طهران | بعد فترة من الركود الذي طغى على الأحداث المتّصلة بالملفّ النووي الإيراني ومحادثات إحياء «خطّة العمل الشاملة المشتركة» الموقّعة في عام 2015، ثمّة تطوّرات تؤشّر إلى تصاعد التوتّر مجدّداً بين إيران والأطراف الغربيين. ونشرت وسائل إعلام غربية، أخيراً، تقارير تفيد بأن الأطراف الأوروبيين المشاركين في الاتفاق النووي (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، في صدد تفعيل «آلية فض النزاع» في حال واصلت إيران تخصيب اليورانيوم بنسب مرتفعة. ويعني ذلك، إذا تحقّق، أنه سيصار إلى إعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة ضدّ الجمهورية الإسلامية. في هذا الجانب، لفت علي واعظ، مدير «طاولة إيران» في «مجموعة الأزمات الدولية» - والذي تجمعه روابط وثيقة بالمبعوث الأميركي الخاص إلى إيران، روبرت مالي -، في تغريدة (29 نيسان)، إلى أن «ثلاث دول أوروبية، بدعوة من عشرة أعضاء منتخبين في مجلس الأمن الدولي، وضعت المجلس في صورة المشاورات المتعلّقة باستعمال آلية فض النزاع للقرار الرقم 2231 لإعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة، في حال تجاوزت إيران الخطوط الحمر النووية». كذلك، أشار كبير المفاوضين الروس، ميخائيل أوليانوف، إلى التحرّكات الغربية، قائلاً: «يبدو أن أميركا والثلاثي الأوروبي قرّروا القضاء على الاتفاق النووي الذي لا يزال يُعتبر إنجازاً كبيراً في مجال الحدّ من الانتشار النووي... كل يوم تأخير في استئناف محادثات فيينا، سيجعلنا أقرب إلى نقطة اللاعودة». واستتبع ذلك، ردّ فعل إيراني مُحذّر على لسان الناطق باسم الخارجية، ناصر كنعاني، الذي شدّد على أنه «إذا ارتكب الطرف الآخر سوء تقدير واتّخذ إجراءات غير منطقيّة بخصوص الاتفاق النووي ومسار المحادثات، فإنه يعلم علم اليقين، وفقاً للرسالة التي تلقّاها من إيران، ماذا سيكون عليه ردّ الفعل الإيراني في هذا الخصوص، والرسالة، في تقديري، مُعبّرة بما يكفي».وتأسيساً على البندَين 36 و37 للاتفاق النووي، فإنه في حالة رفْع أحد طرفَي الاتفاق شكوى لدى اللجنة المشتركة لحلّ الخلافات، وعدم تسوية هذه الشكوى في غضون 35 يوماً، يصبح في مقدور مُقدِّم الشكوى إحالة القضيّة على مجلس الأمن، باعتبار ذلك تجاوزاً للاتفاق، وسيكون على الأخير التصويت في غضون 30 يوماً على قرار يقضي بـ«إلغاء تعليق العقوبات على إيران». كما يتضمّن الملحق الأول للاتفاق، آلية تكفل وصول «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إلى المواقع المشتبه فيها، في غضون 24 يوماً عن طريق اللجنة المشتركة المعيّنة. وعلى هذا الأساس، فإن نتيجة عدم تعاون إيران هي تشغيل آلية معالجة الخلافات والعودة المحتملة إلى عقوبات الأمم المتحدة. ويطلَق على هذين الشرطَين الواردَين في الاتفاق النووي تسمية «آلية فض النزاع» (Trigger Mechanism) أو العودة التلقائية إلى العقوبات (Snapback). وما هو لافت أن «الفيتو» الروسي والصيني لن يحول دون تنفيذ الآلية، ذلك أن القرار الذي سيصوّت عليه مجلس الأمن الدولي هو «استمرار إلغاء العقوبات».
كثُر الحديث من قِبَل الأطراف الغربيين عن احتمال استخدام «آليّة فضّ النزاع»، مع تعثُّر مفاوضات إحياء الاتفاق النووي


وكثُر الحديث من قِبَل الأطراف الغربيين عن احتمال استخدام «آلية فض النزاع»، مع تعثُّر مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، منذ صيف العام الماضي. وخلال هذه المدّة، قامت إيران بتطوير برنامجها النووي، حتى إن تقارير حديثة أشارت إلى أن التخصيب يتمّ بنسبة تفوق الـ 80%، وهي أقلّ بقليل من النسبة اللازمة لصُنع قنبلة نووية. وتعتبر إيران تطوير برنامجها النووي، بما يتجاوز إطار الاتفاق، إجراءً تعويضيّاً بعد الانسحاب الأميركي من الصفقة.
ويلفت الباحث في مجال السياسات العامة الحكومية في جامعة «فيرجنيا تك» الأميركية، يوسف عزيزي، إلى أن التوعُّد بتفعيل «آلية فض النزاع»، يُطرح دائماً من قِبَل الأوروبيين عشيّة الاجتماعات الدورية لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، بهدف «ممارسة الضغط على إيران لتقييد برنامجها النووي، والتعاون مع الوكالة الدولية لتمارس الأخيرة مزيداً من الرقابة». ويرى، في حديث إلى «الأخبار»، أن تفعيل الآلية وعودة العقوبات الأممية ثانيةً على إيران يعني «الموت التام للاتفاق النووي»، مبيّناً أن «ردّ الفعل الإيراني على هذا القرار سيكون حتميّاً، ويمكن أن يتمثّل في زيادة النسبة المئوية وحجم تخصيب اليورانيوم، واختبار الصواريخ المتطوّرة القادرة على حمل رؤوس نووية، أو حتى الانسحاب من معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية (NPT)». وبحسب المحلّل المختصّ في الشأن الإيراني، فإن «عودة العقوبات الأممية على إيران مجدّداً، ستفافم الأزمة، وستدفع طهران في اتّجاه تطوير برنامجَيها النووي والصاروخي بشكل شامل، ومن دون أيّ قيود». ويقول: «هذه القضيّة لا تنطوي على فائدة بالنسبة إلى الطرف الغربي، لأنها ستزيل، على أقلّ تقدير، عمليات مراقبة البرنامج النووي الإيراني؛ ومن جهة أخرى، فإن تكاثر الأزمات، بما فيها الحرب الأوكرانية وتدهور الوضع الاقتصادي في أوروبا، يمكن أن يحولا دون تحرُّك الأوروبيين في اتّجاه خلْق أزمة جديدة».
من جهته، يستبعد علي أكبر داريني، مؤلّف كتاب «الردع المشروع» (Legitimate Deterrence) حول البرنامج النووي الإيراني والذي صدر في كندا عام 2017، تفعيل «آلية فض النزاع» حاليّاً، لأن «أثمانها ستكون أكبر من منافعها بالنسبة إلى الغرب». ويقول، في حديث إلى «الأخبار»، إن «إسرائيل هي التي تسعى أكثر من أيّ طرف آخر لإقناع أوروبا وأميركا بتفعيل الآلية، لأنه، من وجهة نظرها، يجب أن يكون ثمّة +تهديد محدق+ يردع إيران ويرغمها على التراجع عن برنامجها النووي، وقد ازداد القلق الإسرائيلي بعد ظهور علامات ومؤشرات إلى رفع نسبة التخصيب إلى 84%». ويضيف إنه «في ضوء تطوّرات مثل خفض الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، والحرب الأوكرانية، وإيجاد أقطاب أمنية جديدة في العالم، وأولوية احتواء الصين بالنسبة إلى الغرب، فمن المستبعد أن تكون أوروبا في صدد إثارة أزمة جديدة. من جهة أخرى، تتجّه إيران نحو قطْع التعاون مع الوكالة الدولية أو الانسحاب من معاهدة الحدّ من الانتشار النووي، وهذا سيكون مكلفاً فعلاً للغرب الذي يريد ممارسة الرقابة والإشراف على البرنامج النووي الإيراني». ويستبعد هذا المحلّل السياسي، في الوقت ذاته، إحياء الاتفاق النووي، إذ إن «الأميركيين لا يبدون حرصاً على العودة إلى اتفاق عام 2015، وهم قالوا إن هذا الاتفاق لم يَعُد يمثّل أولوية بالنسبة إليهم. إنهم يريدون اتفاقاً آخر يتضمّن قضايا أخرى مثل الموضوع الصاروخي والنفوذ الإقليمي الإيراني، الأمر الذي ترفضه طهران، لأنها تعتبر أنه سيقضي على قدرتها للردع». ويرى داريني أن «الاتفاق النووي لقي حتفه، لكن لم يتم الإعلان عن موته، لأن الإعلان بحاجة إلى بديل ليس متوفّراً حاليّاً، لذلك، فإن الطرفين يفضّلان، راهناً، استمرار المناخ الحالي، أي اللاحرب واللاسلم».