خمسة أيام هي المدّة المتبقّية ليوم الحسم في الانتخابات الرئاسية والنيابية التركية: فإمّا استمرار الرئيس رجب طيب إردوغان في السلطة لخمس سنوات أخرى، وإمّا زلزال كبير من شأنه أن يغيّر وجه تركيا، فيما لو فاز مرشّح المعارضة، كمال كيليتشدار أوغلو. في هذا الوقت، تحشد السلطة والمعارضة كلّ إمكاناتهما من أجل اليوم المنتظَر، وتقيمان مهرجانات انتخابية قد تصل إلى الثلاثة يوميّاً لكلّ منهما. وقد تحوّلت إسطنبول دون غيرها إلى معيارٍ للتحشيد واستعراض القوّة، والذي بلغ ذروته في مهرجان أقامته المعارضة مساء السبت، وقالت فيه إن «ربيع تركيا سيبدأ صباح 15 أيار»، قابله آخر للسلطة مساء اليوم التالي، رأى فيه إردوغان أن مَن يأخذ إسطنبول سيربح الانتخابات، فيما رأت بعض الصحف الموالية أن «الانتخابات حُسمت». ولا شكّ في أن الإعلام التركي غير متوازن، ذلك أن معظم المحطّات مملوكة لأفراد محسوبين على الرئيس التركي، فيما التلفزيون الرسمي - بكل قنواته - مسخّر بالكامل للدعاية لإردوغان. وشهدت الحملات الانتخابية للطرفَين، للمرّة الأولى، الأحد، حادثاً تخريبيّاً، عندما تعرّضت حافلة رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، لرشق بالحجارة من أكثر من مئة شخص معارض له في مدينة أرضروم في شرق تركيا، أثناء إلقائه خطاباً أمام مناصري المعارضة، ما أدّى إلى كسْر زجاج الحافلة وجَرح العشرات. واتّهم إمام أوغلو، القوى الأمنية بعدم التحرّك والتفرّج على ما يجري، كما اتّهم محافظ أرضروم ورئيس بلديتها بالوقوف وراء الحادثة لتخريب حملة المعارضة، فيما اضطرّ رئيس بلدية إسطنبول إلى مغادرة المكان بالحافلة منعاً لتطوّر الأمور. وعلى هذه الخلفية، دعا كيليتشدار أوغلو إلى الهدوء والصبر وعدم الانجرار إلى الفخاخ التي تنصبها السلطة.
وبما أن الوعود من الجانبين «تنطح السماء»، يستند إردوغان إلى المشاريع الضخمة التي أُنجزت خلال السنوات العشرين الماضية، ناسباً إيّاها إلى جهوده الشخصية، وقائلاً: «إذا كان من شخص يستطيع أن يفعل شيئاً لتركيا فهو إردوغان نفسه، وما تقوله المعارضة ليس سوى أوهام وتمنّيات»، لأنها «غير منسجمة ومتعدّدة الآراء». كذلك، يركّز الرئيس التركي، في مهرجاناته، على الجانب الديني في شخصيّته. ويقول إنه لا يتلقّى تعليماته من أحد، بل من الله أوّلاً ومن ثمّ الشعب، مشدّداً على أن المعارضة «لا إيمان لها ولا تصلّي ولا تعرف الأذان... وتأخذ تعليماتها من جبال قنديل (قيادة حزب العمّال الكردستاني)». لكن الأخطر أن إردوغان يقول إن «الأمّة لن تسلّم السلطة لرئيس جمهورية يأخذ تعليماته من قنديل»، وهو يكرّر هذا الاتهام والتهديد بعدم تسليمه السلطة للمعارضة في كل مهرجاناته، ما بدأ يلقي شكوكاً متعاظمة حول اعتزام إردوغان عدم التسليم بالنتائج، إذا لم تكن لمصلحته، فيما جنّدت المعارضة عشرات آلاف المندوبين لمراقبة صناديق الاقتراع، خشية حدوث عمليات تزوير. وتعليقاً على كلام الرئيس التركي عن أنه يأخذ أوامره من الله، ترى ألف تشاكير، في صحيفة «قرار»، أنه «أنموذج صارخ غير مسبوق في السياسة التركية عن توظيف الدين في خدمة السياسة». وتقول إن استعانة إردوغان بالله هو «دليل على الخوف الذي ينتابه من نتائج الانتخابات، ومن خسارته لها أمام كمال كيليتشدار بالذات. لا يريد إردوغان أن ينهزم أمام كيليتشدار أوغلو، لذا لا تعرف خطاباته حدوداً، وهو الذي قال مرّة عندما كان رئيساً للحكومة: إن توظيف الدين في السياسة هو اعتداء على الدين». وتتساءل الكاتبة: «هل تلقّي الأوامر من الله هو الذي أدّى إلى هذا المستوى من الفقر في البلاد؟ وهو الذي أدّى إلى انهيار مؤسّسات الدولة، وإلى غرق الاقتصاد إلى درجة لم يعد باستطاعة المواطن شراء البصل والبطاطا؟ وهل الله هو المسؤول عن اللاعدالة في البلاد؟ وهل الله قال له إن المعارضة إرهابية؟».
يقول إردوغان إنه لا يتلقّى تعليماته من أحد، بل من الله أوّلاً ومن ثمّ الشعب


في المقابل، كان كيليتشدار أوغلو يردّ على إردوغان الذي اتّهم المعارضة بعدم الإيمان، بالقول: «أنْ تكون علويّاً ليس جريمة. أنا مسلم مخلص وأؤمن بالله وأؤمن بالرسول وأؤمن بالقرآن. أنا مسلم مخلص ولا أمدّ يدي إلى المال الحرام، ولا آكل حقّ العبد». وردّاً على اتهامه، في حال فوزه بالرئاسة بأنه سيغلق رئاسة الشؤون الدينية، قال كيليتشدار أوغلو إن «حزب الشعب الجمهوري هو الذي أسّس رئاسة الشؤون الدينية، فكيف له أن يغلقها الآن؟»، واعداً بتصحيح الوضع الاقتصادي من خلال كوادر المعارضة ذات الخبرة، وبأنه خلال ثلاث سنوات سيأتي باستثمارات تزيد على 300 مليار دولار، وسيعمل على فصل الدولة عن حزب الرئيس، بعدما حوّلها إردوغان إلى دولة الحزب. ويقول أوزغين آجار، في صحيفة «جمهورييات»، إن وعود إردوغان «ليست سوى رشى انتخابية من خزينة الدولة. وهي إعطاء الناس بالمجان الغاز الطبيعي لمدّة شهر، ومنْح المتقاعدين إكراميات وإعطاء الشباب عشرة غيغا إنترنت مجاناً، وتأسيس مصرف خاص بالعائلة والشباب، ورفع متوسّط الدخل الفردي من 8 آلاف إلى 16 ألف دولار، وتوفير 6 ملايين وظيفة جديدة»، مذكّراً بأن إردوغان، عشية كل انتخابات، يخفض أسعار الطاقة للمواطن، ومن بعدها ترتفع بصورة جنونية وينسى وعوده. وفي الصحيفة نفسها، يرى علي سيرمين أن المعارضة «لا تريد تغيير السلطة فقط، بل تغيير النظام»، مبدياً خشيته من أن تتواطأ السلطة مع القضاء لتزوير الانتخابات وتخريبها.
في المقابل، يقول برهان الدين دوران، في «صباح» الموالية، إن الانتخابات المقبلة ستكون مهمّة جدّاً، وخصوصاً لجهة تقرير العناوين الأساسية التي تواجهها البلاد. ويرى أن الناخبين، ولا سيما الشباب مسيّسون جدّاً، معتبراً أن وعود المعارضة ليست جدّية، إذ لا تجيب على الشكوك التي تُطرَح حول علاقتها بالإرهاب و«حزب العمال الكردستاني»، منتقداً أيضاً حملة الصحافة الأجنبية «المتعجرفة» ضدّ إردوغان. ويرى محمد عاكف صويصال، في الصحيفة نفسها، أن الانتخابات «ليست سوى استفتاء على استمرار إنجازات إردوغان»، معتبراً أن «الغرب يريد وقف صعود تركيا، والمعارضة تريد إعادتها إلى سنوات الأربعين من القرن الماضي». ولكن، بحسب صويصال، فإن «الأمّة لن تسمح بإعادة تركيا إلى الوراء، وسيبقى إردوغان قائداً لها... مستقبل الأمّة مرتبط بمستقبل إردوغان. لذلك، فإن هذه ليست انتخابات بل استفتاء». أمّا يوسف قبلان، في «يني شفق»، فيقول إن تركيا «تتعرّض لحصار خارجي، وهذه أخطر قضايانا. إذا خسرنا الانتخابات، ذهبت تركيا إلى العبودية». ويضيف إن «الأمّة لن تسمح للقوى الخارجية بإيقاف مسيرتها، وسيكون جوابها على مَن يريد تركيعها عالياً في 14 أيار المقبل».