لا تزال روسيا «على أجندة الجهاديين»، وفق ما تشرح لـ«الأخبار» مديرة ملف شمال القوقاز في «مجموعة الأزمات الدولية»، كاترينا سوكيريانسكايا، التي توضح أن المحليين من بين هؤلاء تأثروا «حديثاً» بأفكار تنظيم «داعش». وقد برزت تلك «الأجندة» بعد مرحلة كان التهديد الأمني الحقيقي في داخل روسيا يكاد ينحصر بالجماعات الإسلامية المحلية في شمال القوقاز، أبرزها «إمارة القوقاز».
في الأساس، إن «الإسلام التقليدي» في تلك المنطقة هو ذو طابع صوفي، لكن شكلت بعض الجمهوريات القوقازية أرضاً خصبة، فتلقف شبابها التطرّف بسهولة نتيجة العوامل الاقتصادية والاجتماعية السيئة، وتداخلها مع معطياتٍ خارجية، والفوضى التي كانت قائمة أصلاً بسبب النزاع الانفصالي في جمهورية الشيشان، وفق ما يقول لـ«الأخبار» المتخصص بالنزاعات المعاصرة، نيل ملفن.
الرابط المباشر بين «داعش» و«الجماعات المحلية» غير واضح

«وتأثر بعض أبناء تلك المنطقة بالعقيدة الوهابية»، خصوصاً أن عدداً منهم هاجر إلى «الشرق الأوسط»، وفق ملفن. وارتفعت وتيرة الصراع في شمال القوقاز بعد ذلك، فتحول إلى نزاع داخلي، تحديداً في داغستان، بين الإسلام التقليدي الصوفي في المنطقة والحركات ذات الخلفية الوهابية أو السلفية الصاعدة. وبرز في تلك المنطقة انتشار بعض المؤسسات الإسلامية الممولة خارجياً، فيما يضيف نيل ملفن أن «هناك أدلة تشير إلى تمويل خارجي لهذه الجماعات».
وفي هذا الصدد، تشير الباحثة المتخصصة، دوميتيلا ساغراموسو، إلى أن «العديد من تلك المؤسسات كان لها توجهات سلفية أو وهابية واضحة، مثل مؤسسة الحرمين التمويلية، والمؤسسة الخيرية الإسلامية، ومنظمة الخلاص الإسلامية، وقدمت تلك المؤسسات دعماً للجماعات السلفية المحلية، خصوصاً في الشيشان وداغستان».

تطرف جديد... باسم «داعش»؟

على مدى الأعوام الماضية، بقيت روسيا في حرب مستمرة ضد تلك الجماعات بغية وضع حد لها، وتمكنت من إضعافها بصورة أو بأخرى، «خصوصاً خلال العامين الأخيرين بعدما نجحت قوات الأمن بخفض العمليات القتالية في المنطقة»، وفق ما تقول كاترينا سوكيريانسكايا. لكن الباحثة تستدرك قائلة إنه على الرغم من ذلك، بقيت «تلك الجماعات قادرة على القيام بعمليات إرهابية»، تحت «عنوان» جديد، هو «داعش».
وقد يأتي ذلك نتيجة عدة تطورات مهمّة وقعت خلال العامين الأخيرين، إثر تمكن روسيا «من القضاء على قادة تنظيم إمارة القوقاز»، كما يوضح نيل ملفن، بالتوازي مع «صعود داعش في الشرق الأوسط»، الأمر الذي أظهر مؤشرات على «تغير إيديولوجي» ضمن مفاهيم الجماعات الموجودة أساساً في شمال القوقاز. ومن بين عناصر تلك المجموعات من سافر إلى «الشرق الأوسط للانضمام إلى داعش»، فيما أعلن آخرون «ولاءهم للتنظيم في المنطقة»، وفق ملفن.
وبالفعل، ففي عام 2014، أعلن قياديان من تنظيم «إمارة القوقاز» في داغستان مبايعتهما لـ«داعش». وفي عام 2015، أعلن أحد «القادة الشيشان، أصلان بيوتكاييف، ولاءه لداعش، بالإضافة إلى خمسة أئمة داغستانيين»، وفق تقرير لمركز «كارنيغي» في موسكو، أعده مدير ملف الأمن والمجتمع والدين، ألكسي مالاشينكو. ووفق التقرير، «أعلن المتحدث باسم (داعش)، أبو محمد العدناني، في بداية الصيف الماضي، تأسيس فرع منفصل للتنظيم في شمال القوقاز»، تحت اسم «ولاية القوقاز».
وفي العام الجاري، تركزت عمليات التنظيم في جمهورية داغستان. وفي شهر آذار، تبنى فرع التنظيم في شمال القوقاز عمليتين على الأقلّ، لكن السلطات الروسية لم تؤكد مسؤولية «داعش» عنهما. وهدّد «ولاية القوقاز» عبر شريط مصور بتنفيذ هجمات إرهابية في روسيا. لكن حتى الآن، لا تزال العمليات التي يتبناها «داعش» في شمال القوقاز، تحديداً في داغستان، محدودة، ولم تنجح بأن تحوّل المنطقة إلى ساحة فوضى، فما السبب وراء ذلك؟
يلفت نيل ملفن إلى أن «الرابط المباشر» بين «داعش» ومجمل الجماعات الموجودة في شمال القوقاز غير واضح حتى الآن، مستدركاً بأن روسيا، عبر قيامها بعملية عسكرية في سوريا، كان من بين أهدافها اتخاذ «إجراء وقائي»، فيما كانت تواصل بالتوازي تنفيذ عمليات داخلية لمكافحة الإرهاب.
ويبدو أن تلك «الحرب الوقائية»، بشقيها الخارجي والداخلي، قد أسهمت كثيراً في منع تمدد التنظيم في روسيا، ما قد يفسر أسباب إخفاق «الفرع» المفترض لـ«داعش» في شمال القوقاز في أن يشكل تهديداً حقيقياً لروسيا.
وقد يفتح هذا الواقع على استكمال روسيا لمواجهتها الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، بفعل تأكيد المجريات أنّ الخطر الأكثر أهمية بالنسبة إليها قد يكمن في أولئك الإرهابيين المحليين الذين قرروا التوجه إلى الشرق الأوسط، والذين يقاتل معظمهم مع «داعش»، فيما انضم قسم آخر إلى «جبهة النصرة». وتشير كاترينا سوكيريانسكايا إلى «وجود نحو 5 آلاف مقاتل روسي في سوريا».
عموماً، تبقى تلك المنطقة هشة بوجه التهديدات الأمنية في ظلّ الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي ترزح تحتها، ما يجعل شبابها عرضةً للتطرف، وفق كاترينا سوكيريانسكايا، وهي حالة يعززها تاريخ التوتر القديم. يضاف إلى ذلك، الموقع الجغرافي لشمال القوقاز، التي يحدّها جنوباً جورجيا وأذربيجان، أي منطقة القوقاز التي لا تزال تعاني من نزاعاتٍ طويلة الأمد.