بعد ساعة تقريباً من التفجير الانتحاري الذي استهدف قافلة عسكرية في أنقرة أمس، سرّبت «مصادر أمنية» معلومات عن الانتماء التنظيمي للانتحاري، ليقول رئيس الوزراء، أحمد داوُد أوغلو، إنه «مواطن سوري اسمه صالح نصار، من مواليد عام 1992، في مدينة عامودا، شرقي سوريا، ودخل تركيا عام 2014 كلاجئ، وهو من عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري، وقام بالعملية بالتنسيق والتعاون مع 14 من عناصر حزب العمال الكردستاني التركي، تم اعتقالهم».
واعتبر داوُد أوغلو هذه المعلومة «كافية لإثبات العلاقة العضوية بين الحزبين الإرهابيين» المذكورين؛ وهو ما أكد عليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد ساعة من كلام رئيس وزرائه، حيث قال خلال زيارته لمقر رئاسة الأركان، المجاور لمكان التفجير، إن «على العالم، وخاصة حلفاءنا، أن يعوا هذه الحقيقة». ولكن، خلافاً لرئيسه، لم يكتفِ داوُد أوغلو بتقديم «الإثبات» هذا، بل ذهب إلى القول بشكل حاسم إن «النظام السوري وروسيا الإرهابية والحلفاء في الحلف الأطلسي، وخاصة أميركا، مسؤولون بشكل مباشر وغير مباشر عن هذه العملية الإرهابية التي أثبتت علاقة النظام (السوري) بالاتحاد الديمقراطي الكردستاني، وهو ما اعترف به مندوب سوريا في الامم المتحدة»، مؤكداً على ما اعتبره حق حكومته «الرد على هذا العمل الإرهابي والمسؤولين عنه، في الوقت والمكان المناسبين»، وذلك فيما أفادت «معلومات» سرّبتها مصادر أمنية للإعلاميين المقرّبين من الحكومة، وتم تسويقها للرأي العام التركي، أن «عائلة الانتحاري على علاقة وطيدة مع مخابرات الأمن العسكري السوري».
أثار الكشف الفوريّ عن هويّة الانتحاري عاصفة من التساؤلات

لكن الرد على أقوال الرئيس التركي ورئيس وزرائه جاء سريعاً على لسان زعيم «الاتحاد الديمقراطي»، صالح مسلم، الذي نفى أي علاقة لحزبه بالعملية، قائلاً إنه «لم يسمع» حتى بمنفّذها الانتحاري، وذلك فيما أثارت المعلومات المتضاربة حول هوية الانتحاري، ودعوى الكشف عن هويته بهذه السرعة الفائقة، موجة من التساؤلات في الأوساط السياسية والإعلامية، التي استغربت معرفة السلطات الأمنية هوية الانتحاري، من دون أن تفعل أي شيء لمنعه من تنفيذ التفجير في منطقة أمنية هي الأشد حساسية في العاصمة، حيث تضم البرلمان ومقر هيئة الأركان. وعقد آران اردام، عضو البرلمان عن أكبر أحزاب المعارضة التركية، حزب الشعب الجمهوري، مؤتمراً صحافياً قال فيه إن أجهزة الاستخبارات المحلية كانت على علم مسبق بهذه العملية الإرهابية، وعلاقة داعش (تنظيم «الدولة الإسلامية») أو عناصر الاتحاد الديمقراطي بها، إلا أن أجهزة الأمن لم تتخذ التدابير اللازمة لمنع الارهابيين من تنفيذ مخططاتهم.
كذلك أشار العديد من المعلقين إلى النقاش الذي شهدته تركيا إثر العملية الانتحارية التي وقعت في 10 تشرين الأول الماضي في أنقرة، وأدت إلى مقتل 108 من المواطنين، حيث قال هؤلاء إن المسؤولين حمّلوا «كوكتيل» من المتهمين مسؤولية العملية، فيما كان الجميع يعرف أن من قام بها فعلاً هم عناصر من داعش، وأن المخابرات كانت على علم مسبق بهوية الانتحاريين، لأن والد أحد هؤلاء الأخيرين أبلغ أجهزة الأمن مسبقاً بعلاقة ولده بداعش، حيث سبق أن نفّذ آخر من أبنائه عملية انتحارية مماثلة في مدينة سروج، في 20 تموز الماضي.
وكان الإعلام الموالي لأردوغان قد اتهم النظام السوري وروسيا وإيران وحزب العمال الكردستاني، وأحياناً الموساد، بـ«التعاون والتنسيق المشترك للقيام بالعملية الانتحارية» التي اضطر المسؤولون الأتراك إلى الاعتراف بهوية منفذيها بعد يوم واحد فقط على حصولها، فيما أعلنت أجهزة الأمن هوية منفذ التفجير الانتحاري الأخير في اسطنبول بعد ساعة واحدة فقط على حصوله، على الرغم من تمزق جسده بالكامل، ليبقى منه فقط إصبع واحد، كان كافياً لإثبات هويته السورية، والإعلان عن اسمه وتاريخ دخوله الأراضي التركية، وتفاصيل أخرى!
وشكّك العديد من الأوساط الإعلامية والسياسية، في تصريحات وتعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي، في مصداقية التصريحات الرسمية في هذا الشأن، قائلين إن ما تسعى إليه الحكومة التركية هو «إقناع واشنطن بأن وحدات حماية الشعب تنظيم إرهابي، وأن من حق أنقرة ضرب هذه الوحدات في سوريا، ومنعها من إقامة أي كيان كردي مستقل، بما ينعكس سلباً على الأمن القومي التركي، باعتبار أن هذه الوحدات هي جزء من حزب العمال الكردستاني التركي الإرهابي».
كذلك تريد أنقرة لهذه التطورات التي أتت في توقيت حرج، أن تدعم موقفها من سوريا في مفاوضات جنيف، بعد أن خذلتها واشنطن والعواصم الغربية التي أعلنت رسمياً، وأكثر من مرة، أنها ترى في وحدات حماية الشعب الكردية حليفاً استراتيجياً لها في حربها المزعومة ضد داعش، في الوقت الذي تقول فيه أنقرة «إن هذه الوحدات، ومن خلال دعم واشنطن وروسيا والنظام السوري لها، تسعى للوصول الى البحر الأبيض المتوسط عبر حكم ذاتي، ولاحقاً كيان فدرالي، يمتد مسافة 900 كيلومتر، من القامشلي حتى جبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي».
وفي الوقت نفسه، تذكّر أحزاب المعارضة بمساعي الحكومة، خلال السنوات الأربع الاخيرة، لإقناع حزب الاتحاد الديمقراطي بالتمرد على دمشق، مقابل وعود بتلبية جميع مطالبه بإقامة حكم ذاتي أو كيان فدرالي في سوريا. وقالت المعارضة إن أردوغان وداود أوغلو قد استضافا زعيم الحزب صالح مسلم أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة، كذلك التقاه داوُد أوغلو في أربيل، ورافقه آنذاك رئيس «المجلس الوطني» السوري المعارض أحمد سيدا، وغسان هيتو، رئيس ما يُسمى الحكومة السورية المؤقتة، وهما كرديان. واعتبرت أوساط المعارضة رفض مسلم التمرد على دمشق سبباً رئيسياً في التوتر القائم بين الحزب وأنقرة. وجاء الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب في عين العرب، ولاحقاً في عموم المنطقة ذات الغالبية الكردية في شمالي سوريا، ليثير الكثير من التساؤلات والقلق لدى المسؤولين الأتراك، الذين يواجهون خطر الحرب الأهلية المفتوحة في جنوبي شرقي البلاد، ذات الغالبية الكردية، حيث تشنّ القوات التركية حملة عسكرية «لاجتثاث» حزب العمال الكردستاني، كما يواجهون مخاطر الفشل الذريع في سوريا، وبشكل خاص في الريف الشمالي للاذقية وحلب، ولاحقاً إدلب وأعزاز، حيث المجموعات الإرهابية الموالية لتركيا.