تستمرّ إسرائيل في الدوران وسط أزمتها الداخلية، في ظلّ مؤشّرات إلى تشعّب هذه الأخيرة، وتطوّرها من انشقاق مجتمعي عمودي ينعكس في احتدام الصراع بين الائتلاف والمعارضة ووصول مفاوضاتهما إلى حائط مسدود، إلى تصدّع الائتلاف الفاشي الحاكم نفسه. وفي ظلّ هذه الأوضاع، لم يجد أعضاء «الكنيست» من المعسكر المعارض بدّاً من إفشاء تشاؤمهم بالمفاوضات الجارية في ديوان الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتزوغ، بهدف التوصّل إلى تسوية في شأن مخطّط «الإصلاح القضائي». فطبقاً لما نقلته «القناة 12» عن هؤلاء، فإنه «حتى في حال التوصّل إلى تسوية باتفاق الطرفَين، يرفض الائتلاف فكرة الالتزام بعدم دفع تشريعات خطّة الانقلاب خلال الدورة الصيفية الحالية للكنيست». وممّا يعزّز هذا التشاؤم، أنه حتى في حال الاتفاق على تشريع حجّة عدم المعقولية وقانون المستشارين القانونيين في الوزارات - وهو ما يبدو مرجَّحاً - لا ضمانة بأن تُوقف الحكومة سَنّهما في الولاية الحالية لـ«الكنيست»، أسوةً ببقيّة قوانين الخطّة الرامية إلى جعل السلطة القضائية في مكانة أدنى من السلطة التشريعية. وبناءً على ما تَقدّم، أعرب أعضاء المعارضة عن اعتقادهم بأن «من الصعب جدّاً التوصّل إلى اتفاق من دون أن تبدي الحكومة التزاماً بوقف التشريعات». وعلى الرغم ممّا رشح عن التوصّل إلى تفاهم حول جزء من العناوين، فإن تشريع هذه العناوين لن يتمّ، بحسب القناة نفسها، من دون إبرام تسوية شاملة لن تكون ممكنة إلّا بعد انتهاء الدورة الصيفية الحالية. ولئن نوقش مقترح الإعلان عن اتفاقات جزئية، فإن «هذا النقاش لا يؤكد فعلياً نافذيّة تلك التوافقات، وإذا ما كانت ستخرج إلى حيّز التنفيذ».عملياً، تنشغل المعارضة بكيفية تكبيل الائتلاف لجعله غير قادر على الدفع بأيّ تشريع حتى الدورة المقبلة مع بداية تشرين الأول، فيما يعني نجاحها في ذلك أزمة عميقة في قلب الائتلاف الذي يصّر بعض أطرافه على الدفع بهذه البنود، وفي مقدّمتهم عرّاب الخطة، وزير القضاء ياريف ليفين، ورئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء، سيمحا روتمان، المصرَّان على موقفهما المتطرّف في تشريع الخطّة كاملةً حتى في حال عدم التوصّل إلى أيّ تسوية. وفي انتظار ما ستؤول إليه مساعي المعارضة هذه، نفى حزب «المعسكر الوطني»، الذي يرأسه وزير الأمن السابق، بيني غانتس، وجود أيّ توافقات، مؤكّداً أن «التباعد (في وجهات النظر) يطاول جميع المواضيع»، مضيفاً أنه «لا اتفاقات إلّا بالتوصّل إلى حلّ للجنة تعيين القضاة، يضمن عدم تسييس تعيين القضاة في جهاز القضاء كلّه». أمّا حزب «ييش عتيد» («هناك مستقبل»)، والذي يرأسه زعيم المعارضة، يائير لابيد، فلم يبدِ ليونة هو الآخر؛ إذ أعلن أنه «ملتزم الحفاظ على الديموقراطية وعلى استقلالية المحكمة العليا. ولا تنازل عن ذلك مقابل أيّ ثمن». على أن تلك المواقف لم تردع قادة الحركة الاحتجاجية عن انتقاد غانتس ولابيد؛ إذ اتّهمهما هؤلاء بأنهما «يسمحان بإضعاف الرقابة القضائية من دون مقابل حتى»، مشيرين إلى أن كليهما «لم يتعهّدا باستقرار الديموقراطية، على رغم أن نتنياهو يحذو حذو بولندا». كما أعربوا عن حزنهم حيال «تشجيع الرئيس (هيرتسوغ) ذلك»، مخاطبَين زعيمَي المعارضة بالقول إنه «لا صلاحية لكما ببيع الديموقراطية».
تنشغل المعارضة بكيفية تكبيل الائتلاف لجعله غير قادر على الدفع بأيّ تشريع حتى الدورة المقبلة


على المقلب الآخر، تتفاقم حدّة التصدّعات بين أحزاب الائتلاف الحاكم في ضوء مطالبة بعض مركّباته بميزانيات إضافية، والحصول عليها في غضون وقت قليل قُبيل انتهاء الموعد النهائي للتصويت على قانون ميزانية الدولة للعام 2023 - 2024، والذي يصادف في الـ 29 من الشهر الجاري، في حين أن عدم التصويت على القانون يعني أوتوماتيكياً حلّ الحكومة. وفي هذا الإطار، طالب حزب «عوتسماه يهوديت»، الذي يرأسه وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، بزيادة ميزانية وزارة النقب والجليل، التي يتولّاها عضو حزبه، يتسحاق فسرلاوف. وكخطوة احتجاجية أولى على خلفية التأخّر في تلبية ذلك المطلب، امتنع أعضاء الحزب، أول من أمس، عن التصويت ضدّ قانون قدّمته المعارضة للتصويت عليه بالقراءة التمهيدية في «الهيئة العامة للكنيست»، الأمر الذي تسبّب بخسارة الائتلاف. على أن حزب بن غفير لم يجد في ما تَقدّم تعبيراً عن «حالة خاصة»، وإنّما عن الأزمة العميقة بين زعيم الحزب، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، وهو ما وعد نتنياهو بحلّه عقب اجتماع طارئ عقده مع «عوتسماه يهوديت». وفي السياق، قال بن غفير، خلال اجتماع عقده مع حزبه، إن «سموتريتش يصرّ على أن يكون وزير مالية فئوياً ومناطقياً»، في إشارة إلى عدم حصول النقب على ميزانيات مرتفعة، على الرغم من أن نسبة عالية من مصوّتيه اقترعت لمصلحة حزب بن غفير.
أمّا حزب «يهودية التوارة»، فيطالب بزيادة 600 مليون شيكل لمؤسّسات تدريسية للأطفال «الحريديم» في المرحلة الابتدائية، وأن يجري النصّ على ذلك في قانون الميزانية للعام الجاري، ترجمةً لما كان قد تعهّد به نتنياهو. وتأزّم الموقف بين الحزب والحكومة عندما هدّد رئيسه ووزير البناء والإسكان، يتسحاق غولدكنوبف، بأنه في حال عدم المصادقة على طلبه، فإنه كتلته لن تصوّت لمصلحة قانون الميزانية، ما يعني سقوط الائتلاف وانتخابات «كنيست» جديدة مبكرة، وخصوصاً أن وزارة المالية تعارض هذا الطلب، وتقترح إدراجه في ميزانية العام المقبل.