11.5 مليون وثيقة جديدة تكشف تهريب ثروات شخصيات عالمية بارزة، بينهم على الصعيد العربي الملك السعودي سلمان ورئيس الإمارات خليفة بن زايد، إلى باناما باعتبارها ملاذاً ضريبياً. 106 وسائل إعلامية في 76 بلداً نشرت مساء أمس الوثائق، في عملية نسقها "الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين"، فيما وصفت عمليات التسريب بالأضخم في تاريخ الصحافة، وبأنها تمثّل اختراقاً مذهلاً لعالم أموال "الأوفشور" (في الخارج) والجنات الضريبية.
وللحصول على تلك الوثائق، جرى اختراق بيانات مكتب "موساك فونسيكا" في باناما، الذي كان يختص بين عامي 1977 و2015، بأعمال توطين شركات "الأوفشور" (شركات تقام في بلاد خارج أطرها القضائية)، وهي عمليات هدفها إخفاء أصول وأموال، وتعمل كذلك في مجال إدارة الثروات. ولدى "موساك فونسيكا" فروع عدة حول العالم، حيث يقوم شركاء تابعون لها باستقطاب الزبائن الذين يُمنحون الحق باستخدام اسمها. ويعد "موساك فورينسكا" رابع أكبر مكتب يقدّم خدمات توطين شركات "الأوفشور"، إذ عمل لحساب أكثر من ثلاثمئة ألف شركة.
وتظهر الوثائق المسرّبة أن لـ"موساك فورينسكا" دوراً محورياً في إدارة عمليات تبييض أموال، وإخفاء أملاك لا يريد صاحبها أن يكشفها، ورشى، وتجارة أسلحة ومخدرات، والاحتيال المالي، والتهرّب من الضرائب، وحتى الإتجار بالأشخاص، وتلك الأعمال كلها تعود إلى العديد من الزعماء، والسياسيين، وأصحاب الأعمال والمشاهير.
وقال مدير "الاتحاد الدولي للمحققين الصحافيين"، جيرارد رايلي، إنّ "الوثائق تغطي الأعمال اليومية في شركة موساك فونسيكا خلال الأربعين عاماً الماضية"، مضيفاً: "أعتقد أن التسريب قد يصبح أكبر لطمة يتلقاها عالم (الأنشطة) في الخارج (الأوفشور) بسبب حجم الوثائق"، وذلك وفق ما نقلت "بي بي سي" التي كانت من بين المؤسسات الإعلامية التي عكفت على تحليل الوثائق، والتي أوضحت أنها "لا تعرف هوية المصدر الذي سرّبها".
وعن الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، فقد ارتبط اسمه بقرضين استدانتهما شركتان (فيرس ديفيلوبمنت كورب وإنرو)، تملك أسهماً فيهما شركة "لوكسمبورغ كومباني سافاسون كورب" والتي يحظى فيها سلمان بمركز معين. قرض "فيرس" كان بمبلغ 26 مليون دولار، أما "إنرو" فكان بحوالى 8 مليارات دولار. وصرف القرضان لشراء منازل فاخرة في وسط لندن. وفيما لم تتضح علاقة سلمان المباشرة بالقرضين، إلّا أنه جرى وفق الوثائق تحديد أنهما "يتعلقان" به وبأملاكه. كما كشفت التسريبات عن وجود يخت مسجّل في لندن باسم شركة في الجزر البريطانية العذراء، وذكر أن "المستخدم الأساسي" لها هو سلمان.
أما عن رئيس دولة الإمارات، فتبيّن أنه كان المالك المستفيد لـ30 شركة، على الأقل، أنشئت في الجزر البريطانية العذراء من قبل "موساك فونيسكا"، والتي كان من خلالها يمتلك عقارات سكنية وتجارية في المناطق الثرية في لندن، مثل "كينسينغتون" و"مايفار"، والتي تقدر بقيمة 1.7 مليار دولار على الأقل.
وموّل خليفة بن زايد عملية الاستحواذ على تلك الممتلكات من خلال قروض من فرع "مصرف أبو ظبي الوطني" (National Bank of Abu Dhabi) في لندن، والمصرف الملكي السكوتلندي (Royal Bank of Scotland). وحتى عام 2007، قامت "موساك فونسيكا"، بتأمين شركات تعمل في الإدارة أو المساهمة في شركات بن زايد في الجزر البريطانية العذراء. ومنذ كانون الأول 2015، كانت كل أسهم هذه الشركات، تقريباً، مملوكة من قبل "موساك فونسيكا"، بواسطة "هياكل ثقة"، ولكن المستفيد الحقيقي بقي رئيس دولة الإمارات، وأيضاً زوجته وابنه وابنته. وفي عام 2011، كتبت "موساك فونسيكا" أن الشركة القانونية التي تتولى أعمال آل نهيان كانت "تتلكأ عادة" في تأمين معلومات عن هويته.
وعن الشخصيات العربية الأخرى المرتبطة مباشرة بعمليات التهرب، تبيّن حتى مساء أمس، أنّ من بينهم أمير قطر السابق حمد بن خليفة، ورئيس وزرائه حمد بن جاسم، ورئيس الوزراء العراقي الأسبق، إياد علاوي، ورئيس الوزراء الأردني الأسبق، علي أبو الراغب (2001 ــ 2003)، ورئيس السودان الأسبق، أحمد الميرغني (1986 ــ 1989). أما من بين أهم الشخصيات الدولية التي تبين ارتباطها بصورة مباشرة، فكان لافتاً أنّ من بينهم رئيسي الأرجتنين وأوكرانيا الحاليين، ماوريسيو ماكري، وبترو بوروشنكو، واللذين يعتبران راهناً من أبرز حلفاء الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية وشرق أوروبا.
كذلك، تلفت وثائق البيانات المسربة الى أنّ شركات سرية في الخارج (أوفشور) مرتبطة بعائلات ومقربين من الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، والزعيم الليبي الراحل، العقيد معمر القذافي، والملك المغربي، محمد السادس، والرئيس السوري، بشار الأسد.
وتحدثت الوثائق عن شبكة معقدة من الشركات والصفقات، تداولت مبلغاً بحوالى ملياري دولار، وهي مرتبطة بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عبر أصدقاء وشركاء، من بينهم شركات باسم صديق بوتين، عازف التشيلو الشهير، سيرغي رولدوغن، الذي كسب مئات ملايين الدولارات من صفقات مشبوهة. كما هيمنت شركات مسجلة باسمه على أكبر شركة لصناعة الشاحنات وجزء كبير من قطاع الإعلانات التلفزيونية الروسية. لكن تقول الوثائق إن شركات رولدوغن ليست إلّا غطاءً لإخفاء المالك والمستفيد النهائي.
وأشارت الوثائق إلى أن "الشبكة ذات التعقيد الشديد، نفذت صفقات موّهت الدفعات فيها بأشكال مختلفة". وأوضحت أنه "في الشركات الداخلة ضمن الشبكة، تنتقل الأسهم في ما بينها ذهاباً وإياباً في اليوم واحد، وتباع حقوق قروض بملايين الدولارات بين شركات في بلاد مختلفة مقابل دولار واحد".
(الأخبار)