صورة «غربية» للرئيس الروسي
لم يرسل أي بريد إلكتروني في حياته(أرشيف)
يدرك بوتين أهمية الصورة للتقرّب من شعبه ودخول كل بيت أسوة بمعظم الزعماء
في الغرب، هناك تصورات عن المدينة وناطحات السحاب وترامب تاور وما شابه. لكن بوتين يعيش مع زوجته واثنتين من بناته العشرينيات في قصر في عمق الغابة. الغرف تبدو واسعة، أعيد بنائها حديثاً ومعظمها فارغ. حسب اغناثيوس، عندما تدخل إلى مكتبه الواسع والمتقشف، ستجد أقوى رجال روسيا: رئيس موظفي بوتين، «الداعم لأيديولوجيته» ورئيس البرلمان، وجميعهم يرتدون بدلات باهظة الثمن ويحملون حقائب سوداء أنيقة. يعطينا بوتين، الذي نادراً ما يلتقي بالصحافة الأجنبية، 3 ساعات ونصف ساعة من وقته، أولاً في مقابلة رسمية في مكتبه ثم في الطابق العلوي أثناء تناول العشاء. وهذه وجهة نظر أميركية خالصة من دون أي تدخل. يكشف بوتين على مضض عن بعض التفاصيل الشخصية للصحافي الأميركي خلال تناوله الطعام بطريقة متقطعة: إنه يرتاح، كما يقول، بالاستماع إلى الملحنين الكلاسيكيين مثل برامس وموزارت وتشايكوفسكي، وأغنية «البيتلز» المفضلة لديه هي بالأمس. لم يرسل أي بريد إلكتروني في حياته. وعلى الرغم من أنه نشأ في بلد كان شيوعياً، إلا أنه مؤمن، وغالباً ما يقرأ من الإنجيل الذي يحتفظ به على متن طائرة الدولة الخاصة. ذكر في معرض حديثه أنه غير صبور إلى درجة الوقاحة، وهو يسيطر تماماً على جمله في الرسائل التي يحاول إرسالها الى المتلقي. يعطي فلاديمير بوتين انطباعاً أوّلياً للغربيين عن أنه الرجل القوي الثابت. يتحرك بصلابة ومرونة. هو نموذج للرجل الروسي على نحوٍ لا لبس فيه، مع ملامح الوجه العميقة وتلك العيون الخارقة. لا يبذل أي جهد للتعبير عن ذاته.
ملك كل الرياضات

بعيداً عن المحاولات الغربية لتأطير بوتين على مقاييس غربية، فعندما تبحث عنه على شبكة الانترنت، ستظهر أمامك صورٌ، تعبّر عنه بأنه ملك كل الرياضات، أو بالأحرى رجل كل المهمات. يُجيد رجل الاستخبارات السابق مهارات عدّة. يلاعب الدببة، ويصطاد النمور. يجوب السماء مع طيور اللقلق مستخدماً أجنحة صناعية. يغوص مع الدلافين، ويركض في الغابة. والكثير من كل شيء. في إحدى المرات كان بوتين يقضي عطلته في جزء بعيد من جمهورية «توفا» الروسية الواقعة جنوب سيبيريا مع رئيس وزرائه ميدفيديف، ووزير الدفاع سيرغي شويغو. وقضوا هناك ما يقارب يوماً كاملاً وهم يصطادون الأسماك. فجأة، وخلال 3 دقائق، تمكن بوتين من سحب سمكة الكراكي التي تزن 21 كلغ. قيل عنها إنها أكبر سمكة كراكي تم اصطيادها حتى الآن، قام بسحبها بسنارته من البحر وقاموا بشيّها وأكلها فوراً. صورة أسطورية طبعاً. لكن، قوّة ولياقة لاعب الجودو السابق لا تقلل من وزن ذكائه. هو في الوقت الذي يُجيد فيه امتطاء الخيول كفارس، يلعب الشطرنج. هذه الصفات تقود تلقائياً إلى تكوين صورة القائد، التي يسعى إلى بنائها وتتلاقى مع رغبة جماهيرية عند الروس، توّاقة إلى هذه الصورة.
يدرك بوتين أهمية الصورة للتقرّب من شعبه ودخول كل بيت أسوة بمعظم الزعماء. لذا اعتمد على الإعلام وسيلةً لمشاركة نشاطاته الرياضية بعيداً عن لقاءاته السياسية. كما أنّ بناء هذه الصورة لا يمكن فصله عن الظروف السياسية التي رافقت وصول بوتين إلى الحُكم.
قبل أشهر، ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يداعب الكرة مع رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو، احتفالاً باقتراب انطلاق بطولة كأس العالم في روسيا. لفتة أظهرت تعلّق بوتين بالرياضة. من المعروف لدى الروس تشجيع بوتين على أهمية اللياقة البدنية بين المواطنين، وكذلك تعزيزه للرياضات المختلفة، كالتزلج وركوب الدراجات الهوائية وصيد الأسماك. يملك بوتين خبرة رياضية كبيرة، فهو من محترفي رياضات الدفاع عن النفس، وبدأ تدريبه على فن السامبو في مرحلة المراهقة (فن من فنون القتال العسكرية الروسية). لاحقاً تحول إلى ممارسة الجودو، والكاراتيه، وفي لينينغراد وسان بطرسبرغ شارك في العديد من مسابقات السامبو والجودو وفاز.
حصد الرئيس الروسي الحزام الأسود من الدرجة الثامنة في رياضة «التايكواندو»، متفوّقاً على تشاك نوريس، وهو فنان قتالي ومتخصص في الأفلام القتالية، ولم يتوقف بوتين عند الحزام الأسود من الدرجة الثامنة، بل حاز وكُرّم بالحزام من الدرجة التاسعة من قبل رئيس اتحاد التايكواندو العالمي خلال زيارته لكوريا الجنوبية. وصرّح بوتين بعد هذا الفوز: «أنا لا أعتقد بأنني أستحق هذا الحزام، ولكن دعونا نعتبر هذا الأمر حملة لتعميم تعليم هذا الفن القتالي الجميل في روسيا، التي ستبذل قصارى جهدها لزيادة شعبية هذه الرياضة القتالية بين سكانها».
أخرجوا الأمور التافهة من رأسي!

عام 2010 أجرى بوتين اختبار قيادة لسيارة الفورمولا واحد «رينو» في مسار سباق لينينغراد، وبلغ السرعة القصوى المقدّرة بـ240 كلم في الساعة. كان يرتدي خوذة صفراء عليها العلم الروسي مع الرمز الوطني الروسي، وهو النسر ذو الرأسين. وفي إحدى المرات، قام بتجربة طائرة رمي قنابل روسية، كما قاد سيارات «جيب» عسكرية ذات أربع عجلات، وأيضاً قاد الدراجات مع «عصابات» الدراجات النارية، وكانت دراجته من نوع «هارلي ديفدسون». في 2017 كشف فيلم وثائقي بعنوان «مقابلة بوتين» أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتبع برنامجاً للتمارين الرياضية وصف بأنه «جنوني»، يتضمن إطلاق النار على النمور، عناق الدببة القطبية، وركوب الخيل. وأطلع الرئيس الروسي مخرج الفيلم الأميركي الشهير أوليفر ستون على أنه يعمل سبعة أيام في الأسبوع، وأن من الطبيعي بالنسبة إليه أن يذهب إلى صالة الألعاب الرياضية كل صباح، ثم يمارس السباحة. «مقابلة بوتين»، هو فيلم وثائقي من أربع ساعات تم تصويره بين عامي 2015 و2017، بثّ على شاشة التلفزيون في الولايات المتحدة، وفق صحيفة «كوارتز» الأميركية. وخلافاً للتقارير السابقة، التي ذكرت أن دورات السباحة هذه هي التي يقوم فيها بوتين بـ«التفكير في الأمور المهمة التي يجب أن يقوم بها من أجل روسيا»، نفى الزعيم الروسي قيامه بالتخطيط لأي أمور أثناء وجوده في المياه، وقال: «لا، كل الأمور التافهة أخرجها من رأسي». في عامه الستين، بدأ بوتين، بلعب رياضة الهوكي على الجليد وظهر في مقابلة صحافية خاصة، نشرت العام الماضي، مرتدياً طقم هوكي كاملاً قبل أن يندفع إلى الحلبة ليسجل ستة أهداف في مباراة استعراضية جنباً إلى جنب مع الرياضيين السابقين.
وبعد كل هذا، لم يكتف. استقبل بوتين نجوم الساحرة المستديرة خلال قرعة كأس العالم، والتي أقيمت في الكرملين، في شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي. كان ضمن أبرز الحضور بيليه، مارادونا، رونالدو والمصري حسام حسن. أكد بوتين أثناء القرعة أن اللاعبين معروفون في روسيا تماماً، وأنهم يعدّون المثال للاعبي كرة القدم. أعرب عن ثقته بأن المشجعين ستكون لديهم انطباعات لا تنسى من كأس العالم في روسيا. روسيا التي يريد بوتين أن يراها العالم عبر عينيه هو وحده!