موسكو | لم يَعُد يمرّ يوم من دون الإعلان عن استهداف أوكراني للأراضي الروسية، على الحدود بين البلدَين، حيث تَكثّف، خلال الأسبوع الماضي، استهداف مدينة بيلغورود، والزوارق الروسية في البحر الأسود، إلى جانب القصف الصاروخي الذي طال مناطق في إقليم دونيتسك. ويأتي التصعيد الأوكراني في وقتٍ تشهد فيه الجبهات العسكرية مرحلة من الهدوء، إثر إعلان موسكو سيطرتها على مدينة باخموت، ووسط تقديرات تفيد باحتمال إقدام الجيش الروسي على فتح جبهة جديدة في دونيتسك. ويجيء ذلك بعدما أعلن رئيس مجموعة «فاغنر» العسكرية، يفغيني بريغوجين، أن قوّاته كُلّفت بمهمّة قتالية جديدة، لم يحدّد تفاصيلها، فيما يتوقّع المراقبون العسكريون الروس أن تكون سلافيانسك وكراماتورسك وُجهتَي روسيا المقبلتَين.في هذا الوقت، تُواصل القوات الروسية استهداف الداخل الأوكراني، إذ تعرّضت كييف مجدّداً ليل الأحد - الإثنين، لهجوم بمسيّرات متفجّرة وصواريخ، على ما ذكرت السلطات العسكرية الأوكرانية، وذلك بعد أقلّ من 24 ساعة على استهدافها بأوسع هجوم بطائرات من دون طيار منذ بدء الغزو الروسي. وبحسب ما أوردته الإدارة العسكرية والمدنية لمدينة كييف، عبر «تلغرام»، فقد «رصدنا أكثر من 40 هدفاً جويّاً وقد دمّرتها دفعاتنا الجوية. لقد صُدّت الهجمات على كييف». وفي الإطار نفسه، أعلن القائد العام للجيش الأوكراني، فاليري زالوجني، أن قواته اعترضت 37 صاروخ كروز و29 مسيّرة روسية في هجوم ليلي جديد شنّته موسكو. ونُفّذ الهجوم، وهو الخامس عشر الذي يستهدف العاصمة الأوكرانية منذ مطلع أيار الجاري، بواسطة صواريخ «كروز» أُطلقت من قاذفات استراتيجية «تو-95إم إس» ومسيّرات متفجّرة، وفق المصدر نفسه.
وردّاً على الهجمات التي تتعرّض لها بلاده، أمر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بتعزيز الأمن على الحدود لضمان تحرّك عسكري ومدني روسي سريع إلى المناطق الأوكرانية الخاضعة الآن لسيطرة موسكو. وفي المقابل، كان مستشار مدير مكتب الرئيس الأوكراني، ميخائيلو بودولياك، أعلن أن الهجمات الأوكرانية الأخيرة هي في إطار الهجوم المضادّ لقوات بلاده، والذي بدأ قبل أيام وسيستمرّ. ولفت بودولياك إلى أن المعارك محتدمة بين القوات الأوكرانية ونظيرتها الروسية على طول 1500 كيلومتر من الحدود، مؤكداً أن كييف مصرّة على استعادة شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس. كما أكد أن أوكرانيا لن تستخدم الأسلحة الغربية داخل أراضي روسيا، بل «ستستخدم هذه الأسلحة فقط ضدّ المواقع الروسية في الأراضي الأوكرانية المحتلّة»، مشيراً إلى أن الهجوم الأوكراني المتعدّد الجبهات ضدّ القوات الروسية سيكون مكثّفاً بشكل يومي، بهدف «تدمير الدعم اللوجستي للعدو».
ويتوقّع الخبراء العسكريون الروس أن تتكثّف وتيرة التصعيد الأوكراني في المستقبل المنظور. ويعتقد المراقب العسكري، فيكتور ليتوفكين، أنه يمكن توقُّع «أيّ ضربات في أيّ اتجاه، لكن أوكرانيا ليست مستعدّة لتوجيه ضربة مكثّفة»، معتبراً أن «هجوماً واسع النطاق سيكون كارثة بالنسبة إلى أوكرانيا»، مضيفاً أن القيادة الأوكرانية تدرك هذا الأمر، ولذلك «تُقدِم على أعمال إرهابية يمكن اعتبارها بمثابة هجوم مضادّ». ويرى ليتوفكين أن مثل هذه الأعمال تجلب لروسيا «الكثير من المتاعب، لكنّها مع ذلك لا تحقّق أيّ نجاح لأوكرانيا». وبدوره، يعبّر الخبير العسكري، أناتولي ماتفيتشوك، في تصريح إلى موقع «NEWS.ru»، عن خشيته من تزايد الهجمات الأوكرانية في المناطق الحدودية (كورسك، بيلغورود، بريانسك)، موضحاً أن القوات الأوكرانية «تقوم بضربات تكتيكية فقط، هي شكل من أشكال المناورة العملياتية التي تنفذّها... لكن لا يمكن اعتبارها هجوماً مضاداً».
ويُجمع الخبراء الروس، في المقابل، على أن موسكو ستردّ بحزم على هذا التصعيد الأوكراني، إنْ عبر تكثيف المراقبة للحدود لمنع أيّ أحداث مشابهة لما جرى في بيلغورود، أو من خلال زيادة القصف. ويقترح هؤلاء منْح حكّام الأقاليم الحدودية صلاحيات أوسع لاتّخاذ القرارات العسكرية المناسبة للتعامل مع أيّ طارئ يحصل، مرجّحين، في الوقت ذاته، تكثيف القصف الجوّي الروسي للداخل الأوكراني. وعلى رغم تدفّق الأسلحة الغربية لكييف، إلّا أن الأخيرة تقرّ بأن دفاعاتها الجوية غير قادرة على مواجهة التفوّق الجوي الروسي، آملةً في أن يساهم تزويدها بطائرات «إف-16» في كسْر هذا التفوّق، وفق المسؤولين الأوكرانيين. وفي المقابل، تنبّه موسكو إلى أن تزويد أوكرانيا بهذه المقاتلات سيشكّل تصعيداً خطيراً للأزمة، وفق ما صرّح به وزير الخارجية، سيرغي لافروف، والذي حذّر الدول التي تنوي تزويد كييف بالمقاتلات من «اللعب بالنار».