طهران | يزور سلطان عمان، هيثم بن طارق، إيران قريباً، على رأس وفد رفيع، في أوّل زيارة له إلى هذا البلد منذ تولّيه الحكم في كانون الثاني 2020. وتأتي هذه الخطوة في خضمّ الانفراجات الحاصلة على خطّ العلاقات بين طهران والعواصم العربية، فيما يتمثّل أحد أهدافها في تمتين العلاقات الثنائية. وتُعدّ السلطنة إحدى الدول العربية التي أقامت إيران معها دائماً علاقات وثيقة ومتينة، لم تشهد شدّاً وجذباً وتقلّبات مثلما حصل مع دول عربية أخرى من بينها السعودية. كما تتميّز هذه العلاقات بأهمية خاصة واستراتيجية، لكون طرفَيها بلدين جارين ومطلَّين على مضيق هرمز الاستراتيجي. وبالنسبة لإيران، التي تخضع للعقوبات الأميركية، فإن الدول الجارة تشكّل متنفساً هاماً لخفض الضغوطات عليها، ولذا، فقد بذلت إدارة إبراهيم رئيسي جهوداً كبيرة لتطوير العلاقات مع تلك الدول.ويرافق سلطان عمان في زيارته، عدد من الوزراء المعنيين بالحقل الاقتصادي، حيث سجري التوقيع على اتفاقات ثنائية عديدة. لكن هذا الجانب لا يعدّ الأكثر أهمية في الزيارة، بل اندراجها، وفق ما يرى كثيرون، في إطار الدور الذي تضطلع به مسقط في تبادل الرسائل بين إيران وأميركا. إذ في غياب العلاقات الرسمية بين طهران وواشنطن، تولت عمان، منذ عهد طويل، نقل هذه الرسائل أو حتى استضافة المحادثات السرية التي جرت بين ديبلوماسيين إيرانيين وأميركيين في وقت سابق، من مثل تلك التي سبقت بأشهر المحادثات العلنية بين إيران ومجموعة «1+5»، والتي أفضت إلى إبرام «خطّة العمل المشترك الشاملة» (الاتفاق النووي) عام 2015. وتوقّفت المفاوضات الرامية إلى إحياء هذا الاتفاق في صيف العام الماضي، فيما ألقت تطورات مختلفة بما فيها الحرب الأوكرانية والاضطرابات التي شهدتها إيران في خريف العام الفائت، بظلالها الثقيلة عليها، وجعلتها أكثر صعوبة. كما تشكّل قضية إطلاق ثلاثة سجناء أميركيين محتجَزين في إيران مقابل الإفراج عن نحو عشرة مليارات دولار من الأرصدة الإيرانية المجمدة في كلّ من كوريا الجنوبية واليابان والعراق، أحد الملفات المفتوحة بين إيران وأميركا، فيما لم تتوصّل المحادثات التي اضطلع الطرف العماني فيها بدور مهمّ في هذا الشأن، إلى نتيجة حاسمة، وهو ما يُقال إنه سيناقَش في طهران بين ابن طارق والمسؤولين الإيرانيين.
يرافق سلطان عمان في زيارته، عدد من الوزراء المعنيين بالحقل الاقتصادي


وفي هذا الإطار، تذهب بعض الأوساط السياسية والإعلامية في إيران إلى القول إن زيارة السلطان تشكّل «آخر محاولة لإحياء الاتفاق النووي وإفاقته من غيبوبته». ويقول حسن بهشتي بور، محلّل الشؤون الدولية والمدير السابق لقناة «العالم» الإخبارية، إن «هذه الزيارة يمكن أن تنطوي على رسائل ثلاثية، أولاها العلاقات الثنائية بين البلدين؛ وثانيها، الأمن والسلام في المنطقة؛ وثالثتها، الوساطة بين إيران وأميركا»، مضيفاً أنه «نظراً إلى تاريخ عمان في هذا المجال ومساعيها التي بذلتها طيلة العقد المنصرم في المضيّ قدماً في الاتفاق النووي، فإنه يمكن عقد الأمل هنا». وفي معرض إشارته إلى تصريح مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، حول ضرورة الاتفاق طويل الأمد بين طهران وواشنطن، يرى بهشتي بور، في حديث إلى «الأخبار»، أن «هذا التصريح يمكن أن يشكّل تطوّراً جيداً، إذ إنهم باتوا يفكرون الآن بالاتفاق بعد تلك التصريحات الحادّة التي أطلقوها ضد إيران، وقد تحمل سلطنة عمان رسالة مهمة في هذا الخصوص»، معتبراً أنه «إن كانت أميركا تريد الاتفاق مع إيران حقاً، فيجب عليها أن تظهر ذلك على أرض الواقع، وأن تبادر مثلاً إلى رفع العقوبات النفطية، لكن ما نشاهده نحن، هو مجرد تصريحات وكلام لا أكثر».
من جهته، يرفض جلال ساداتيان، الديبلوماسي الإيراني السابق ومحلّل الشؤون الدولية، الإفراط في التفاؤل بالأثر الإيجابي لزيارة ابن طارق، قائلاً: «الاتفاق النووي بات مستقبله غير معروف وغير واضح تماماً، وعليه لا يمكن الاسترسال في هذا الموضوع كثيراً». ويعتقد ساداتيان، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «أميركا تنوي احتواء إيران بالوكالة، وهذا ممكن عن طريق اتفاق إيران مع جيرانها في المنطقة، وحينها لن تكون ثمّة حاجة إلى أن تقحم أميركا نفسها في الاتفاق. وإن حصل توافق كهذا، فإن أميركا ستعدّل سياساتها على الأرجح، لتشهد الأوضاع حالة من الاستقرار النسبي».