مع اقتراب موعد جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة التركية، بين رجب طيب إردوغان، وكمال كيليتشدار أوغلو، تحتدم منافسة الغريمَين وسط سعي كلّ منهما إلى استقطاب الناخبين إلى صفّهم. وإذ تبدو مهمّة مرشّح السلطة أسهل، كونه بحاجة إلى أقلّ من نقطة واحدة للفوز (في حال بقاء خريطة التصويت على حالها)، يتعقّد موقف مرشّح المعارضة الذي عطّل حظوظه تحريضُ إردوغان المستمرّ، وضعف الدفاع في صفوف حلفائه وحملته. ولذا، سيسعى هذا الأخير لتبنّي خطاب أكثر حدّة وسلبية، لنفض تهمة «التحالف مع الإرهاب» عنه، والتي ألصقها به الرئيس التركي - في إشارة إلى «حزب الشعوب الديموقراطي -، فيما يَظهر تتابعاً أن التعويل على المرشّح القومي سنان أوغان، ليس في محلّه، نظراً إلى أن الأصوات التي نالها، هي في غالبيتها اعتراضية، وتبحث عن طريق ثالث بين حزبَي «الحركة القومية» و«الجيّد»
انتهت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في تركيا، وبدأ المرشّحان رجب طيب إردوغان، وكمال كيليتشدار أوغلو، تحضيراتهما لجولة الإعادة المرتقبة في الـ28 من الجاري. وفي حال بقاء خريطة التصويت على حالها في الدورة الثانية، سيحتاج الرئيس التركي إلى أقلّ من نقطة واحدة لبلوغ عتبة الـ50% (زائد صوت واحد) ليفوز بولاية رئاسية ثالثة، فيما ينقص كيليتشدار أوغلو خمس نقاط كاملة (حصل على 44.9%). ولهذا السبب تحديداً، ستختلف استراتيجية كِلا المرشّحَين تبعاً لطبيعة الهدف الذي يسعيان إليه، مع انطلاق المهرجانات الانتخابية لكِليهما. وإذ أكد، في مقابلة تلفزيونية، أنه لا يثق باستطلاعات الرأي، بل بما تفرزه صناديق الاقتراع، سيركّز إردوغان استراتيجيته للدورة الثانية، وفق ما ذكرت صحيفة «حرييات»، على الظهور التلفزيوني، على أن يخصّ المناطق التي ضربها الزلزال بأولى زياراته الميدانية، في بادرة لتقديم الشكر إلى أبنائها الذين منحوا في غالبيتهم أصواتهم لإردوغان، الذي سيقيم أيضاً مهرجانات في بعض المدن الأخرى التي فضّلته على غريمه. وفي هذا الجانب، كلّف إردوغان أعضاء من المكتب السياسي لـ«حزب العدالة والتنمية»، النزول إلى الساحة والعمل بكثافة في المدن الكبرى الثلاث التي تخلّف فيها الرئيس التركي على منافسه، وهي إسطنبول وأنقرة وإزمير. وإذا كانت هذه الأخيرة تقع خارج أحلام إردوغان، نظراً إلى أنه يتخلّف فيها بفارق كبير عن كيليتشدار أوغلو (60% في مقابل 31.48%)، فإنه يتطلّع لجَسر الفارق في إسطنبول، حيث نال 46.68% في مقابل 48.56%؛ وفي أنقرة (46% في مقابل 47.32% لمنافسه). ووفق الصحيفة نفسها، التقى إردوغان قيادات حزبه، وحذّرهم من «التراخي»، كما لو أن النتيجة مضمونة، مطالباً إيّاهم بالعمل بأقصى طاقاتهم.
ويُرتقب أيضاً أن يركّز إردوغان في خطاباته على مفردتَي «الاستقرار» و«التكامل الاجتماعي»، بعدما طلب من مسؤولي حملته التشديد على أن النظام الرئاسي ليس سلبيّاً، بل إنه كان سبباً لنَيل «تحالف الجمهور» الغالبيّة في البرلمان. وفي الموازاة، سيكثّف انتقاداته لـ«تحالف الأمّة» المعارِض، وتعاونه مع «حزب الشعوب الديموقراطي» ومع «الإرهاب الكردي»، كما سيتطرّق إلى الإنجازات المُحقّقة على مستوى الصناعات الدفاعية والخطوات التي اتُّخذت لترييح المواطن اقتصاديّاً. ومن جهته، سيقيم دولت باهتشلي، زعيم «حزب الحركة القومية»، والذي شكّل مفاجأة الانتخابات بنَيْله منفرداً أكثر من 10% من الأصوات، مهرجانات موازية، دعماً لشريكه إردوغان. وممّا ذكرته صحيفة «حرييات»، فإن الرئيس التركي سيتوجّه إلى الجمهور بخطاب تصالحي وهادئ، ولن يكرّر عبارته: «باي باي كمال».
سيكثّف إردوغان انتقاداته لـ«تحالف الأمّة»، وتعاونه مع «حزب الشعوب الديموقراطي» ومع «الإرهاب الكردي»


في المقابل، يعزو كيليتشدار أوغلو السبب في عدم حصوله على الأصوات المتوقّعة، إلى الحملة التحريضيّة الواسعة واتّهام إردوغان له بالتعاون مع «الإرهاب الكردي». وقال مرشّح المعارضة لقيادات حزبه، إن «تحالف الأمّة» لم يستطع أن يردّ بشكل وافٍ على اتّهام إردوغان له بالتحالف مع «حزب العمال الكردستاني»، على أن يركّز في حملته المقبلة - في هذه النقطة - على «حزب الدعوى الحرّة» الديني المتشدّد والمؤيّد للمطالب الانفصالية الكردية، والذي ترشّح مرشّحوه على لوائح «العدالة والتنمية» ونجح أربعة منهم، بينهم زعيم الحزب، في الدخول إلى البرلمان. وسيزور كيليتشدار أوغلو مناطق معيّنة من التي ضربها الزلزال، والتي يَعتبرها استراتيجية لحملته، فيما سيكثّف إطلالاته التلفزيونية، ويُشرك رئيسَي بلديتَي أنقرة وإسطنبول، كما زعماء الأحزاب الخمسة الآخرين معه في «تحالف الأمّة»، في بعض الحملات الانتخابية. ويُتوقّع أن يلتقي أيضاً مع كلٍّ من سنان أوغان، المرشّح الثالث للرئاسة الذي نال 5% من الأصوات، كما المرشّح الآخر الذي انسحب قبل الدورة الأولى بأيام، محرم إينجه. ونظراً إلى أن أوغان يشدّد على خطورة بقاء اللاجئين، بمن فيهم اللاجئون السوريون، فإن كيليتشدار أوغلو سيحاول استمالة ناخبي أوغان عبر التعهّد بإعادة اللاجئين إلى بلادهم، لأن الأتراك «لم يجدوا وطنهم في الشارع». وبخلاف ما يشاع، فإن مرشّح المعارضة، وفقاً لصحيفة «حرييات»، جاء باقتراح إلى أوغان بمنحه وزارة الداخلية في حال أوعز إلى أنصاره بانتخابه. ولفتت صحيفة «غازيتيه دوار» إلى أن «حزب الشعب الجمهوري» قرّر أن يتبنّى خطاباً «أكثر حدّة وسلبية» للجولة الثانية، ولا سيما في ما يتعلّق بتهمة التعاون مع الإرهاب، و«تعرية الوجه الحقيقي للسلطة في ما يتعلّق بالإرهاب». وسيكون هذا الخطاب مركّزاً على محاولة كسْب دعم الفئات القومية من الناخبين، واستغلال حالة الارتخاء التي تشكَّلت لدى السلطة بعد الدورة الأولى.
من جهتها، نقلت صحيفة «جمهورييات» أن تركيز «الشعب الجمهوري»، في الدورة الثانية، سيكون على الحملة الدعائية في التلفزيونات ومواقع التوصل الاجتماعي وإعطاء الثقل في الحملات لمناطق الزلزال ووسط الأناضول ومناطق البحر الأسود، حيث التأييد الأكبر لإردوغان، وحيث يوجد الناخب القومي والمحافظ. وتنقل الصحيفة عن أوساط قيادية في «حزب الشعب الجمهوري»، قولها، إن «السلطة تتّهم المعارضة بالتعاون مع الإرهاب الكردي، فيما هي نفسها تعاونت مع فئات («حزب الدعوى الحرّة» مثالاً) تنزعج من سماع كلمة تركي. ويجب أن نوضح ذلك للشعب». ومن أجل وضْع استراتيجية جديدة للأيام القليلة المقبلة، اجتمع زعماء «طاولة الستة» للمرّة الأولى منذ إجراء الانتخابات، للبحث في الخطوات التي ستُتخذ إلى حين بلوغ الدورة الثانية. ويُنقل أن زعيمة «الحزب الجيّد»، مرال آقشينير، دعت، خلال الاجتماع، إلى التركيز على «الفريق» الذي سيحكم تركيا في حال فوز كيليتشدار أوغلو، وعلى أنه «الفريق الأكفأ» بدلاً من حصْر المعركة بين شخصَين. وبحسب هذا الأوساط، فإن الحملة الانتخابية يجب أن تركّز على ماهية المرشّحين ليتولّوا مواقع وزارية في حكومة المعارضة وعلى جدارتهم وأهميّتهم، ولا سيما وزراء الداخلية والخارجية والعدل والدفاع والتربية والبيئة والصحة والمواصلات.
في هذا الوقت، قرّر «حزب اليسار الأخضر» الكردي الذي نال حوالى 9% من الأصوات في الانتخابات النيابية، أن يواصل التصويت لمرشّح المعارضة كما فعل في الجولة الأولى، وأن يستعيض عن المهرجانات الكبيرة بتجمّعات منظّمة وهادفة. واعترف الحزب، في اجتماع تنسيقي مع «حزب الشعوب الديموقراطي»، بأن نتائج الانتخابات النيابية لم تكن على قدْر التطلّعات، وبأن أخطاء ارتُكبت ستتمّ مناقشتها بعد انتهاء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، مشدّداً على أن التصويت لكيليتشدار أوغلو يجب أن يكون قويّاً في الدورة الثانية وألّا يقع الحزب في التشاؤم واليأس.
وعلى رغم أن الأنظار ستتّجه نحو المرشّح الثالث، سنان أوغان، الذي نال 5.20% في الانتخابات، وخرج من سباق التنافس، فإن العديد من الخبراء يرَون أن قدرة أوغان على تجيير أصوات الذين انتخبوه لمصلحة أحد المتنافسَين المتبقّيَين، ستكون محدودة جدّاً. ويقول الباحث السياسي، غيراي غيريم، إن هذه الأصوات لم تكن لأوغان شخصيّاً، بل كانت «أصواتاً اعتراضية» ضمن القوميين الذين يريدون رؤية «طريق ثالث» خارج ثنائي «الحركة القومية» و«الحزب الجيّد». من جهته، يقول الباحث السياسي، تانجو طوسون، إنه «يجب ألّا نبالغ في مدى قدرة أوغان على توجيه مَن صوّتوا له... لأن غالبيتهم من فئة الشباب الذين يقترعون للمرة الأولى، وبالتالي فهم ليسوا مؤدلَجين كفاية، ما يعني أنها أصوات احتجاجية»، مضيفاً أن «هذه الفئة متنوعة الانتماء الإيديولوجي. وعلى الأرجح ستعطي غالبيتها أصواتها في الدورة الثانية لكيليتشدار أوغلو مع منْح ربع أصواتها لإردوغان». ويرى إبراهيم كيراز، في صحيفة «قرار»، أن انتخابات الدورة الثانية للرئاسة هي انتخابات جديدة بالكامل وليست امتداداً للدورة الأولى، وستجري في ظروف جديدة مختلفة، لافتاً إلى أن «المتمرّسين في الانتخابات يعرفون أن الظروف خلال أسبوعين تتغيّر ولا تبقى على ما كانت عليه، وبالتالي فلا نشوة النصر لدى السلطة تبقى ولا الشعور بالإحباط لدى المعارضة يبقى. بل إن كل التوازنات يمكن أن تتغيّر خلال 24 ساعة، وحيث ستحدّد دوافع أخرى سلوك الناخب». وأرجع كيراز سبب عدم حصول كيليتشدار أوغلو على النسبة الكافية للفوز في الدورة الأولى إلى ضعف دفاع المعارضة عن تهمة التعاون مع الإرهاب، قائلاً إن أكثر من أربعة ملايين شخص لم تتّضح جيّداً خياراتهم في الدورة الأولى يمكن أن يُحدثوا الفارق في الدورة الثانية.