بعد 5 سنوات من المفاوضات، وقّع أمس وزراء تجارة 12 دولة مطلة على المحيط الهادئ، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادئ» لإنشاء أكبر منطقة للتبادل الحر في العالم، وإطلاق يد الشركات العابرة للحدود الوطنية على نحو خطير وغير مسبوق. مشروع لم تُخفِ واشنطن أن هدفه «وضع قواعد القرن الـ21»، في مواجهة صعود الصين التي استُثنيت على نحو بارز.
الاتفاقية «تتعارض مع حقوق الإنسان» وسيادة الدول
«نتاج مفاوضات سرية تستبعد المشاركة الديموقراطية»

وتبقى الاتفاقية الموقّعة أمس في مدينة أوكلاند النيوزيلندية محاطة بالكثير من السرية، وهي لن تجد طريقها إلى التطبيق الفوري، إذ إن كل برلمان من برلمانات الدول الموقّعة، وهي أوستراليا وبروناي وكندا وتشيلي واليابان والمكسيك وماليزيا ونيوزيلندا والبيرو وسنغافورة والولايات المتحدة وفيتنام، عليه أن يصادق على نصوص الاتفاقية خلال مهلة سنتين؛ علماً بأن ثمة معارضة متزايدة للاتفاقية حتى في الكونغرس الأميركي، حيث تلقى المخاوف من آثارها السلبية على فرص العمل آذاناً صاغية في حمى الانتخابات الرئاسية.
وزعم الممثل الأميركي للتجارة، مايكل فرومان، في حفل توقيع الاتفاقية أن الأخيرة «ليست موجهة» ضد أي بلد، وأن «من المهم وجود علاقة بناءة مع الصين»، سرعان ما كذّبه بيان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قال فيه صراحة إن «الشراكة تسمح لأميركا، وليس لدول مثل الصين، بأن تكتب قواعد القرن الواحد والعشرين، ما يكتسب أهمية خاصة في منطقة حيوية كآسيا ــ المحيط الهادئ». وسعى أوباما الى تهدئة مخاوف العمال في بلاده، قائلاً إن الاتفاقية «ستعطي العمال الأميركيين فرصة النجاح التي يستحقون، وستساعد الشركات الأميركية لتنافس وتربح حول العالم». وحض أوباما الكونغرس على المصادقة على الاتفاقية «في أسرع وقت ممكن، ليتمكن اقتصادنا من الاستفادة فوراً من عشرات المليارات من الدولارات، إلى جانب فرص كبيرة للتصدير».
وقال رئيس الوزراء النيوزيلندي، جون كي، إن الاتفاقية «ستسمح بتأمين وصول أفضل إلى السلع والخدمات لأكثر من 800 مليون شخص في (الدول المعنية) التي تمثّل 36% من إجمالي الناتج العالمي». وتنص الاتفاقية على تخفيض أو إلغاء معظم الرسوم الضريبية على كل المنتجات الغذائية والمصنعة والطاقة، وتشمل أيضاً مجالات كتبادل المعلومات والملكية الفكرية، في سابقة بالنسبة إلى الاتفاقات السابقة المتعددة الأطراف.
وعبّر رئيس وزراء اليابان، شينزو آبي، عن ارتياحه لتوقيع الاتفاقية، منوهاً بأن بلاده قامت «بدور أساسي في المفاوضات مع الولايات المتحدة» لإرساء قواعد التجارة والاستثمارات الدولية التي تلحظها الاتفاقية.
في المقابل، وفيما لم تردّ بكين مباشرة على خطاب التحدي الصادر عن واشنطن، قللت وزارة التجارة الصينية من أهمية توقيع الاتفاقية المذكورة، بل أعربت عن أملها بأن «تتكامل مختلف اتفاقيات التجارة الحرة في منطقة آسيا ــ المحيط الهادئ، وأن تساهم في نمو التجارة والاستثمارات والاقتصادات» في دول المنطقة؛ وأعلنت الوزارة أن الصين «ستعمل على دفع اتفاقات التجارة الحرة ذات الدرجة العالية من الانفتاح والشفافية والشمول». ويلاحظ الكاتب وانغ جياماي، في صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية، تغييراً في خطاب بكين تجاه الاتفاقية التي تقودها الولايات المتحدة، فيذكّر بموقف الصين في حزيران عام 2013، حيث قالت إنها تدرس إمكانية انضمامها إلى الاتفاقية، بينما لم تعد تأتي على ذكر الموضوع الآن، بل باتت تشدد على أهمية التوصل إلى اتفاقات أخرى (موازية).
الكرملين: الاتفاقية تزيد الخلل في الاقتصاد العالمي

بدوره، اعتبر الكرملين، على لسان المتحدث باسمه دميتري بيسكوف، أن من السابق لأوانه إصدار تنبؤات بشأن هل ستصبح اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادئ» بديلاً لتكتلات اقتصادية قائمة، كالاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي يضم كلاً من روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا وأرمينيا وقرغيزيا. وأكد بيسكوف أن موقف بلاده من الاتفاقية السالفة الذكر لم يتغير؛ وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد أعلن في وقت سابق أن إنشاء كيانات اقتصادية مغلقة كـ«الشراكة عبر المحيط الهادئ» يؤدي إلى زيادة الخلل في الاقتصاد العالمي.
وتنقل «روسيا اليوم» عن الخبير في الأمم المتحدة في شؤون تطوير نظام عالمي ديموقراطي ومساواتي، ألفريد دي زاياس، قوله إن الاتفاقية المذكورة «تتعارض مع النظام العالمي لحقوق الإنسان»، معبراً عن قلقه البالغ من توقيع 12 دولة على الاتفاقية، «التي هي نتاج مفاوضات سرية تستبعد المشاركة الديموقراطية»، رغم «المعارضة الهائلة لها من قبل المجتمع المدني حول العالم». ويعارض دي زاياس الاتفاقية بسبب «الثغر التكوينية التي تعتريها»، داعياً إلى عدم المصادقة عليها، «إلا إذا (عُدّلت بغرض) ضمان هامش التشريع السيادي للدول».
ويوضح الخبير الأممي أن «على الاتفاقيات الدولية أن تمتثل للمبادئ الأساسية للقانون الدولي، بما يشمل الشفافية والقدرة على المحاسبة»، في إشارة إلى تضمّن الاتفاقية هيئة تحكيمية خاصة لبت النزاعات بين الشركات والدول، حيث ستُمنح الشركات العابرة للحدود الوطنية صلاحيات واسعة لتحدي الأنظمة والقوانين السيادية، بما في ذلك القرارات القضائية.

(الأخبار، أ ف ب)