عندما قام الرئيس الأميركي باراك أوباما بآخر زيارة للسعودية، قبل أكثر من عام، كان سلمان في بداية حكمه. حينها، لم تكن المملكة قد بدأت حربها على اليمن، فيما كان الاتفاق النووي قيد الإنجاز بين الدول الكبرى وإيران. اليوم، يعود أوباما إلى الرياض، حاملاً في جعبته ملفات عدة لمناقشتها، ومقابلة مع مجلة "ذي أتلانتك" (نشرت قبل أسابيع) هاجم فيها حلفاءه الخليجيين، قد يضطرّ إلى تخفيف حدّتها، بعدما وصفهم مع حلفاء أوروبيين آخرين بـ"الركاب بالمجان" Free riders، نسبة إلى تعبير شعبي أميركي يُطلق على من يمشي مع التيار وفق مصلحته، من دون أن يقدم أي مساعدة.
وبين الاتفاق النووي والمقابلة المثيرة للجدل، حرب في اليمن تقودها السعودية بمساندة أميركية، وأخرى في سوريا والعراق يشارك فيها الطرفان، وملف مستجد على العلاقة بين البلدين، يعكسه ضغط من الكونغرس على أوباما من أجل كشف علاقة السعودية بأحداث 11 أيلول.
"أوباما يتوجه إلى السعودية، في ظل علاقة في أدنى درجاتها بين الولايات المتحدة وأحد أقرب حلفائها الخليجيين"، أمر أجمع عليه معظم المراقبين والمحللين الأميركيين، فيما برزت نقاط خلاف في كيفية النظر إلى المستقبل القريب الذي سيظلّل هذه العلاقة. فبينما رأت صحيفة "نيويورك تايمز" أن كل ما يهم السعوديين، حالياً، هو خروج أوباما قريباً من السلطة، رأت "وول ستريت جورنال" أن هذه العلاقة في طريقها إلى الأسوأ. ووسط كل ذلك، كان هناك من يخفّف من حدّة التوترات بين الحليفين، على اعتبار أنه لطالما كان هناك صعود وهبوط، منذ أن جرى تركيز العلاقة بلقاء بين الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز، في 14 شباط عام 1945، بزواج مصالح بين الطرفين.
من هنا، يمكن اعتبار أن زيارة أوباما الرابعة، التي من المحتمل أن تكون الأخيرة إلى السعودية، سيكون من أولوياتها إعطاء ضمانات مفادها أن الولايات المتحدة لم تتخلَّ عن "حلفائها الأوفياء" في الخليج من أجل إيران، لا سيّما أن المسؤولين في كلا الحكومتين يسعون إلى التقليل من حدّة الاتهامات التي أطلقها أوباما بحق السعودية، في أكثر من مناسبة، على أنها مصدر للتطرّف، أو حتى التخفيف من أهمية ضغوط الكونغرس بشأن الكشف عن دور سعودي في أحداث 11 أيلول.
من أولويات الزيارة التأكيد على عدم التخلي عن الحلفاء الأوفياء

السفير السعودي الجديد في واشنطن، عبدالله بن فيصل بن تركي، كان قد قال، منذ أيام، إنه "لا توجد مسألة أكثر أهمية من العلاقة ككل"، مؤكداً أن "لا شيء سيدمر ذلك". وأيضاً المتحدث باسم البيت الأبيض جوش أرنست أكد أن الرئيس الأميركي لا يدعم مشروع القانون الذي قد يحمّل المملكة المسؤولية عن أي دور في هجمات نيويورك، مؤكداً أنه لن يوقّعه. والأبلغ تعبيراً عن عمق العلاقة قول هذا الأخير: "أنا واثق من أن السعوديين يعترفون، مثلما نعترف تماماً، بمصلحتنا المشتركة في الحفاظ على استقرار النظام المالي العالمي".
أيضاً في السياق، ذكرت "وول ستريت جورنال" أنه "في إشارة إلى استمرار التعاون بين البلدين، قام السعوديون باستقبال 9 معتقلين من معتقل غوانتامو، السبت"، موضحة أن "هذه الخطوة ستساعد أوباما في التقدم باتجاه تحقيق إحدى آخر مبادراته الرئاسية ــ أي إغلاق المعتقل قبل خروجه من البيت الأبيض".
إلا أن ذلك لا يلغي نقاط الخلاف الكثيرة التي تشوب العلاقة السعودية ــ الأميركية، حالياً، ربطاً بالاتفاق النووي مع إيران والحروب الإقليمية المختلفة. لذا، من المتوقع أن تكون هذه الملفات على أجندة الرئيس الأميركي خلال لقاءاته. وهذا ما أشار إليه الخبير السياسي في شؤون الشرق الأوسط، فالي نصر، من دون أن يقلل من تأثير مقابلة أوباما مع "ذي أتلانتك" وتظليلها النقاشات المختلفة بين القادة الحلفاء. وفي هذا الإطار، لفت نصر إلى أن "الخليجيين قرأوا ما ورد في المقابلة على أنه بيان سياسي تعلن من خلاله الولايات المتحدة، بوضوح، رؤية مختلفة للشرق الأوسط".
من جهته، رأى الخبير السياسي، غاري سيك، أن "المملكة طالما نظرت إلى الولايات المتحدة على أن بقاءها إلى جانبها أمر مفروغ منه، وهي هناك لتبقى ولتحتوي إيران". ولكنه أضاف أن "لدى أوباما رسالة سيوصلها، ولا أظن أنه سيغيّر رأيه في هذا الشأن".
وفيما اتفق الخبيران على أنه سيجري التطرّق إلى الحرب في سوريا، رأى نصر، من جهته، أن "نقطة الخلاف الأساسية هي أين يجب أن يجري تركيز الطاقة الدبلوماسية"، متسائلاً "هل يجب أن تكون في إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة ــ وهو ما تفضّله السعودية وحلفاؤها الخليجيون ــ أو يجب أن يكون التركيز على هزيمة داعش؟". وأشار الخبير الأميركي من أصول إيرانية إلى أن "تدفق النازحين والهجمات في أوروبا غيّرا المعادلة وجعلا محاربة داعش أولوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، بينما يستمر الخليجيون في ربط أي مشكلة في سوريا بالأسد، على اعتبار أنه إذا ما جرت إزاحته فإن بقية المشاكل ستحلّ بنفسها".
أما بالنسبة إلى الحرب في اليمن، فقد أعرب سيك عن اعتقاده بأن "المشكلة الكبرى هناك هي أنه في الوقت الذي يحارب فيه السعوديون الحوثيين، ويقصفون كل ما يظهر أمامهم، فإن القاعدة وداعش يحرزان تقدماً كبيراً في الجنوب، وهو أمر لا تريد الولايات المتحدة حدوثه". انطلاقاً من هذا الواقع، أشار الخبير الأميركي إلى أن واشنطن "تريد أن تدفع باتجاه خفض السعودية لنشاطاتها العسكرية في اليمن... علاوة على تطبيق ذلك عبر طرق متنوعة، من خلال الدعم المالي للحرب ضد داعش والقاعدة".
فضلاً عن ذلك، من المتوقع أن يعلن أوباما دعماً إضافياً للخليجيين في الشق الدفاعي، خصوصاً في سياق تقوية نظام الدفاع البالستي.