منذ أن اندلعت موجة الاحتجاجات الأخيرة في إيران (أيلول 2022)، في أعقاب وفاة الشابة مهسا أميني في أحد مراكز الشرطة في طهران، عملت المعارضة الإيرانية المقيمة خارج البلاد على استغلالها، بغية تحقيق غايتها في إطاحة نظام الجمهورية الإسلامية المنبثق من ثورة عام 1979، ضدّ النظام الشاهنشاهي. ولهذه الغاية أيضاً، حشدت المجموعات المعارِضة، على اختلاف توجّهاتها - ملكيّون وجمهوريون و«مجاهدو خلق» إلى جانب المجموعات اليسارية والأحزاب القومية الكردية والآذرية والعربية -، جلّ طاقاتها وإمكاناتها؛ فخرجت في تظاهرات في عدد من الدول، ولا سيما الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا، لمطالبة هذه الدول بقطع علاقاتها مع إيران وتكثيف عقوباتها وضغوطها عليها. على أن ما يُفرّق هذه المجموعات أكثر بكثير من الذي يجمعها، إذ هي تلتقي فقط على مناهضة النظام الإسلامي، لكنّها تختلف على أساليب العمل والمعارضة، وكذلك نموذج حُكم ما بعد الجمهورية الإسلامية.وفي العاشر من شباط الماضي، جمع لقاء، هو الأوّل من نوعه، عدداً من وجوه المعارضة، في جلسة عُقدت في جامعة «جورج تاون» في واشنطن، حضرها كلّ من ابن الشاه المخلوع رضا بهلوي، وحامد إسماعيليون (الناطق باسم «جمعية أسر ضحايا الطائرة الأوكرانية» التي أُسقطت عام 2020)، والناشطتين مسيح علي نجاد ونازين زاغري، وانضمّ إليهم افتراضيّاً كلّ من شيرين عبادي (حائزة جائزة «نوبل» للسلام)، والأمين العام لحزب «كومله» لكردستان إيران عبد الله مهتدي، والممثّلة السينمائية كلشيفته فراهاني، واللاعب السابق في المنتخب الوطني الإيراني لكرة القدم علي كريمي. وهدف اللقاء المذكور إلى تخطّي الجمهورية الإسلامية، والعمل على استقطاب الدعم الدولي للاحتجاجات في إيران. وبعدها بأيّام (17 شباط)، شارك ثلاثة من هؤلاء (بهلوي وعلي نجاد وبنيادي) في «مؤتمر ميونيخ للأمن»، وتحدّثوا عن الجهوزية لـ«إيران من دون الجمهورية الإسلامية»، وهي المرّة الأولى التي يدعو فيها منظّمو هذا المحفل الدولي وجوهاً معارِضة بدلاً من الدبلوماسيين الإيرانيين.
وبعد حضوره «مؤتمر ميونيخ»، زار رضا بهلوي فرنسا، حيث التقى عدداً من السيناتورات يوم 21 شباط، فيما اجتمعت مسيح علي نجاد وحامد إسماعيليون، في اليوم ذاته، بنواب إيطاليين، وألقيا كلمة أمام مجلس الشيوخ الإيطالي. وفي الـ 27 منه، غادر بهلوي فرنسا متوجّهاً إلى بريطانيا، حيث شارك في اجتماع لمجلس العموم، وفي لقاء نظّمته جامعة «أكسفورد». ومثّلت كلمته أمام «البرلمان الأوروبي» في بروكسل، آخر محطّات جولته الأوروبية. ولاحقاً، في السابع من آذار الماضي، أعلن إسماعيليون مغادرته منصب أمين جمعية أسر ضحايا الطائرة الأوكرانية، ليساهم «بشكل أنشط» في ما سمّاه «الثورة الشعبية ضدّ الجمهورية الإسلامية». وصدر عن كل من بهلوي وإسماعيليون وعلي نجاد وبنيادي وعبادي ومهتدي (10 آذار)، بيان حمل عنوان «التضامن والتنظيم لتحرير إيران» تحت الاسم المصغّر «مهسا»، وفيه دعوة إلى «التكاتف لانتصار ثورة المرأة، حرية، حياة»، و«إطاحة الجمهورية الإسلامية»، و«الوصول إلى إيران حرّة وديموقراطية».
لكن رضا بهلوي لفت، في تصريحات (10 نيسان) انتقادية، إلى أنه لا يوجد اتّفاق بين الأعضاء الآخرين لـ«بيان مهسا» في شأن انضمام أفراد جدد إليه، موضحاً أنه لا يقيّد نشاطه بالتعاون مع مجموعة بعينها. وبعدها توجّه في زيارة إلى إسرائيل (17 نيسان)، حيث التقى عدداً من كبار مسؤوليها، بمَن فيهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. من جهته، قال إسماعيليون، في تغريدة (21 نيسان)، إن ثمّة «ضغوطاً خارجية» تمارَس على أعضاء «تحالف جورج تاون»، معلناً تنحّيه. وأضاف إن «فرْض الآراء لا موقع له في الديموقراطية، وأن يوافق جميع أعضاء الفريق، لا عضو واحد منه فحسب، يُعدّ من شروط الحركة الديموقراطية». وإسماعيليون شخصيّة لها موقعها بين معارضي النظام الإيراني، إذ كان أول تجمُّع كبير للإيرانيين المقيمين في الخارج، أُقيم بدعوة منه في خريف العام الماضي في برلين، بالتزامن مع الاحتجاجات.
وأَبرزَ انسحاب رضا بهلوي وحامد إسماعيليون من «بيان مهسا»، بعد فترة وجيزة من تشكيله، بوضوح، التحدّي المتمثّل في غياب الاتحاد والانسجام وقدرة العمل بين أفرقاء المعارضة، ما يُعدّ خبراً سارّاً بالنسبة إلى مسؤولي الجمهورية الإسلامية. لكن هذه المجموعة ليست التحالف الوحيد ضدّ الجمهورية الإسلامية في الخارج. ففي 9 آذار، بادرت خمسة أحزاب ومنظّمات جمهورية إيرانية معارِضة، إلى تشكيل تحالف بعنوان «التعاضد من أجل جمهورية علمانية ديموقراطية في إيران» بهدف تخطّي الجمهورية الإسلامية. كما عقدت المجموعات اليسارية المعارضة، اجتماعاً، يوم 22 نيسان، في مدينة كولونيا الألمانية. وخلال الأسبوع الماضي، التأم عدد من النشطاء السياسيين من الداخل والخارج الإيرانيَّين، في ملتقى افتراضي عنوانه «الحوار من أجل إنقاذ إيران» ليبيّنوا آراءهم ومواقفهم. وهو العنوان المقتبس من بيان صدر عن مير حسين موسوي، زعيم الاحتجاجات التي اندلعت عقب انتخابات 2009 الرئاسية وأُطلق عليها حينها اسم «حركة الخضراء». وموسوي الموجود في الحجز المنزلي في إيران، دعا، على مدى سنوات طويلة، إلى تطبيق دستور الجمهورية الإسلامية من دون تنازل، بيد أنه عاد وطالب، في شباط الماضي، بالتعاون بين القوى «من أجل إنقاذ إيران» وتشكيل «مجلس تأسيسي».
ويبدو أنه على النقيض من تحرّكات الأسابيع الأولى التي أعقبت احتجاجات الخريف الماضي، فإن مضيّ الوقت، ساهم في المزيد من التبعثر والخلافات بين الشخصيات والتيارات المعارضة للجمهورية الإسلامية. في المقابل، يبدو أن الأثر الباهت للمعارضة وتشتُّتها وافتراقها، يدفع الدول الغربية إلى التحلّي بمزيد من الحذر في دعمها. ويتّضح ممّا تقدَّم أن مشروع قلْب نظام الجمهورية الإسلامية، وعلى النقيض من بروباغاندا الأشهر الماضية، لن يكون سهلاً، وأن أمام المعارضة مشواراً صعباً في هذا المجال!