غزة | على رغم مواصلة جيش الاحتلال جهوده لصناعة أدوات دفاع استراتيجية، واعتماده مبدأ تقوية المنظومات الدفاعية المتوافرة لديه للتأمين الجوي والبري والبحري، إلّا أن المقاومة الفلسطينية لم تتوقّف عن اختراع وسائل لتجاوز تلك الدفاعات، وعلى رأسها «حيتس» و«مقلاع داوود» و«القبة الحديدية»، والتي ثبت، من خلال المعارك الأخيرة التي خاضتها المقاومة مع العدو، أن القفز فوقها ليس مستحيلاً. ويضاف إلى ما تَقدّم أن تلك المنظومات أُعدّت جميعها للتعامل مع ضربات صاروخية محدودة، ومن جبهة واحدة، بينما انتشار مئات آلاف الصواريخ في محيط فلسطين التاريخية شمالاً وجنوباً وحتى على بعد مئات الكيلومترات منها، جعل مهمّتها في غاية التعقيد.واستطاعت المقاومة الفلسطينية، وحدها، تجاوز المنظومات الدفاعية بشكل مثير للدهشة، بعدما استخدمت تكتيك الرشقات الصاروخية المتزامنة، والذي تمكّنت من خلاله من تمرير صواريخها إلى عمق الكيان، وضرب الجبهة الداخلية للاحتلال. كذلك، استطاعت وحداتها الإلكترونية التلاعب بمنظومة العدو عدّة مرّات، عبر تنفيذ خدع تؤدّي إلى تفعيل صافرات الإنذار، ومن ثمّ دفع «القبة الحديدية» إلى إطلاق دفعات من الصواريخ من دون وجود أهداف حقيقية. وخلال حرب غزة عام 2014، ومعركة «سيف القدس» عام 2021، تعرّضت منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي لعملية استنزاف في مخزونها، من دون أن تتمكّن من مجاراة كثافة الصواريخ التي كانت تصل في الرشقة الواحدة إلى ما بين 100 و150 صاروخاً، فيما يتوقّع المسؤولون في جيش الاحتلال أن يزداد عدد الصواريخ في الرشقة الواحدة مستقبلاً، وهو ما سيخلق تحدّياً مضاعفاً.
على أن الأخطر بالنسبة إلى العدو، هو سيناريو تعرّض الكيان لعمليات قصف مكثّفة بآلاف الصواريخ في حال وقعت حرب متعدّدة الجبهات، وهو ما لن تستطيع «القبة الحديدية» مواجهته؛ إذ ستتساقط الصواريخ من اتّجاهات شتّى على المناطق الحيوية بنيوياً وعسكرياً، بما لا يستثني الصواريخ الذكية والموجّهة. وبحسب مصدر في المقاومة الفلسطينية تحدّث إلى «الأخبار»، فإنه «في المواجهة المقبلة، سيدرك المسؤولون عن منظومة القبة الحديدية أنهم أمام معضلة كبيرة، في ظلّ توجيه أعداد ضخمة من الصواريخ على مناطق حيوية في الكيان، سيفاجَأون بحجمها وعددها وانطلاقها من مختلف الجبهات، سواء في قطاع غزة أو في المناطق الشمالية، وعندها سيدركون أن كلّ ما لديهم من صواريخ دفاعية لا يكفي لعدّة أيام فحسب». ويضيف المصدر «(أنّنا) استطعنا وحدَنا خلال معركة سيف القدس، تجاوز القبة الحديدية وتحييدها في كثير من الأوقات، وفي كلّ معركة سنثبت عجزها»، مؤكداً «(أنّنا) نتجهّز لمعركة كبيرة من مختلف الجبهات، بحيث تصبح هذه القبة وجميع منظومات الدفاع بلا قيمة لدى الكيان». وكان قائد حركة «حماس» في قطاع غزة، يحيى السنوار، أكد، منتصف الشهر الجاري، خلال احتفالية بمناسبة «يوم القدس العالمي»، أن «ردّة فعل مقاومتنا في الضفة وغزة ولبنان كانت مثل صعقة كهربائية صغيرة، لكنها أوصلت رسالة إلى الاحتلال لم يفهمها من كلّ الوسطاء، ولدينا في محور المقاومة طوفان هادر وصواريخ لا تُعدّ».
استطاعت المقاومة الفلسطينية، وحدها، تجاوز المنظومات الدفاعية بشكل مثير للدهشة


ويرى الكاتب والمحلّل السياسي المختصّ في الشأن الإسرائيلي، أيمن الرفاتي، أن «دولة الاحتلال تخشى على سمعة منظوماتها الصاروخية، وانعكاس ذلك على المموّلين لها، والذين باتوا يشكّكون في جدواها، بالنظر إلى ثمنها الباهظ مقارنة بمفعولها، وخصوصاً في الولايات المتحدة التي أقرّ مجلس نوابها، في العاشر من آذار من العام الماضي، دعم منظومة القبة بمليار دولار». هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، تخشى إسرائيل من أن يمتنع عدد من الدول عن شراء منظومات الدفاع التي تنتجها، ولا سيما ألمانيا التي كانت تفكّر في شراء منظومتَي «القبّة الحديدية» و«حيتس 3» المصنوعتَين من قِبل شركة «رفائيل» الإسرائيلية. على أن اختلال أداء منظومات الدفاع لدى دولة الاحتلال، لا يقتصر على إمكانية تجاوزها من قِبَل المقاومة، بل يتعدّاها إلى حقيقة أن الحدّ الأقصى لعمل هذه المنظومات بات مكشوفاً ومكلفاً جدّاً؛ فهي لا تتحمّل إطلاق آلاف الصواريخ على المدن المحتلّة، فيما مخزونها يمكن أن ينفد خلال أيام في حال استمرّ إطلاق النار بمعدّل يصل إلى أكثر من ألف صاروخ يومياً، وهو ما قد يضطر العدو إلى تقليل عمليات إطلاق الصواريخ الاعتراضية لتقليص الكلفة والحفاظ على المنظومة لأكبر مدّة ممكنة.