لندن | لم يَبذل الزعماء الغربيون الذين اجتمعوا نهاية الأسبوع في هيروشيما اليابانية، أيّ جهد في التمويه على عزمهم التوحّد تحت راية الولايات المتحدة في وجه التحدّيات الاستراتيجية الثلاثة: العسكري الروسي، والاقتصادي الصيني، ودول الجنوب التي اختارت عدم الانخراط في حروب المحاور، إذ أعلنت قمّة «مجموعة السبع» استمرار دعمها لأوكرانيا عسكرياً واقتصادياً، وفرضها عقوبات إضافية على روسيا، محذّرةً الصين من «تهديد» الهيمنة الأميركية في المحيطَين الهندي والهادئ، أو المساس بتايوان، متّخذةً أيضاً إجراءات ستمسّ «الدول الثالثة» التي قد تساعد موسكو على تجاوز آثار الحرب الاقتصادية التي يشنّها الغرب عليها.
من هيروشيما اليابانية، جدَّدت الولايات المتحدة، ومعها كندا واليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، عزمها الدفاع عن نظام الهيمنة الغربي، في مواجهة ما سمّته «التحدّيات العالمية في هذه اللحظة» من التاريخ، والمتمثّلة بشكل رئيس في التهديدَين العسكري الروسي، والاقتصادي الصيني. وقرّرت «مجموعة السبع» اتّخاذ إجراءات في مختلف المجالات التي من شأنها تعزيز «وحدة الغرب»، وردع الأطراف الثالثة التي قد تحاول تبنّي سياسات مستقلّة سواء في أجواء المواجهة القائمة مع موسكو وبكين، أو المجالات الأخرى كنزع السلاح النووي، والصحة، والمناخ، والتعليم، وغيرها. ووفق البيان الصادر عن المجموعة في ختام القمّة التي انعقدت بين 19 و21 الجاري، وتوزّعت على تسع ورشات عمل حَضرها إلى قادة الدول السبع، رؤساء الاتحاد الأوروبي، و«وكالة الطاقة الدولية»، و«صندوق النقد الدولي»، و«منظمة التعاون والتنمية»، والأمم المتحدة و«البنك الدولي» و«منظمة الصحة العالمية» و«منظمة التجارة العالمية»، ستّتخذ «السبع» خطوات ملموسة لمواصلة دعْم أوكرانيا، وتعزيز «النظام العالمي الحرّ القائم على احترام سيادة القانون». كما ستعارض، بحسب البيان، «أيّ محاولات أحادية الجانب لتغيير الأوضاع القائمة بالقوّة أو الإكراه أو الاستيلاء على الأراضي بالقوّة في أيّ مكان في العالم» (في إشارة إلى تايوان).
وعلى رغم كثرة العناوين التي غطّتها القمّة، من الصحّة إلى الذكاء الاصطناعي مروراً بالتعليم والأمن الغذائي والبيئة، فإن كلّ القضايا رُبطت بشكل أو بآخر بالتهديدات الاستراتيجية الثلاثة: روسيا، والصين، وانفلات دول الجنوب. وإذ جدّد البيان إدانة روسيا، فقد أعلن تبنّي سلّة من الإجراءات لتعظيم تكلفة الحرب على الأخيرة، وعلى الدول التي تدعم مجهودها العسكري، بما يتضمّن حظر صادرات جميع العناصر الحيوية لآلة الحرب (التكنولوجيا والمعدّات الصناعية والخدمات)، فضلاً عن تطبيق خطّة مُحكمة للحدّ من إيرادات الخزينة الروسية من تصدير الطاقة والمعادن، والعمل على تقييد التعامل بالألماس المستخرَج أو المعالَج أو المنتَج في روسيا (وهي واحدة من الصناعات التصديرية الروسية القليلة التي لا تزال سالمة نسبياً من العقوبات الغربية)، بالإضافة إلى الحدّ من استخدام البنوك الروسية للنظام المالي الدولي عبر فروعها في دول ثالثة، وتبنّي سلسلة من التدابير لمنع تحايل الأطراف الثالثة على العقوبات الغربية المفروضة على موسكو.
كلّ القضايا رُبطت بشكل أو بآخر بالتهديدات الاستراتيجية الثلاثة: روسيا، الصين وانفلات دول الجنوب


وبحسب خبراء في مجال صناعة الألماس، فإن استهداف هذا القطاع في هذه المرحلة، إنّما يرمي خصوصاً إلى منع روسيا من استخدام الهند التي تدير أكبر صناعة لتلميع الألماس في العالم - ودُعي رئيس وزرائها ناريندا مودي إلى حضور القمّة مراقباً -، كوسيط لتجاوز العقوبات الغربية عليها. أيضاً، أعلن مسؤول أميركي أن بلاده ستطبّق عقوبات جديدة على أكثر من 300 من الأفراد والسفن والطائرات المرتبطة بروسيا، وأن وزارة التجارة الأميركية ستضيف كذلك 70 مجموعة روسية إلى قائمة سوداء لمنع تصدير المنتجات ذات التكنولوجيا الأميركية إلى روسيا. وأعلنت بريطانيا، بدورها، أنها تعِدّ عقوبات جديدة تستهدف 86 شخصيّة وشركة روسية في الصناعات العسكريّة، ومجالات الطاقة، والمعادن، والشحن، فيما أكد رئيس وزرائها، ريشي سوناك، أن بلاده ستفرض من جانبها حظراً تامّاً على واردات الألماس والنحاس والألمنيوم والنيكل ذات المصدر الروسي. كذلك، جدّد زعماء «السبع» تحميل روسيا مسؤولية تدهور الأمن الغذائي العالمي، مشدّدين على أهمية استمرار صادرات الحبوب من كييف عبر دول الاتحاد الأوروبي ومبادرة تصدير الحبوب عبر البحر الأسود التي تتوسّط فيها تركيا، مبدين عزمهم على العمل من أجل تحقيق مرونة في الأمن الغذائي العالمي، حتى يصبح قادراً على التعامل مع الضغوط التي قد تفرضها الصراعات راهناً ومستقبلاً.
وفي ما يتعلّق بالصين التي تصفها الولايات المتحدة بأنها التحدّي الأخطر للهيمنة الغربية على العالم، فقد حذّرتها القمّة، ضمناً، من أيّ محاولة لتغيير الوضع القائم في تايوان، فيما كرّر البيان الختامي دعْم دول المجموعة لـ«أمن منطقة المحيطَين الهندي والهادئ»، ورفضها مزاعم الصين بحقوق سيادية لها في بحرَي الصين الشرقي والجنوبي وبحر الفيليبين الجنوبي. كما أعلنت «السبع» تنسيق الجهود في ما بينها لضمان ما سمّته «الأمن الاقتصادي وتنويع الشراكات، سعياً إلى إزالة مخاطر مَيَلان الكفّة في التجارة لمصلحة الصين وتحكُّمها في سلاسل التوريد الأساسية للاقتصادات الغربية»، من دون فكّ الارتباط نهائياً بالاقتصاد الصيني. وندّد البيان، أيضاً، بما سمّاه «سياسات الصين السوقيّة وممارساتها التي تشوّه الاقتصاد العالمي»، قائلاً إن المجموعة ستتصدّى لـ«السلوكيات الخبيثة» التي تتبعها الشركات الصينية، مِن مِثل «النقل غير المشروع للتكنولوجيا أو سرقة البيانات، وستعزّز قدرة الدول على الصمود في وجه منهج الإكراه الاقتصادي الذي تتبعه بكين لتحقيق أغراضها السياسية»، في موازاة تجديد التشديد على ضرورة حماية بعض التكنولوجيات المتقدّمة من الوصول إلى أيدي الصينيين. كذلك، وعدت المجموعة بالاستمرار في تناول أوضاع حقوق الإنسان في أقاليم التبت وشينجيانغ وهونغ كونغ.
أمّا بخصوص استعادة التأثير الغربي على دول الجنوب، ولا سيما في أفريقيا وأميركا اللاتينية، فقد أعلنت «السبع» رصْد 600 مليار دولار للاستثمار في البنية التحتية في تلك الدول، بعدما استفردت الصين، منذ بعض الوقت، بهذا المجال. لكن مقرّرات القمة ذهبت في اتّجاه فرض منهجية غربية ليبرالية في مختلف المجالات الأخرى، بحيث يصبح هامش المناورة خارج حرب المحاور ضيّقاً للغاية، حتى بالنسبة إلى دول مهمّة من مِثل الهند، والبرازيل، وإندونيسيا التي تجنّبت إلى الآن أيّ انعكاسات سلبيّة ملموسة من جرّاء حيادها في أوكرانيا. كذلك، تضمّنت المواقف الصادرة عن القمّة إشارات إلى وحدة الغرب في الالتزام بنزع قدرات كوريا الشمالية النووية والباليستية، وعزمه على منع إيران من الحصول على السلاح النووي. ودانت المجموعة، أيضاً، ما وصفته بـ«الانتهاكات والتجاوزات المنهجية لحقوق الإنسان» التي تمارسها الحكومة الإيرانية، بما فيها «قمعها للاحتجاجات النسوية الشعبية»، معربةً عن قلقها البالغ من نقل طهران الأسلحة إلى موسكو، وداعيةً إيّاها إلى ضمان أمن الملاحة في الإقليم، مرحّبةً في الوقت نفسه بالاتفاق السعودي - الإيراني لتخفيف حدّة التوترات في المنطقة.
أمّا في ما يتعلّق بسوريا، فلا تزال المواقف الغربية تراوح مكانها، مع تشديد المجموعة على ضرورة عدم السماح بتطبيع العلاقات مع دمشق، أو تقديم المساعدة لها في مجال إعادة الإعمار «إلّا بعد إحراز تقدُّم حقيقي ودائم نحو التوصّل إلى حلّ سياسي»، على حدّ تعبير الوثيقة النهائية للقمّة، التي أشارت أيضاً إلى أزمات أخرى في العالم العربي من اليمن إلى السودان، ومن ليبيا إلى تونس، مروراً بفلسطين، وأصدرت توجيهات في شأن كلٍّ منها.