يبدو الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مستعدّاً لفعل أيّ شيء ممكن ليفوز بالرئاسة مجدّداً، وليلقّن «عديمي الدين درساً لن ينسوه»، كما قال. وتأتي الإشارة المتكرّرة إلى الدِين - الإيمان تارةً، ووصف الخصوم بـ«الكفّار» تارةً أخرى -، في صلْب الحملة الانتخابية لرئيس الجمهورية، لاسيما وأنه ينافس مرشّحاً علويّاً هو كمال كيليتشدار أوغلو، تحدّاه في أكثر من مناسبة لـ«الاعتراف» بمذهبه، وهو ما فعله بالضبط مرشّح المعارضة من خلال مقطع مصوّر تحدّث فيه عن انتمائه العقائدي. وفي موازاة العزف المستمرّ من قِبَل إردوغان على وتر الانتماءات المذهبية، لا يفتأ الرئيس يكدّس وعداً تلو آخر، مستعيناً بالمال العام، علّه يعزّز حظوظه التي لا تزال تبدو متساوية مع غريمه
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والنيابية في تركيا، تُسجّل حملات المرشّحين تطوّرات، بعضها مثير للجدل، وآخر يدخل في خانة المفاجآت التي يخبّئها هؤلاء. على أن حدثَين جذبا الاهتمام في الأيام القليلة الماضية: تَمثّل الأول في نشْر مرشّح المعارضة، كمال كيليتشدار أوغلو، مقطعاً مصوّراً يقول فيه إنه علوي ومؤمن، يحبّ الله ومحمداً وعليّاً، استهدف على ما يبدو غايتَين: الأولى، استباق فتْح الرئيس رجب طيب إردوغان، ملفّ الانتماء العقائدي لمنافسه، وابتزازه علناً بأنه علوي على افتراض أن ذلك قد يقلّل، وفق اعتقاد الرئيس، من حجم التصويت السنّي لمرشّح المعارضة، والثانية، إجابة إردوغان على إلحاحه المستمرّ وتحدّيه منافسه بأن «يعترف» علناً بأنه علوي. في ما يتّصل بالغاية الأولى، بدا كيليتشدار أوغلو شجاعاً، إذ إنه سعى ليؤكد أن «تركيا الحديثة» لا تُبنى على الانتماء المذهبي، مشهراً أنه مرشّح علوي الانتماء، علمانيّ السلوك، وفي الوقت نفسه مؤمن يحترم المعتقدات الدينية، وسيكون له نوّاب سبعة (خمسة رؤساء أحزاب، ورئيسا بلديتَي أنقرة وإسطنبول)، كلّهم من السنّة. وقد انبرى نوّابه المحتمَلون، ولا سيما رئيس «حزب السعادة» الإسلامي، تيميل قره مللا أوغلو، لتقدير موقفه، حتى ظَهر وكأن كيليتشدار أوغلو «انتصر» في معرض المكاشفة والمصارحة. أمّا الغاية الثاني، ففي أعقاب انتهاء «التحدّي» لصالح غريمه، قد يحاول إردوغان إعادة النقاش إلى دائرة التمييز بين المذاهب، وذلك حتى لا يصوّت بعض القاعدة السنيّة لمرشّح المعارضة، وهو ما سيمثّل تحدّياً إضافياً للأخير.
أمّا الحدث الثاني، فتمحور حول توالي «المكرمات» و«الصدقات» التي يُغدقها إردوغان على مواطنيه من المال العام عشيّة الاستحقاق الانتخابي. وفي هذا الإطار، دشّن رئيس الجمهورية، قبل أيام، إنتاج أول دفعة من الغاز الطبيعي المستخرَج من أحد الحقول المكتشَفة في المنطقة الاقتصادية التركية في البحر الأسود. وجاء الاحتفال مَهيباً، ليضع تركيا أمام بداية التحوّل إلى دولة غاز طبيعي. وفي هذه المناسبة، أَعلن إردوغان عن مكرمتَين: منْح جميع الأتراك شهراً مجانيّاً من إمدادات الغاز الطبيعي للمنازل، ومنْح 25 متراً مكعّباً من الغاز كلّ شهر، وعلى مدى سنة، لكلّ وحدة سكنية لديها اشتراك بالغاز الطبيعي، على أن يبدأ الشهر المجاني فوراً (20 نيسان - 20 أيار). وتعليقاً على ما تقدَّم، تحدّث بعض خبراء النفط والغاز الطبيعي عن استحالة أن ينفّذ إردوغان وعده في شأن الغاز الطبيعي المستخرَج من الحقل المكتشَف حديثاً (قبل أشهر قليلة)، ولا سيما أن الكميّة المستخرَجة لا تكفي حتى ربع المدّة المعلَنة، فمن أين له أن يؤمّن الكمية الكبرى المتبقّية من الغاز للمنازل؟
وفي محاولتها إجابة ذلك السؤال، اعتبرت رئيسة «الحزب الجيّد»، مرال آقشينير، أن «خبر استخراج الغاز الطبيعي، إنْ كان صحيحاً، هو بشرى سارّة لجميع الأتراك». ولكن ما يُخشى منه، وفق ما أضافت، هو أن تكون هذه «لعبة من (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين»، في ما يستبطن تلميحاً إلى أن هذا الأخير ربّما وفّر الكميّة المطلوبة من الغاز لحليفه، من أجل مساعدته على الفوز في معركته الرئاسية. ويلفت خبير الطاقة، نجدت بامير، من جهته، الانتباه إلى وجود «22 وحدة سكنية مشتركة بإمدادات الغاز الطبيعي. وإذا مُنح كلّ مشترك 25 متراً مكعّباً منه شهرياً، على مدار عام، لتوجَّب تأمين ستة مليارات متر مكعّب، فيما الإنتاج بالكاد يصل، خلال هذه السنة، إلى مليار متر مكعّب واحد، وبالتالي لا يمكن تنفيذ الوعود». ويرى أن هذه الوعود تدخل في إطار «الحملة الانتخابية، ولا يمكن تطبيقها على أرض الواقع». ويشير أيضاً إلى أنه لا يمكن الحُكم على كميات الغاز الموجودة من فتح بئر واحدة، إذ إن الأمر يتطلّب أن يتمّ فتح 8 إلى 10 آبار، ومن بعدها يمكن الحديث عن توفير كميات كافية من الغاز. ووفق تقديرات خبراء الحكومة، فإن كميات الغاز الكامنة في الحقول المكتشَفة تُقدّر بنحو 710 مليارات متر مكعّب، علماً أن 44% من واردات تركيا من الغاز الطبيعي تأتي من روسيا، فيما تنتج تركيا، من حقول مختلفة، حوالى 400 مليون متر مكعّب.
رجّحت غالبية شركات استطلاعات الرأي ألّا تُحسم النتيجة في الدورة الأولى


بدوره، ينتقد الصحافي المعروف، فاتح ألتايلي، وعد إردوغان، قائلاً إنه لا يمكن اعتباره «بشرى»، بل «مكرمة وصدقة»، ذلك أنه يعادل رشوة الناخبين بخمسة ليرات (ربع دولار) يوميّاً. وبحسب ألتايلي، فإن «إردوغان يكرّر، منذ سنة، أنه سيمنح كلّ مشترك بالغاز 25 متراً مكعّباً مجاناً، وهذا كان أمراً مخطَّطاً له وليست له علاقة بأيّ اكتشاف للغاز». ويضيف: «كيفما نظرتَ إلى الأمر، فهو صدقة، حتى لو أعطيتها إلى متسوّل على الطريق لن تكفيه». وتحتاج تركيا سنوياً إلى 60 مليار متر مكعّب من الغاز، منها 25% لمحطّات الكهرباء، و15% للصناعة، و16% للمنازل، وفق ألتايلي. أمّا الغاز المستخرَج الآن، فيبلغ 10 ملايين متر مكعّب يوميّاً، أي 3.5 مليارات متر مكعّب سنويّاً، أي أنه بالكاد يلبّي 6% من حاجة تركيا التي تستورد تقريباً جميع احتياجاتها من الغاز الطبيعي. وفي الاتّجاه نفسه، يقول الكاتب مراد يتكين إن حاجة عائلة مؤلّفة من أربعة أفراد للغاز الطبيعي، تُقدّر شهريّاً بـ125 متراً مكعّباً، فيما يرتفع الاستهلاك خلال فصل الشتاء إلى 250 متراً مكعّباً، ما يعني، بحسبه، أن إعفاء العائلة من ثمن 25 متراً مكعباً في الشهر لا يساعد عمليّاً في شيء، إذ يعادل تقريباً 75 دولاراً أميركيّاً في السنة.
وكان كيليتشدار أوغلو انتقد وعود إردوغان، قائلاً إن «الدولة تتعهّد ولا تَعِد، لأن المال الذي لدى الدولة هو مال الشعب وليس مال الشخص»، معتبراً أن الرئيس «نسي الشعب خلال أزمة كورونا والحرائق والانهيار الاقتصادي والزلزال، ولم يستطع أن يفعل شيئاً، فهل يريد الآن أن يتذكّر الشعب؟». وفي الإطار نفسه، رأى أحمد آقين، نائب رئيس ملفّ الطاقة في «حزب الشعب الجمهوري»، أن وعود إردوغان جوفاء، لأنه هو نفسه من فَرض زيادات على أسعار الغاز الطبيعي، خلال السنتَين الماضيتَين، 17 مرّة، ما ضاعَف سعر الغاز مرّتَين. أمّا رئيس «اتحاد غرف الهندسة»، أوغوز تورك يلماز، فعدّ تلك الوعود دعاية انتخابية، لافتاً إلى أن العين الآن على مفاعل «آق قويو» النووي في مرسين، والذي سيُفتتح عشيّة الانتخابات. كذلك، انتقدت المعارضة، إردوغان، لأنه يَستخدم الجوامع مكاناً للدعاية ضدّها. وفي احتفال ترميم جانب من جامع السلطان أحمد في إسطنبول، أدّى الرئيس الصلاة هناك، مع أركان الدولة الآخرين، متّهماً المعارضة بأنها «بلا إيمان»، وبأن «صيحات الاستهجان ضدّها لا تكفي، بل على الشعب أن ينزل صباح 14 أيار إلى صناديق الاقتراع ويلقّن عديمي الإيمان ومثليّي الجنس درساً لا ينسونه».
وفي آخر أرقام استطلاعات الرأي، رجّحت غالبية الشركات ألّا تُحسم النتيجة في الدورة الأولى، بل في جولة الإعادة في الـ28 من أيار، حين سيكون اتّجاه التصويت للكتلة التي ستصوّت لمحرم إينجه في الدورة الأولى - وتُقدَّر بنحو 7% -، ولسنان أوغان - وتُقدَّر بـ2% -، عاملاً حاسماً في ترجيح كفّة إردوغان أو كيليتشدار أوغلو. وفي الانتظار، أعلنت ثلاث شركات استطلاع تقدُّم إردوغان في السباق إلى الرئاسة من الدورة الأولى، وهي: «غينار» التي قالت إن الرئيس الحالي سيفوز بنسبة 51.7%، في مقابل 48.3% سيحصل عليها منافسه؛ و«أوبتيمار»التي أعطت الأول 51.2%، والثاني 39.2%، و9% لمحرم إينجه، فيما توقّعت شركة «صونار» تقدُّم إردوغان في الدورة الأولى بنسبة46.1%، مقابل 44.1% لكيليتشدار أوغلو، و7.7% لإينجه. كذلك، أَظهرت استطلاعات ستّ شركات تقدُّم مرشّح المعارضة في الدورة الثانية، وهي: «أوراسيا»: كيليتشدار أوغلو 53.5% - إردوغان 39.7%، «آقصوي»: 55.6% - 44.6%، «بيار»: 57.1% - 42.9%، «ألف»: 55.1% - 42.9%، «غيزجي»: 53.4% - 43.2%، «تقرير تركيا»: 54.5% - 45.6%. وأَظهرت ستّ شركات أخرى تقدُّم كيليتشدار أوغلو في الدورة الأولى، وهي: «أر-غ»: 49.2% لمرشّح المعارضة - 45.6% لإردوغان، «ساروس»: 42.6% - 41.1%، «متروبول»: 46.9% - 45.2%، «يونيليم»: 48.6% - 43.0%، «أ ر س»: 48.9% - 41.5%، «ماك»: 49.8% - 45.5%.