في التاسع عشر من الشهر الجاري، نظّمت «مجموعة الاستبصار الاستراتيجي» (Strategic Foresight Group) وجامعة «MEF» التركية، بالتعاون مع «الوكالة السويدية الدولية للتنمية والتعاون»، مؤتمراً في مدينة إسطنبول تحت عنوان «النساء والمياه والسلام». المؤتمر، الذي كان جزءاً من استمرار مبادرة «السلام الأزرق في الشرق الأوسط»، التي أطلقتها المجموعة عام 2011 بدعم سويسري وسويدي، لتشجيع دول الشرق الأوسط على التعاون لإدارة مواردها المائية المشتركة من خلال تحويل المياه من مصدر للنزاع إلى أداة للسلام، ليس الأول من نوعه. إذ سبق للمجموعة أن نظمت جلسات نقاشية عدة مرتبطة بأزمة المياه في الشرق الأوسط، مع تنامي النزاعات في الدول المعنية، المنهكة أصلاً على الصعيدين المجتمعي والاقتصادي جراء التغيرات المناخية والديموغرافية الطارئة عليها خلال العقد الأخير. هذا العام، كان التمثيل النسوي جلياً وطاغياً. شخصيات سياسية، وقيادات فكرية، وخبراء أكاديميون، إلى جانب عدد من الإعلاميين من الأردن، العراق، لبنان، تركيا والسويد حضروا المؤتمر، وكان الجزء الأكبر منهم نساءً رائدات في مجالات عدة.
وخلافاً لما سبق، تركز الاهتمام في المؤتمر حول المنظور الجنساني لجهة حصر دور واضعي السياسات المائية في المنطقة بالرجال، إذ إن النساء، «بوصفهن مسؤولات على مستوى الأسرة المعيشية»، وخصوصاً في فترة النزاعات الأخيرة التي شهد فيها العالم العربي أزمة نزوح متفاقمة، إلى جانب سيطرة تنظيم «داعش» على مصادر الطاقة، يتحملن وحدهن عبء جلب المياه، على ما تشرح العضو في لجنة «المرأة والأسرة والطفولة» البرلمانية العراقية، بهار عيسى (عن الحزب الديموقراطي الكردستاني). والحديث هنا، وفق عيسى، يطاول بنحو رئيسي النساء في خيم اللجوء، اللواتي دفعهن واقع النزوح إلى توفير العلاج والرعاية والتعليم والتربية والغذاء لأطفالهن في المخيمات.
وفي هذا الإطار، توضحت خلال المؤتمر، بالاستناد إلى عينات وقصص واقعية نقلها بعض المشاركين، طبيعة الأعباء المترتبة على المرأة العراقية، النازحة على وجه الخصوص، التي أجبرتها الظروف القسرية، وأبرزها غياب الزوج، على ممارسة مهمات منهكة، في سبيل الإبقاء على حيوات أبنائها.
المشاركون سلطوا الضوء أيضاً على التهميش الذي تتعرض له النساء على مرأى منظمات المجتمع المدني العاملة مع اللاجئين، في إطار عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بترشيد استخدام المياه في المخيمات. فقد أصبح معروفاً أن لكل مخيم «شاويش»، والأخير ليس إلا رجلاً نصّب نفسه ربّ الأسر المنضوية في المخيم، والمتحدث الرسمي باسمهم أمام المنظمات الدولية، حتى أنه يجبر نساء المخيم على السير مسافات تتعدى ثمانية كيلومترات أحياناً، لجلب المياه، وفق إحدى المشاركات في المؤتمر. تضيف الأخيرة أن نساء المخيم، حتى وإن كانت لديهن قدرة على تفعيل الخطط للإسهام في ترشيد استهلاك المياه الملوثة أصلاً، يكتفين بطاعة «أوامر الشاويش»، وهذا ما «يجب على المجتمع الدولي أن يلتفت إليه لمنعه».

السياسة الخارجية النسوية السويدية أنموذجاً للسلام

في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، وفي إطار «مساندتها لحقوق النساء والمساواة الجندرية في الشرق الأوسط»، تطرقت منظمة «سيدا» السويدية، ممثلة بكبيرة مستشاري الجندرة فيها، أولريكا هولمستروم، إلى النظام الحكومي السويدي الذي يعتمد على التمثيل النسوي البرلماني، إذ إن تمثيل النساء في «الريكسداغ» (البرلمان السويدي) بعد انتخابات عام 2010 يشكل 45% من أعضائه. هولمستروم أشارت إلى أن السويد، وسعياً منها «لتحقيق المساواة بين الجنسين»، أطلقت السياسة الخارجية النسوية لأحقية المرأة، أسوةً بالرجل، في الحقوق والتمثيل والموارد. وأسهبت في الحديث عن حق المرأة في المشاركة الحقيقية في صنع السياسات واتفاقات السلام. فالمرأة «يجب أن تكون ممثلة بطريقة شاملة في مفاوضات السلام، بالنظر إلى الروابط القوية بين السلام وإشراك المرأة المستدام»، باعتبار أنّ «زيادة تمثيلها في الحكم أمر حيوي، والنجاحات التي حققها الريكسداغ دليل على ذلك». وخلصت هولمستروم إلى أن الدول الطامحة إلى تحقيق مزيد من الحقوق والتمثيل النسوي في قطاعاتها الحيوية، عليها أن تمنح النساء مزيداً من الفرص لانخراطهن في إدارة الموارد.

المرأة في «مفاوضات السلام»

لم يتوانَ المشاركون في المؤتمر عن التشديد على ضرورة إشراك المرأة في «مفاوضات السلام»، لكونها جزءاً أساسياً من العملية الانتقالية في مرحلة النزاع وما بعده. في الجلسة اللاحقة، رأى أحد أعضاء اللجنة أن «المرأة عندما تتفاوض، فإنها تركز على بناء العلاقات والثقة»، ولهذا السبب يلاحظ أن «اتفاقات السلام هي أكثر استدامة عندما يجري إشراكها». ولفت إلى أن «تغيير سياسة المخاوف السائدة بين الجنسين على المستوى الدولي، يحتاج إلى قبول ثقافي على المستويات المحلية». وهذا القبول منوط بتطوير نظام التعليم في الدول المعنية أولاً. لعل أبرز الأمثلة، التي تدعم ما سبق، هي الصورة الإيجابية التي خلقتها إحدى الوزارات على المستوى الدولي، عندما عيّنت 68٪ من النساء العاملات فيها مسؤولات بيروقراطيات. وفي المحصلة، «تبين أن فرص نجاح المفاوضات أصبحت أعلى».
ختام اللقاء تناول الشق الأكثر أهمية وتأثيراً في اللاوعي الجماهيري لدى المجتمعات التي ما زالت ترى في المرأة الإعلامية أو الصحافية «ضحية». وفي الجلسة الأخيرة من المؤتمر، قالت مستشارة رئيس تلفزيون «الرؤيا» الأردني، هلا زريقات: إن وسائل الإعلام يمكنها أن تلعب دوراً هاماً في «تعميم مراعاة المنظور الجندري». المتحدثون في الجلسة أجمعوا على أن محتوى التقارير الإعلامية، على اختلاف القضايا المتناولة، «يجب أن تحوي قصصاً إيجابية تصور المرأة، بدلاً من التركيز على القصص المأسوية التي تضع المرأة تلقائياً في خانة الضعف. ومن شأن ذلك تبديل الصورة النمطية للمرأة الإعلامية في العالم العربي على وجه الخصوص. وخلص المؤتمر إلى ضرورة كسر الحواجز التي تمنع النساء من الانخراط في عملية صنع القرار داخل مختلف المؤسسات الإعلامية، أملاً في تحقيق تكافؤ الفرص بين الجنسين.



أطلقت «مجموعة الاستبصار الاستراتيجي» هذا العام كتابها الثالث ضمن سلسلة أعدتها عنت أزمة البقاء على قيد الحياة في الشرق الأوسط بعنوان «النساء والمياه والسلام»، بعدما أصدرت عام 2014 كتابيها الأول والثاني لتوضيح العلاقة بين المياه، العنف، النزوح، الجفاف والنساء.

http://www.strategicforesight.com/publication_pdf/80738water-waomen-peace-web.pdf