أعلنت وزارة الدفاع الروسية، الأربعاء، أن قواتها استولت على قريتين إضافيتين في أجزاء مختلفة من شرق أوكرانيا، إحداهما تقع على بعد كيلومترات فقط من مدينة باكروفسك، المركز اللوجستي والاقتصادي البالغ الأهمية بالنسبة إلى أوكرانيا. وجاء ذلك بعدما نشر زيلينسكي، أخيراً، «خطة نصر»، لا تختلف كثيراً عن تلك التي طرحها في عام 2022، وتهدف، هذه المرة، إلى محاولة «إحياء» زخم واشنطن وحلفاء كييف الأوروبيين، وتُعدّ، طبقاً لمراقبين، مؤشراً واضحاً إلى أنّ أوكرانيا باتت مستنزفة إلى حدّ كبير، بل قد تكون حتى قاب قوسين وأدنى من «خسارة» الحرب. وتشمل هذه الخطة خمس نقاط أساسية، أبرزها انضمام أوكرانيا إلى «الناتو»، وإرسال المزيد من الأسلحة سريعاً مع رفع القيود المفروضة عليها في ما يتعلق بضرب الأراضي الروسية، وتنمية الردع من خلال نشر حزمة ردع استراتيجية شاملة غير نووية على الأراضي الأوكرانية. على أن اللافت أنّ «خطة النصر» قوبلت بصمت غربي تام، فيما وصفها «معهد كاتو» الأميركي، في تقرير، بأنها «ضرب جديد من الخيال»، معتبراً أنّ النقطة التي يجب البدء منها في تقييم تلك الخطة هي «الحقيقة الوحشية، إنما التي لا مفر منها»، حول أنّ «أوكرانيا تخسر الحرب في الوقت الحالي». ويتابع التقرير أنّ توغل القوات الأوكرانية في كورسك شكّل «لحظة نشوة عابرة»، لكنه فشل في تشتيت انتباه عدد كافٍ من القوات الروسية عن الأراضي الأوكرانية، نظراً إلى أنّ هذه القوات تواصل «التكيّف»، وتحقيق التقدم. ويردف أصحاب هذا الرأي أنّه بالنظر إلى نقاط ضعف أوكرانيا المتجذرة في ما يتعلق بالسكان والحجم الاقتصادي والقوة العسكرية، فكلما استمرت الحرب لفترة أطول، سيزداد الوضع سوءاً بالنسبة إليها، فيما لا يبدو أنّها ستنتهي «في أي وقت قريب».

وعلى الجانب الروسي، علّقت موسكو على «خطة النصر» بالإشارة إلى أنّ الأخيرة تهدف إلى دفع «الناتو» إلى الدخول في صراع مباشر مع روسيا. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، الأربعاء، إن الخطة التي وضعها زيلينسكي ستؤدي إلى كارثة للشعب الأوكراني، معتبرة أنّها ليست خطة، «بل مجموعة من الشعارات غير المتماسكة». وكان الكرملين اعتبر في وقت سابق، أنه من المبكر التعليق بالتفصيل على طرح زيلينسكي، لكنه رأى أن كييف تحتاج إلى «الاستفاقة»، وإدراك عدم جدوى السياسات التي تتمسّك بها.

قوبلت «خطة النصر» الأوكرانية بصمت غربي


وبالعودة إلى الميدان، تورد مجلة «فورين بوليسي»، في تقرير، أنّ باكروفسك، المدينة التي كان يبلغ عدد سكانها نحو 80 ألفاً، كانت هدفاً للحراك الروسي العسكري الذي بدأ في تموز، مشيرة إلى أنّ القوات الروسية تقترب ميلاً بعد ميل من المدينة يومياً. وإذ تُعتبر باكروفسك مركزاً رئيساً للوجستيات والنقل للعمليات العسكرية الأوكرانية في شرق أوكرانيا، وبوابة لغزو ما تبقّى من مقاطعة دونيتسك، وربما تحقيق أهداف أكبر، من مثل الاستيلاء على دنيبرو، رابع أكبر مدينة في أوكرانيا قبل الحرب، فإنّ سقوطها سيكون له تأثير أكثر «إيلاماً» على أوكرانيا من ناحية أخرى؛ فطبقاً للتقرير، تُعدّ المدينة مصدر معظم الفحم المستخدم في صناعة الصلب والحديد في البلاد، والتي كانت ذات يوم العمود الفقري للاقتصاد الأوكراني ولا تزال ثاني أكبر قطاع، على الرغم من انخفاض الإنتاج إلى أقل من ثلث مستوياته مقارنة بما قبل الحرب. ويُعتبر ذلك الفحم المعدني ضرورياً لإنتاج ما يُعرف بالحديد الغُفْل، الذي يغذي غالبية الأفران الفولاذية القديمة في أوكرانيا وجزءاً كبيراً من صادراتها الصناعية. كما تدفع كييف من عائدات صناعة الصلب الصحية جزءاً كبيراً من الضرائب، ما يساعد على تمويل الاقتصاد الذي أصبح، هذه الأيام، يعمل «يوماً بيوم». وتنقل المجلة عن ستانيسلاف زينتشينكو، الرئيس التنفيذي لمركز «جي إم كيه» للاستشارات الصناعية ومقره أوكرانيا، قوله إنّه «من دون مصانع الصلب، فإنّ الاقتصاد الأوكراني سيحتضر».

مساعٍ فاشلة
وفي خضمّ هذه التطورات، وعلى الرغم من أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن، أعلن، في الأيام الماضية، عن حزمة مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا بقيمة 425 مليون دولار، خلال اتصال مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قبل الاجتماع المقرّر في برلين مع قادة أوروبيين والمخصص لبحث الحرب في أوكرانيا، فإنّ مخاوف زيلينسكي في ما يتعلق بالمساعدات، تتزايد مع اقتراب الانتخابات الأميركية واحتمالية فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، فيها، ومع بدء عدد من الدول في أوروبا «تقنين» التزاماتها المالية إزاء أوكرانيا، إذ أعلن وزير الدفاع الفرنسي، سيباستيان ليكورنو، في حديث إلى المشرّعين، الإثنين، أنّ فرنسا لن تفي بتعهدها بالتبرع بما يصل إلى 3 مليارات يورو من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وأنّ تلك المساعدات ستقتصر «على حوالى ملياري دولار».
ويأتي ذلك فيما تتعرض فرنسا لضغوط لخفض عجزها، الذي قد يصل إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، بحسب صحيفة «بوليتيكو». على أنّ فرنسا ليست الدولة الوحيدة التي تواجه ضغوطاً على ميزانيتها؛ إذ يبحث صنّاع السياسة في ألمانيا، وهي أكبر مانح أوروبي للمساعدات لأوكرانيا، خفض الدعم إلى النصف، العام المقبل، وخفض الإنفاق. كما زادت زيارة زيلينسكي لمصنع ذخيرة في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة، من نقمة الجمهوريين على الرئيس الأوكراني، بعدما اعتبروا أنّ زيارته هذه تُعدّ بمثابة «تلاعب سياسي». وعلى خلفية تلك الخطوة، دعا رئيس مجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، نهاية الشهر الماضي، إلى سحب السفير الأوكراني في الولايات المتحدة، معتبراً أنّه يأمل أن يؤدي «فوز ترامب في الانتخابات القادمة إلى وضع حد للحرب» الدائرة في أوكرانيا.