طهران | بالتزامن مع الانفراج الذي تَحقّق على الصعيد الإقليمي، وتحسُّن العلاقات بين إيران ودول عربية، على رأسها السعودية، بدأت إسرائيل، المتخوّفة من انكسار مشروعها الرامي إلى عزل إيران، تصعيد ضغوطها على الأخيرة في الميادين السياسية والدبلوماسية. فعلى صعيد التقارب مع دول منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، افتتحت تل أبيب، الأسبوع الماضي، سفارتها في العاصمة التركمانستانية عشق أباد، التي تبعد نحو 20 كيلومتراً عن الحدود الإيرانية. وتقوم السياسة الرسمية لتركمانستان على الحياد في العلاقات الدولية، وعليه فهي ليست عضواً في أيّ معاهدة عسكرية أو سياسية، لكنها تقيم علاقات دبلوماسية منذ 30 عاماً مع إسرائيل، التي ظلّت بعثة دبلوماسية مؤقّتة منها موجودة في تلك الدولة، إلى ما قبل افتتاح السفارة. وعليه، فإن هذه الخطوة الأخيرة تمثّل قفزة على صعيد تقارب إسرائيل مع الدول الجارة لإيران.وتقع تركمانستان، التي تملك احتياطات ضخمة من الغاز، تُعدّ الصين أكبر مستورد لها، شمالي شرقي إيران، وتربطها بالأخيرة حدود مشتركة يزيد طولها على 1400 كيلومتر. أمّا علاقاتها التجارية مع جارتها، فهي متضائلة وتكاد لا تُذكر؛ إذ ثمّة خلافات بينهما بشأن استثمار مصادر الطاقة في بحر قزوين (خزر)، حيث أدّى امتناع طهران عن التوقيع على اتّفاقية الدول المشاطئة لبحر قزوين حول مصادر هذا البحر، إلى عرقلة خطط عشق أباد وبرامجها لإنشاء خطّ أنابيب لتصدير الغاز إلى أوروبا. وفي ظلّ هذا الخلاف، تتقدّم إسرائيل لتوثيق علاقاتها مع تركمانستان والتعاون معها في مجالات مِن مِثل الزراعة وإدارة الموارد المائية والطب والتكنولوجيا. غير أن الوجود الإسرائيلي في المنطقة يتخطّى الجانب الاقتصادي، وتكمن أهميته الاستراتيجية في الاقتراب جغرافياً من إيران بوصفها العدو الرقم واحد لإسرائيل. وزار وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، شخصياً عشق أباد للمشاركة في حفل افتتاح السفارة، وقال، في ذلك الحين في تغريدة له: «لقد جئتُ لأفتتح سفارة لإسرائيل تبعد 17 كيلومتراً عن الحدود الإيرانية».
استضافت إسرائيل، الأسبوع الماضي، رضا بهلوي، ابن شاه إيران السابق


وقبل أن يصل إلى تركمانستان، زار كوهين أذربيجان، المجاورة هي الأخرى لإيران، والتي افتتحت بدورها سفارة لها في تل أبيب حديثاً، وذلك في ذروة التصعيد والتوتّر بينها وبين طهران، حيث أغلقت سفارتها هناك في المقابل. ويُمثّل تطوير العلاقات مع البلدان الإسلامية والعربية جزءاً من مشروع إسرائيل العام الرامي إلى إخراج دولة الاحتلال من عزلتها. وفي هذا السياق، فإن تهميش إيران يشكّل غاية مهمّة بالنسبة إلى تل أبيب، إلى جانب الإجراءات العسكرية والتخريبية ضدّ البرنامج النووي والعسكري الإيراني، وخصوصاً أن خفض التصعيد بين طهران والعواصم العربية يضرّ بتل أبيب. وفضلاً عن تركمانستان، فإن إسرائيل تقيم في الوقت الحاضر علاقات رسمية مع جيران إيران، أي جمهورية أذربيجان وأرمينيا وتركيا، ولديها سفارات في عواصم هذه الدول. كما تقيم علاقات رسمية مع بلدَين في جنوب الخليج هما: البحرين والإمارات، ولديها أيضاً سفارة في كليهما، إلى جانب امتلاكها صِلات غير رسمية مع بلدَين آخرَين في المنطقة، هما سلطنة عمان وقطر.
على خطّ موازٍ، استضافت إسرائيل، الأسبوع الماضي، رضا بهلوي، ابن شاه إيران السابق، والذي يُعدّ أهمّ وجه في المعارضة الإيرانية في الخارج. وزار رضا فلسطين المحتلّة بدعوة رسمية من وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية، جيلا غامليل، والتقى أيضاً رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، معلِناً أن الهدف من زيارته هو «المساهمة في إقامة الديموقراطية في إيران». وهذه هي المرّة الأولى التي يزور فيها وجهٌ إيراني مُعارض معروفٌ، إسرائيل ويلتقي كبار مسؤوليها. وفي ظلّ النظرة السلبية التي يختزنها المجتمع الإيراني تجاه إسرائيل، فإن الوجوه المعارضة اعتمدت، إلى الآن، توجّهاً مشوباً بالحيطة والحذر إزاء التقارب مع الكيان. ولذلك، لم تكن زيارة رضا بهلوي لتل أبيب متوقّعة، واستتبعتها ردود فعل مندّدة كثيرة، حتى من قِبَل عدد من المعارضين.
وفي هذا الإطار، قال علي أفشاري، وهو معارض مقيم في واشنطن، إن «قبول دعوة أكثر الحكومات تطرّفاً في تاريخ إسرائيل، والتي يعارضها معظم الإسرائيليين، لا تمثّل فخراً، بل هي مدعاة خزي وذلّ ومهانة». كما انتقدت مجكان نوي، الصحافية الإسرائيلية المتحدّرة من أصول إيرانية، خطوة نجل الشاه التي تنطلق من مبدأ أن «عدو عدوي صديقي»، وقالت: «إن أبا هذا الرجل (محمد رضا شاه) أسّس السافاك (جهاز الاستخبارات الإيراني في عهد الشاه) بمساعدة إسرائيل، والآن يزور ابنه، الذي يتحدّث عن الديموقراطية، الدولة التي تقمع وتضطهد ملايين الفلسطينيين بأساليب السافاك نفسها». وفي ظلّ تراجع الاحتجاجات في إيران، ومحاذرة مسؤولي الدول الغربية الالتقاء بشخصيات المعارضة الإيرانية، يبدو أن زيارة رضا بهلوي لفلسطين المحتلّة تهدف إلى استقطاب دعم سياسي ومالي جديد للمعارضة، وخاصة أن إسرائيل لديها دوافع كثيرة لدعم المعارضين، وتصعيد الضغط من خلالهم على طهران.