغاية هذه اللحظة الأسماء البارزة قليلة، بحسب حدادة، ربما مع مرور الأدوار الحاسمة وبروز المنتخبات، سيظهر بطل جديد يتعلق به الأطفال.

المنزل والتلفزيون
عندما يجلس الطفل إلى جانب والده، ويتابع طريقة اللعب، التسجيل والأسماء الكبيرة، ينبهر. يتمنى أن يسلك هذا الطريق، بعد أن أصبحت كرة القدم لعبة «تدر المال». أصبحت «صناعة»، فيها مال وأرقام قياسية مذهلة. عائلة محمد حدادة برازيلية... «وحده ابني كريم ضدي ومع ألمانيا». يتمنى حدادة تعميم الرياضة على الأطفال ليس فقط الأبطال في كرة القدم بل حتى في رياضات أخرى؛ كألعاب القوى مثلاً: «كيف كانوا فقراء، ولا نكتفي في تعليمهم طريقة اللعب. يجب إخبارهم مثلاً أن رونالدو كان فقيراً، توفي والده عندما كان صغيراً، تعبت والدته في تربيته، لديه إرادة قوية جداً، يتحمل النقد». لديه نظرياته «المحايدة»: «كأس العالم فرصة للتمتع بالمشهد الدولي في هذه اللعبة، وأن نجعل من كأس العالم مناسبة تستحق لتطوير شخصية أطفالنا». يحاول جاهداً أن يجد لنفسه مساحة في هذا العالم. في الواقع، ثمة نظرية تقول إن عالم الدراما والإعلام في العالم قائم على ثلاث قيم تتم زراعتها في عقول الناس منذ الطفولة. الرياضة والمال والجنس. تجتمع هذه الخصال الثلاث حول هالة اللاعبين، كما يشرح مدرب السيكودراما والمخرج عجرم عجرم... «الطفل يدرك المظاهر الشكلية من اللاعب واللعبة وأدواتها وحركاتهم التفصيلية، ويركز المراهق على علاقات اللاعبين وهواياتهم وعاداتهم وعالمهم الاسطوري فيما ينشغل الكبار بأسعار اللاعبين وأخبارهم كونها تزيح عنهم أعباء الحياة وتعقيدات الواقع». عادةً ما يلاحظ الطفل على والده علامات الذهول والدهشة والانبهار فيما يتابع أو يتحدث عن أخبار مشاهير وأبطال رياضة كرة القدم، حيث يندفع الأب بكل حماسة وتلقائية بالحديث عن ذاك اللاعب، الذي بلغت قيمته السوقية رقماً قياسياً بمئات ملايين الدولارات. يتحدث عن الشاري وعن البائع وغير ذلك، فيما تسّوق وسائل الاعلام بكل أشكالها بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الالكترونية وحتى اليدوية كل المعلومات والتفاصيل المتعلقة بهذا العالم، بما فيها من إغواء بكل أشكاله المبهرة. نتحدث عن سوق اعلانية ضخمة، فيها الثياب، شكل حلاقة الشعر، الطعام وكل المادة الاعلانية التي يراد استهلاكها من قبل الأطفال وغير الأطفال. يعلّق عجرم: «طبعاً الاطفال هم الحلقة الأضعف لأنهم يصدقون الدعاية والقصة التي تروى لهم وتعرض عليهم ولا يبقى عليهم إلا التأثر». برأيهِ، من الطبيعي أن يتأثر الأطفال بنجوم عالم كرة القدم إلى الحد الذي يفاجئ أهلهم. الطفل يحفظ بكل سهولة أسماء اللاعبين وتوزيع المجموعات المشاركة في المونديال وكيفية ترتيبهم وأرقامهم. ولهذه الأسباب جميعها، يحرص الطفل على ارتداء الزي المشابه للاعب المفضل، رافعاً علم المنتخب الذي يشجعه ويتماهى معه، ويتابع كل أخباره. يعلق صوره ويحتفظ بكل أرشيفه على هاتفه. يختم عجرم بالقول: «بكل بساطة لقد أصبح له بطل ومثل أعلى وبالتالي تشكّل وعي الطفل بما يناسب مصالح مشاريع التسويق والإغواء التي تديرها كبار شركات صناع الرياضة العالمية».