فيما تتبادل موسكو وكييف الاتهامات حول مسؤولية حادثة «تفجير» سدّ «نوفا كاخوفكا»، في منطقة خيرسون جنوب أوكرانيا، تستمرّ المياه في التدفُّق من بحيرته، ممّا يتطلّب إجلاء عشرات الآلاف من المنطقة، وبدء التبليغ عن مفقودين، وذلك في ظلّ التحذيرات من «كارثة» بيئية والتساؤلات في شأن التداعيات التي سيتركها دمار السدّ على ساحة القتال وسير المعركة.وتجدر الإشارة إلى أنه، وفي اليوم الأول من انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، في شباط 2022، سيطرت موسكو على السدّ الذي يُعدّ جزءاً من «محطّة كاخوفسكايا للطاقة الكهرومائية»، نظراً إلى دوره الرئيس في توفير المياه العذبة لشبه جزيرة القرم. وإلى أن تتّضح الجهة المسؤولة عن الضرر الذي لحق بالسدّ، بدا لافتاً أن ما جرى تزامن مع تكثيف كييف عملياتها الهجومية على الجبهة الشرقية، في إطار ما يُحكى عن بدء الهجوم المضادّ. وفيما اتّهم الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، روسيا، بـ«تفجير» محطّة الطاقة الكهرومائية من الداخل، قال الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن الضرر الذي حدث كان نتيجة «تخريب متعمّد من قِبَل الجانب الأوكراني»، وهدفه، جزئيّاً، «حرمان شبه جزيرة القرم من المياه». وأضاف: «على ما يبدو، هذا التخريب جاء عقب فشل القوات المسلّحة الأوكرانية في تحقيق أهدافها حتى الآن، بعدما بدأت هجومها قبل يومَين»، علماً أنّ كييف تنفي، على رغم تكثيف هجماتها، بدء هجومها المضاد، متذرّعة بضرورة الإبقاء على سرية العمليات.
أمّا واشنطن، فقالت على لسان الناطق باسم البيت الأبيض، أمس، إن المسؤولين الأميركيين لم يتّخذوا بعد قراراً حول «ما أو مَن تسبّب» بتدمير السدّ، فيما قال الناطق باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، للصحافيين، إنّ الولايات المتّحدة «تعمل مع الأوكرانيين لجمع المزيد من المعلومات، لكن لا يمكننا، في هذه المرحلة، أن نؤكد بشكل قاطع ما حدث».

أوكرانيا «ثقبت» السدّ
من جهتها، أشارت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، إلى أنّه في إحدى المرّات، عندما كانت القوات الأوكرانية تخطّط لهجوم مضادّ في منطقة خيرسون، أجرت ضربة تجريبية باستخدام قاذفة صواريخ «هيمارس» التي وصلتها من الولايات المتحدة، لإحداث ثلاثة ثقوب في إحدى بوابات السدّ. وآنذاك، قال الجنرال العسكري الذي قاد هجوم خيرسون، أندريه كوفالتشوك، للصحيفة، إن الهدف كان معرفة ما إذا كان يمكن رفع مستوى المياه في نهر دنيبر، بما يكفي لإحباط المعابر الروسية، ولكن ليس إغراق القرى المجاورة. وفيما لفت المسؤول إلى أنّ الاختبار كان «ناجحاً»، فهو قال إنّ سلطات بلاده قرّرت «تأجيل» هذه العملية.

الإبلاغ عن مفقودين
ونقلت وكالة «تاس» الروسية للأنباء، اليوم، عن رئيس بلدية نوفا كاخوفكا، قوله، إن سبعة أشخاص على الأقل فُقدوا جرّاؤ الفياضانات. ومع استمرار منسوب المياه في الارتفاع، نقلت «واشنطن بوست» عن السلطات الأوكرانية، قولها، إنه يجب إجلاء 40 ألف شخص من منطقة خيرسون، علماً أنّه كان قد تمّ إجلاء حوالى ألف و300 شخص حتى بعد ظهر الثلاثاء.

حماية «بحيرة التبريد»
وبعد التطمينات السابقة لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» من أنّه «لا وجود لأيّ خطر مباشر» على «محطّة زاباروجيا للطاقة النووية» التي تقع شمال شرق السدّ الواقع على نهر دنيبرو، فقد أعلنت الوكالة أنّ خزان السدّ الذي تدمّر كان يوفر المياه اللازمة لعملية التبريد الضرورية للمفاعلات الستة في «محطّة زابوروجيا النووية»، إلى جانب مولدات الطوارئ التي تعمل بالديزل، والتي جرى استخدامها أكثر من مرّة، عند انقطاع التيار الكهربائي. وفي هذا السياق، أكد المدير العام للوكالة، رافاييل غروسي، في بيان صدر تعقيباً على تصدُّع سدّ كاخوفكا، إنّه «يوجد عدد من المصادر البديلة للمياه، أحدها بحيرة مياه تبريد كبيرة تقع بالقرب من موقع المحطّة»، في منطقة مرتفعة عن الخزان. وفيما توقّع غروسي أن توفّر هذه البحيرة المياه الكافية للتبريد «لبضعة أشهر»، شدّد على ضرورة أن تظلّ البحيرة سليمة، وألّا يحدث أيّ شيء من شأنه أن يضرّ بسلامتها، داعياً جميع الأطراف إلى ضمان عدم حصول ما يمكن أن يقوّض سلامتها.

«كارثة بيئية»
في مقابلة مع «واشنطن بوست»، قال المدير العام لشركة الطاقة الكهرومائية الحكومية الأوكرانية، إيهور سيروتا، إنّه من غير الممكن إصلاح السدّ، مشيراً إلى أنّه من المحتمل أن تتسرّب جميع المياه من الخزان في غضون الأيام الأربعة المقبلة. كما حذر سيروتا من الأضرار البيئية التي ستنتج عن هذه الكارثة، بعدما بدأ نحو 450 طناً من النفط بالتسرب من المحطّة إلى النهر، مؤكداً أنها «تتّجه نحو خيرسون والبحر الأسود»، وأنّ هذه تُعدّ كارثة بيئية.