تكوين النظام المجتمعي في إسرائيل هو واحد من أبرز عوامل ضعفها
ماذا يعني كلّ ذلك؟ يجيب محمد، في حديثه إلى «الأخبار»، بأن «ظهور هذه الشروخات في مجتمع مصطنع، يعني أن هذا البناء، الذي يمتلك بمجموعه خياراً ثانياً، أي جواز سفر بديل، بات يعيش تهديداً حقيقياً لقناعة أبنائه بمستقبل البقاء وجدوى التضحية»، فيما يعتقد الباحث السياسي، مجد ضرغام، بأن «مقارنة جبهة الاحتلال الداخلية، بحواضن المقاومة في غزة والضفة ولبنان وسوريا، والتي لم يجبرها تراكم الضغوط والحروب والتوتّر المستمرّ منذ عشرات السنين، على ترك الأرض والتفكير بالرحيل، تقدّم الفارق بين الجبهتَين»، كما يقول لـ«الأخبار»، مذكّراً بأنه «في غزة، لم يفكّر مليونا إنسان بالرحيل، وفي لبنان، دفعت المقاومة ثمن التحرير بالدماء (...) الجندي الذي يقاتل في المعركة، وهو يمتلك وعائلته خياراً ثانياً، لا يكون بذات حماسة صاحب الحق، الذي تنحصر خياراته في النصر أو الموت».
صحيح أن البناء أو الضرب على هذا الوتر، يحمل طابعاً تراكمياً، إلّا أنه لا شيء يمنع من تخيّل ما سيكون عليه مجتمع الاحتلال في حال اندلعت حرب متعدّدة الجبهات، إذ إن سقوط آلاف الصواريخ من لبنان وغزة وسوريا والعراق واليمن، في وقت تتأهّب فيه قوات برّية للعبور وإنْ بشكل مؤقّت في داخل الجليل والجولان والمستوطنات المحاذية للقطاع، وتتكاثف تفاصيل مشهدية ذات طابع وجودي لم تعشها إسرائيل منذ تأسيسها، هي التي ستدفع مَن احتلّوا هذه البلاد إلى إعادة حساباتهم. لا يعني ذلك أن 6 ملايين مستوطن جُمّعوا من أشتات الأرض طوال 75 عاماً، سيحزمون حقائبهم ويغادرون البلاد دفعة واحدة في أعقاب أيّ حرب شاملة مقبلة، بل إن المأمول من هكذا مواجهة، هو ذاته المأمول من أيّ عملية إطلاق نار على إحدى مستوطنات الضفة الغربية، وأيّ صاروخ يُطلَق من غزة على «عسقلان» أو «سديروت»، أي رفع كلفة بقاء الاحتلال بشرياً واقتصادياً، وتهشيم منظومته الداخلية، وإضعاف سيادته على الأرض، وهي أهداف لا تُحقّقها جولة واحدة أو جولات متعدّدة وإنْ كانت نوعية، إنما تؤسّس لها. غير أن الفارق المبشّر هذه المرّة، هو أن المجتمع الإسرائيلي الذي ظلّ طوال تاريخ الحروب مع الجيوش العربية، خارج دائرة الشعور بثقل الحرب، سيصبح بفضل «غابة من الصواريخ» تطوّق حدوده، جزءاً منها، بينما عوامل جذب الاستثمار والمهاجرين الجدد فضلاً عن السيّاح ستتخلخل، لتصبح إسرائيل، في نهاية المطاف، بيئة طاردة لكلّ مقوّمات البقاء.