تتّجه أنظار العالم نحو جنوب أفريقيا، التي تستضيف اجتماع وزراء خارجية «بريكس» المقرر عقده غداً في مدينة كيب تاون. ومن شأن هذا الاجتماع أن يمهّد الطريق للقمة المقبلة بنسختها الخامسة عشرة التي تمتد من 22 إلى 24 آب المقبل في مقاطعة غوتنغ في البلد الأفريقي الذي أجرى مناورات عسكرية مع روسيا والصين أخيراً، ولا يزال يرفض إدانة العملية العسكرية في أوكرانيا. وليس وزراء خارجية دول «بريكس» الخمسة (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) وحدهم مدعوّين لحضور الاجتماعات، بل سيعقد أيضاً في اليوم التالي، اجتماع أصدقاء «بريكس»، والذي دُعي إليه وزراء خارجية 15 دولة من أفريقيا وجنوبها، ما يُشير إلى أن المجموعة قد تسعى للتوسع في أفريقيا في سياق تطلعها إلى عالم متعدد الأقطاب، فضلاً عن تقارير تؤكّد منافستها المتصاعدة لمجموع «السبع» المدعومة غربياً.
وبينما تصاعدت المخاطر المحتملة لوجود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جنوب أفريقيا حضورياً في القمة المرتقبة بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمراً بتوقيفه، أعلنت جنوب أفريقيا، اليوم، على لسان وزيرة الخارجية ناليندي باندور، أن «الحصانة الدبلوماسية للمشاركين لا تنطبق على أوامر المحاكم الدولية»، مشيرة إلى أن «هذه الحصانات لا تلغي أي أمر قد تصدره أي محكمة دولية ضد أي مشارك في المؤتمر»، برغم أنه بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي وقّعت عليه جنوب أفريقيا عام 2000، يُطلب من الدول الموقعة تسليم الأشخاص الصادرة بشأنهم أوامر توقيف إلى المحكمة الجنائية.

وفي سياق توسيع المجموعة، أكّدت باندور، في وقت سابق، تلقي بلادها 12 طلباً للانضمام إلى المجموعة، مشيرة إلى أن المجموعة «تحظى باهتمام عالمي كبير»، بينما تعتزم أن تُقرر هذا العام ما إذا كانت ستقبل أعضاء جدد، وما هي المعايير التي سيتعين عليهم تلبيتها. ومن بين هذه الدول، إيران والسعودية، اللتان قدمتا طلبات انضمام رسمية. كما تدرس عدد من الدول الأخرى الانضمام إلى الكتلة الاقتصادية، بما في ذلك الأرجنتين وفنزويلا وتركيا والجزائر ومصر.

ماذا على جدول الأعمال؟
بالتوازي مع تحديدها موعد الاجتماع الخميس الماضي، أشارت وزارة خارجية جنوب أفريقيا إلى أن اجتماع الغد يوفّر لوزراء خارجية دول «بريكس» «فرصة للتفكير في التطورات الإقليمية والعالمية»، بينما أدت الحرب في أوكرانيا، والاجتماع الأخير بين فلاديمير بوتين وشي جين بينغ في موسكو، والنجاح الواضح للصين في التوسط في التقارب الدبلوماسي بين إيران والسعودية، إلى تجدد الأحاديث حول التهديدات التي تتعرض لها السيادة العالمية للولايات المتحدة، ولا سيما تلك الخاصة بالسعودية.

وفي السياق، ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» الأميركية أخيراً أن السعودية هي «آخر من يناقش الانضمام» إلى بنك التنمية الجديد المقرض (NBD) التابع لـ«بريكس»، في خطوة من شأنها أن تمنح البنك الذي تمّ إنشاؤه في عام 2014 المزيد من القوة المالية بتوسيع عضويته في الوقت الذي يسعى فيه إلى تعزيز رأس ماله ومواجهة تأثير البنوك المتعددة الأطراف التي يهيمن عليها الغرب، ليكون بمثابة ثقل موازن لـ«صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي». وبحسب موقع «بنك التنمية الجديد» الإلكتروني، أصبحت بنغلاديش والإمارات العربية المتحدة عضوين في عام 2021، بينما انضمت مصر في شباط الماضي، وتَبرز أوروغواي كعضو محتمل.

ومن جانبه، قال الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، أمس، إن بلاده تريد أن تكون جزءاً من مجموعة «بريكس» التي تتكون من دول ناشئة بارزة، في أعقاب اجتماع ثنائي مع نظيره البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي قال إنه سيدعم بشكل شخصي أي طلب من فنزويلا للانضمام إلى المجموعة.

وكان الرئيس البرازيلي، قال خلال اجتماع عقده الخميس الماضي مع رؤساء البعثات الدبلوماسية الأفريقية، إن بلاده تنظر إلى «بنك التنمية الجديد» كبديل واعد للمؤسسات المالية التقليدية. وقال: «نريد أن يصبح بنك بريكس أقوى أداة بديلة للتمويل، وسنعزز تفاعلنا مع بنك التنمية الأفريقي». وبحسب لولا، فإن المنظمات المالية الدولية التقليدية لا تأخذ في الحسبان احتياجات البلدان النامية وليست مناسبة لها، لأن العديد من هذه البلدان «تختنق تحت وطأة ديون لا يمكن تحملها».

وبدورها، أكّدت رئيسة إدارة البنك، ديلما روسيف، التي نُصّبت رئيسة للبنك الذي يتّخذ شنغهاي مقراً له في نيسان الماضي، إن البنك «سينظر في زيادة تنوع أعضائه من حيث الجغرافيا ومراحل التنمية وحجم البلدان». وأضافت اليوم خلال اجتماع دوري، أن البنك سيمول المزيد من المشاريع بالعملات المحلية من أجل تعزيز الأسواق المحلية وحماية المقترضين من مخاطر تقلبات العملة، موضحةً أن الأعضاء لديهم عملات غير قابلة للتحويل بشكل كامل ضمن الهيكل الحال. أما نائب رئيس مجلس الدولة الصيني، دينغ شويشيانغ ، فقال متحدثاً في الاجتماع نفسه، إنه يأمل في أن يواصل البنك دعوة المزيد من الشركاء للتعاون، واستخدام المزيد من الموارد لدعم تنمية الدول الناشئة، والتركيز على الإنفاق على البنية التحتية.

أمّا على صعيد العمل على نظام الدفع «بريكس - باي»، الذي طرح مجلس أعمال «بريكس» فكرة إنشائه، فأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، الجمعة الماضي، أن نظام الدفع قيد التنفيذ، ومدرج على جدول الأعمال. وإذ أكّد أن دول «بريكس» تسارع في مسألة الانتقال إلى التسويات بالعملات الوطنية، بمواجهة استخدام واشنطن وحلفائها الدولار كسلاح للضغط على الدول الأخرى، أشار ريابكوف إلى أنه لا يزال من الصعب الحديث عن عملة موحدة للمجموعة. وأوضح أن محاولات الغرب لتقييد الصادرات الروسية، ومنع المعاملات المالية، تشجع العديد من الدول على التفكير في بدائل للدولار.

إلى ذلك، رأى المحلل والصحافي الأميركي، كلايتون موريس، أن روسيا والصين وجهتا ضربة مدمرة للغرب أثناء عملهما على استبدال الدولار داخل «بريكس». وأضاف موريس، في برنامج «Redacted News» عبر منصة «يوتيوب» أن «لاوس وباكستان والأرجنتين والبرازيل كلها تبتعد عن الدولار في إجراء المعاملات»، ما يزيد من عدد الدول التي تسعى إلى التخلي عن الدولار. وبحسب قوله، فإن وسائل الإعلام الغربية لم تعر أي اهتمام تقريباً لهذه الخطوة من جانب دول «بريكس». وأضاف أن مشكلة الديون الأمريكية والعجز التجاري جعلت الدولار «أقل جاذبية» كعملة دولية.

وتضم «بريكس» كلّاً من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، التي يبلغ إجمالي عدد السكان فيها 3.21 مليار نسمة، وهو ما يشكل نحو 42% من سكان العالم، وتقع دول «بريكس» على 26.7% من مساحة الأراضي في العالم، وهي تسهم بنحو 31.5% من إجمالي الناتج العالمي.