يَنظر إردوغان إلى فوزه المحتمل في هذه الانتخابات، على أنه فرصة لتقوية موقعه
ولا يتيح النظام الانتخابي الجديد الذي أُقرّ قبل حوالي السنة، حظوظاً كبيرة للأحزاب الصغيرة التي تترشّح تحت شعاراتها الخاصة ولو من ضمن تحالفات، وهو ما يفسّر تخلّيها عن هذه الشعارات، كما هو حال أحزاب المعارضة المندرجة ضمن «تحالف الأمة»، وهذا يعني أن التحالفات موجودة داخل كلّ تحالف، كما هي قائمة بين الأحزاب. كذلك، يفرض النظام الانتخابي حصول أيّ حزب أو تحالف على 7% من الأصوات ليدخل البرلمان، فيما تتوزّع مقاعد الأحزاب داخل كلّ تحالف وفقاً لعدد الأصوات التي تنالها ضمن التحالف. ومن المتوقّع، بحسب استطلاعات الرأي، أن يحصل «الجمهور» على حوالي 42% من الأصوات، و«الأمة» على نسبة مشابهة، و«العمل والحرية» على حوالي 12%، فيما لا يُنتظر أن تحصل الأحزاب أو التحالفات الأخرى على نسبة السبعة في المئة، لتبقى بالتالي خارج البرلمان. وعلى الرغم من بعض الصلاحيات المؤثرّة التي لا يزال يحتفظ بها مجلس النواب، فإن حصر معظم السلطات، طبقاً لتعديلات الدستور عام 2017، بيد رئيس الجمهورية، يجعل الأنظار تتّجه إلى الانتخابات الرئاسية.
في هذا الميدان تحديداً، ثمّة ما يشبه معركة «كسر العظم» بين التيّارَين الإسلامي والعلماني ومعهما أطياف القوميين والأكراد، إذ ترى المعارضة أن «العدالة والتنمية» ألحق أضراراً كبيرة بالمنجزات العلمانية التي جاء بها أتاتورك وخلفاؤه، وعمل على تعزيز البعد الديني في الدولة والمجتمع من خلال تعديل مهمّة المؤسسة العسكرية وبنيتها، بحيث تصبح تابعة بالكامل للسلطة السياسية، وتَخرج من دورها التقليدي في حماية العلمانية، فضلاً عن تعديل المناهج والمراحل التعليمية، وتعزيز دور المعاهد الدينية، وفتح أبواب فرص العمل أمام خرّيجيها، وتعميم وتوسيع مفردات الخطاب الديني في المناسبات، وتحويل «كنيسة آيا صوفيا» إلى جامع. كذلك، ترى المعارضة أن إيلاء النزعة الإيديولوجية أولوية في تحديد السياسات الخارجية، وعلى رأسها سياسة «العثمانية الجديدة»، قد تَسبّب في تورّط تركيا في مغامرات خارجية جلبت لها عداوات كثيرة من سوريا والعراق، إلى مصر والخليج وليبيا، ناهيك عن اليونان وقبرص وشرق المتوسط. وبناءً عليه، تعتقد المعارضة أن الانتخابات المقبلة هي الفرصة الذهبية لـ«تصحيح الخلل»، وإعادة الاعتبار إلى علمانيّة الدولة، وتطبيق شعار «سلام في الوطن سلام في العالم» الذي رفعه أتاتورك وعنى به النأي بالنفس عن التورّط في المشكلات الخارجية.
أمّا إردوغان، فيَنظر إلى فوزه المحتمل في هذه الانتخابات، على أنه فرصة لتقوية موقعه، ودلالة على أنه انتصر على «الكون كلّه»، وفق ما بدأت تتنبّأ به خطب قيادات «حزب العدالة والتنمية». وبالتالي، ربّما يكون ذلك سبباً في عودته إلى التشدّد في بعض مواقفه، على اعتبار أن جانباً من «تنازلاته» السابقة كان بسبب حاجته إلى المال وتعزيز فرص فوزه في الانتخابات. وفي الانتظار، فإن الورقة الكبرى التي يحوزها إردوغان حالياً، هي تجيير الفضل في المشاريع الكبرى العائدة إلى الدولة في مختلف القطاعات، إلى دوره شخصياً، في حين سيكون سوء الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة «البطن الرخو» في جهوده للبقاء في الرئاسة، وخصوصاً أن 67% من الأتراك يرون أن القضية الأولى في المجتمع هي الأزمة الاقتصادية.
وفي آخر الاستطلاعات، يبرز ما جاءت به شركة «آسال»، التي أعطت إردوغان في الدورة الأولى 49.1%، وكيليتشدار أوغلو 46.3%، ومحرم إينجه 2.7%، وسنان أوغان 1.9%، ما يعني أن الأوّلَين سيبقيان للدورة الثانية، ليفوز إردوغان بالرئاسة بنسبة 50.8%، وينال كيليتشدار أوغلو 49.2%. أمّا الباحث المعروف في استطلاعات الرأي، بكر آغيردير، فيقول إنه كلّما تراجعت أصوات محرم إينجه وسنان أوغان في الدورة الأولى، كانت فرصة فوز مرشّح المعارضة من الجولة الأولى كبيرة، مضيفاً أن إمكانية اكتفاء الرئيس الحالي بهذه الجولة فقط «ضعيفة جدّاً». أمّا شركة «غيزي»، فترجّح ألّا يفوز أحد من الدورة الأولى، متوقّعةً تقدّم كيليتشدار أوغلو في الدورة الثانية بـ52.8%، مقابل 47.2% لإردوغان، في حين ترفع شركة «آقصوي» نسبة فوز مرشّح المعارضة في الدورة الثانية إلى 45.2%، مقابل 45.8% لإردوغان.