لوسي واحدة من مئات النساء اللواتي اختُطفن من بيوتهن وقراهن. تعرضت للعنف الجنسي والاغتصاب على مدى أسابيع قبل أن تتمكن من الهرب. عادت لوسي إلى زوجها، ولكنها كانت حاملاً بطفل مغتصبها. "لن أسمح بتربية طفل إرهابي في منزلي"، يقول الزوج، ما اضطر لوسي إلى إجهاض الجنين عبر صبّ المواد الكيميائية في رحمها، لأن الإجهاض غير قانوني في بلادها. نجح الإجهاض، لكن ذلك لم يمنع زوجها من طلاقها.
منذ عام 2012، اختُطفت أكثر من ألفي امرأة وفتاة من قبل جماعة "بوكو حرام"، بما في ذلك أكثر من 276 طالبة اختطفن من مدرستهن في بلدة شيبوك في 14 نيسان 2014. وتشير التقارير إلى أن آثار الحمل واضحة، على الأقل، على 214 من بينهن. وقد استقطبت مأساة مدرسة شيبوك وحملة "أعيدوا لنا بناتنا" (على تويتر) اهتماماً دولياً كبيراً، وألقت الضوء على الوضع الخطير الذي تواجهه الفتيات في شمال شرق نيجيريا. إلا أن هذا الاهتمام ما لبث أن خفت دون أيّة نتائج تذكر.
في مقابلات نُشرَت في تقرير أعدّته منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، والمنظمة غير الحكومية "إنترناشونال أليرت"، تقول الفتيات والنساء، اللواتي تمكنّ من الفرار، إنهن تعرضن لانتهاكات جسدية ونفسية وأجبرن على الزواج، واعتناق دين آخر، والعمل القسري. وهُدِّدنَ بالجلد والضرب والقتل. كذلك دُرِّبَ البعض للمشاركة في العمليات القتالية، أو القيام بتفجيرات انتحارية.
وفي حديث إلى "الأخبار"، أكّدت مستشارة "بناء السلام" لدى منظمة "إنترناشونال أليرت" في نيجيريا، كيمايرس توغود، واختصاصية "حماية الطفل" في "يونيسف"، راشيل هارفي، أن المنظمتين واجهتا "تحديات للعثور على فتيات ونساء على استعداد لمشاركة قصصهن، نظراً إلى حساسية الموضوع". لذلك اختيرَت الناجيات "بدقة، ووفق استعدادهن الذهني والنفسي، وتحدثن مع فريق من الباحثين المحليين حتى يشعرن بالراحة مع أشخاص يفهمون ثقافتهن ويتحدثون لغتهن".
تؤكّد معظم الفتيات أن الحكومة النيجيرية لم توفّر لهن الحماية الكافية، ولم تقدم لهنّ دعماً فعّالاً، ولا رعاية ذهنية وصحية ونفسية، ولم تضمن لهنّ عودة آمنة إلى المدارس، ولم تساعدهن على الانخراط في المجتمع مجدداً، ولم تفتح تحقيقاً لتحاسب المسؤولين عن الانتهاكات التي تعرضن لها.

كثير من النيجيريين ينظرون إلى الناجيات على أنهن يشكلن تهديداً مباشراً

الانتحاريات

"كلا، أخشى أنني لن أقبل بها"، يقول أحد أقارب فتاة هربت من "بوكو حرام". ففي المجتمعات النيجيرية المحافظة يشار إلى الفتيات والنساء الناجيات باسم "زوجات بوكو حرام"، أو "دم بوكو حرام"، أو "أنوبا" (الوباء).
فبسبب المعايير الأخلاقية والثقافية، ينظر المجتمع إلى الناجيات بنوع من "الريبة والشك" النابع من خوف من أنه قد جرى تجنيدهن، وتعليمهن التطرف، من قبل "بوكو حرام"، وأنهن سيحاولن إقناع الآخرين بالتطرف للانضمام إلى التنظيم.
ويشير التقرير إلى أن الكثير من النيجيريين ينظرون إلى الناجيات على أنهن "تهديد مباشر"، خاصةً أن "بوكو حرام" زاد من استخدام الانتحاريات في جميع أنحاء نيجيريا، ما عزز الاعتقاد على نطاق واسع بأن النساء والفتيات اللواتي تعاملن مع الجماعة (سواء بالقوة أو طوعاً) يُسهمن في انعدام الأمن العام في المجتمع.
ويستخدم "بوكو حرام" الترهيب والاستعباد الجنسي لاستمالة المجندات القاصرات، وتقوم الجماعة بمحو أي إحساس بالهوية. على سبيل المثال، عندما هاجم "بوكو حرام" لميشيكا، وهي بلدة صغيرة في شمال شرق نيجيريا، وُضعت كل الفتيات في الشاحنات، وقِيل لهن إنه سيجري تغيير أسمائهن. وأعقب ذلك قيام الجماعة بتدمير المختطفات نفسياً وجسدياً، قبل إقناعهن بأن ما سيقمن به هو لمصلحتهن. ويأمل المتشددون ألّا يمر وقت طويل قبل أن تُطلَق المختطفات ليصبحن قنابل بشرية إبّان عودتهن إلى بلداتهن.

الحوامل

ولعلّ المشكلة الأكبر تتمثل في أن ضحايا العنف الجنسي، اللواتي يعدن حوامل، يواجهن العنصرية والكراهية من قبل عوائلهن، لأنهن، بحسب مجتمعاتهن المحافظة، "يحملن في أحشائهن دماً فاسداً". وبدل أن توفر الحكومة والمجتمع الدعم الذي تحتاجه الفتيات والنساء اللواتي، وفق الخبراء، تعرضن لصدمة نفسية قوية، بداية عند الاختطاف، وتالياً عند الاغتصاب، تعاني الناجيات من صدمات نفسية متتالية من محيطهن، إذ يتعرضن للتهميش والنبذ، ويرفض المجتمع الاعتراف بجنينهن المصنّف "نصف إرهابي".
مصطفى، البالغ من العمر ثمانية أشهر فقط، لم يرتكب أي جرم، ولا يفهم بعد الدين أوالسياسة، إلا أن المجتمع يتعامل معه كطفل إرهابي يمثّل الجيل الجديد من مقاتلي "بوكو حرام".
"طفل الثعبان، ثعبان"، يقول أحد المحليين. "أطفال مقاتلي بوكو حرام هم كالضباع بين الكلاب... لا شك أنهم، مثل آبائهم، سيصبحون كالضباع التي تأكل الأبرياء من حولها".
حتى أنّ بعض الأمهات يشعرن بالأمر نفسه. تقول إحدى الناجيات: "في البداية لم أكن أريد الجنين، ولكن عندما أُنقذنا قررت أن أُبقي على الحمل... عندما أفكر في الطفل الذي سيأتي أسأل نفسي دائماً: هل سيتصرف الطفل أيضاً مثل بوكو حرام؟".

بحث عن حلول

على الرغم من كل ما تقدّم، إلا أنّ راشيل هارفي، وكيمايرس توغود، تتحدثان عن تعاون من الحكومة والمحليين، وكذلك من رجال الدين النيجيريين، مع الباحثين، بسبب أنهم جميعاً "يريدون إيجاد حل لوصمة العار التي تلاحق الناجيات وأطفالهن".
تضيف الباحثتان: "قمنا بفتح باب النقاش على المستوى المحلي، وشارك العديد من ممثلي الحكومة ورجال الدين في حلقات الحوار، ويساعدنا رأيهم على توعية وإقناع باقي أفراد المجتمع للتخلي عن الأفكار والمفاهيم الخاطئة حول الناجيات من العنف الجنسي".
تقدم المنظمتان سلسلة من التوصيات التي ستساعد على إعادة انخراط الناجيات وأطفالهن في المجتمع. فيدعو التقرير الحكومة والمنظمات غير الحكومية إلى توفير الدعم الطبي والنفسي والاجتماعي والحماية للنساء والفتيات العائدات إلى ديارهن، ومساعدتهن على التغلب على وصمة العار، والقيام بحملات توعية في المجتمعات المحلية والمضيفة، حول المصاعب التي واجهت الناجيات، وضرورة التعامل معهم كأبرياء، لا كإرهابيين.
أمّا في ما يخص الأطفال، فتشير الباحثتان إلى الحاجة لبرامج خاصة تساعد الطفل على كسب حس الانتماء، والتأقلم في مجتمع تُُستمد هوية الفرد فيه من النسب الأبوي.