إذا كانت المنافسة على منصب رئيس الجمهورية محتدمة، فإن تنافس التحالفات والأحزاب لنَيْل الغالبية المطلَقة في البرلمان يكاد يكون أكثر حماوة، وذلك على رغم الصلاحيات المحدودة للمجلس النيابي في ظلّ النظام الرئاسي المعمول به. ومع اكتمال القوائم الانتخابية، يسعى تحالفا «الجمهور» (السلطة) و«الأمّة» (المعارضة)، إلى الفوز بالغالبية النيابية، فيما ينصّ النظام الانتخابي الجديد، القائم على النسبية، على ضرورة حصول أيّ حزب على عتبة الـ 7% لدخول البرلمان، فيما تتحدّد حظوظ المرشّحين وفقاً لترتيبهم على القائمة، ما حدا بالعديد منهم إلى الانسحاب، اعتراضاً على ورود أسمائهم في مراتب متأخّرة من اللائحة. وعلى المقلب الرئاسي، لا تزال استطلاعات الرأي تمنح كمال كيليتشدار أوغلو حظّاً وافراً قد يخوّله، كما يبدو، منافسة رجب طيب إردوغان في الدورة الثانية، وربّما الفوز عليه
على الرغم من أن النظام الرئاسي، الذي بدأ العمل فيه عام 2018، منح رئيس الجمهورية صلاحيات شبه مطلَقة وجرّد البرلمان من أدواره الرئيسة، غير أن حُمّى الحملة الانتخابية النيابية تكاد تفوق حماوة تلك الرئاسية؛ ذلك أن حصول تيّار الرئيس المنتخَت على الغالبية المطلَقة في البرلمان، من شأنه أن يعزّز موقعه وخياراته، فيما يمكن العكس أن يعرقله أحياناً. من هنا، يسعى «تحالف الجمهور» المتشكّل من أحزاب: «العدالة والتنمية»، «الحركة القومية»، «الاتحاد الكبير» وضمناً «الدعوة الحرّة» الكردي المتديّن، إلى منافسة تحالفَي «الأمّة» و«العمل والحرية» اليساري - الكردي، للفوز بغالبية مقاعد المجلس النيابي، البالغ عددها 600. وينصّ النظام الانتخابي الجديد على ضرورة حصول أيّ حزب على 7% من الأصوات، هي العتبة الانتخابية اللازمة لدخول البرلمان. ويعني ذلك أيضاً أنّ بإمكان الأحزاب الانضواء في إطار تحالفات انتخابية، وخصوصاً الصغيرة منها أن تصبح تحت قبّة البرلمان إذا نال التحالف مجتمعاً نسبة الـ 7%. لكن أيّ تحالف أو حزب منفرد تُعدّ أصواته لاغية وكأنها لم تكن في حال عدم تجاوزه العتبة الانتخابية، فيما لا تُجيّر إلى مرشّحي الأحزاب الفائزة، كما كانت عليه الحال في النظام الانتخابي السابق.
وانطلاقاً من ذلك، احتاجت التحالفات الانتخابية إلى حسابات معقّدة ودقيقة تستند إلى ظروف الدائرة الانتخابية وقوّة كل حزب فيها، بحيث إن الأحزاب قد تتحالف في دائرة وتتنافس هي نفسها في دائرة أخرى، بهدف الحصول على أكبر عدد ممكن من النواب. وعلى رغم أن النظام الانتخابي يقوم على النسبية، إلا أنّ تحديد المرشّحين الفائزين يتقرَّر تبعاً لترتيب المرشّح المسبق في القائمة وفي الدائرة التي ترشّح عنها، فيضمن المرشّحون الأوائل في القائمة نجاحهم، فيما تتضاءل آمال المرشّحين المتأخرة أسماؤهم فيها. وقد شهدت عمليات تقديم اللوائح رسميّاً إلى «اللجنة العليا للانتخابات»، انسحاب العديد من المرشّحين اعتراضاً على ورود أسمائهم في مراتب متأخرة من اللائحة.
من جهته، قرّر «العدالة والتنمية» الإحجام عن ترشيح كلّ مَن نجح في ثلاث دورات سابقة، وعددهم 65 نائباً، من بينهم أسماء كبيرة مِثل رئيس الحكومة السابق بن علي يلديريم، ونواب رئيس الحزب نور الدين جانيكلي وحياتي يازجي ومحمد أوزحاسكي، ورئيس البرلمان مصطفى شينتوب، وغيرهم، فبلغت نسبة المرشّحين الجدد في قوائم الحزب الحاكم، 65%. لكن جميع أعضاء الحكومة ترشّحوا في مناطق مختلفة من البلاد، ومعظمهم في المرتبة الأولى من القوائم، ما يضمن نجاحهم؛ ومن هؤلاء: نائب الرئيس فؤاد أوكتاي عن أنقرة، وكلّ من وزير الدفاع خلوصي آقار عن قيصري، والخارجية مولود تشاووش أوغلو عن أنطاليا، والداخلية سليمان صويلو عن إسطنبول، فيما لم يُرَشَّح وزير الصحة فخر الدين قوجا. على الجانب الآخر، لم يترشّح نصف نواب «حزب الشعوب الديموقراطي»، وعددهم 33، بعدما اعتمد الحزب الكردي عدم الترشّح لمَن فاز في دورتَين سابقتَين.
وقد فرض نظام الترشّح على أساس التحالفات على «حزب الشعب الجمهوري» أن يُدرِج في لوائح «تحالف الأمّة» عدداً كبيراً من مرشّحي الأحزاب المتحالفة معه، حتى يتمكّن مرشّحو الأحزاب الصغيرة من الدخول إلى الندوة البرلمانية، في مقابل تأييدهم لكمال كيليتشدار أوغلو لرئاسة الجمهورية. وبلغ عدد مرشّحي الأحزاب هذه على لوائح «الشعب الجمهوري» كما يأتي: 25 مرشحاً لـ«حزب الديموقراطية والتقدٌّم»، 24 لـ«حزب السعادة»، 19 لـ«المستقبل»، و3 لـ«الديموقراطي»، بينما قدّم «الحزب الجيّد» - الشريك في «تحالف الأمّة» - قوائم مستقلّة أحياناً عن التحالف، وأحياناً ضمنه، لأن هذا الحزب يضمن أن يتجاوز بمفرده عتبة الـ 7% في عدد كبير من الدوائر الانتخابية، وهو ما يُعدّ مفيداً له وللتحالف، علماً أن التقديرات تعطي «الحزب الجيّد» نسبة لا تقلّ عن 10 - 15%.
ولفت في ترشيحات «الديموقراطية والتقدّم» (علي باباجان) ضمن «تحالف الأمّة» ورود اسم وزير العدل السابق في حكومات «العدالة والتنمية»، سعد الله إرغين، عن منطقة أنقرة الأولى في المرتبة الرابعة، وهو ما رآه البعض في التحالف غير ملائم. غير أن إرغين بقي في القائمة، أملاً بكسْب بعض الأصوات من قواعد «العدالة والتنمية». ويخوض 26 حزباً الانتخابات النيابية، إمّا منفردةً أو ضمن تحالفات، وعلى رأسها «تحالف الجمهور». ثم يأتي «تحالف الأمّة» الذي يضمّ ستة أحزاب، هي: «الشعب الجمهوري»، «الجيّد»، «المستقبل»، «الديموقراطية والتقدّم»، «السعادة» و«الديموقراطي». أمّا ثالث التحالفات الكبيرة، فهو «تحالف العمل والحرية»، ويضمّ حزبَي «اليسار الأخضر» («الشعوب الديموقراطي» سابقاً) بنسبة أصوات تقارب 10 - 12%، و«العمال التركي» الذي يقول رئيسه، إركان باش، إن أصواته تقارب الـ 3%. ومن ثمّ هناك «تحالف آتا» الصغير، ويضمّ حزبَي «العدالة والنصر» - قد ينال 2% من الأصوات -، و«تحالف اتحاد القوى الاشتراكية»، ويضمّ أحزاب: «الشيوعي التركي»، و«الحركة الشيوعية التركية» و«اليسار»، وبعدد أصوات ضئيل جدّاً. أمّا الأحزاب الأخرى، وكلّها صغيرة وعددها 15 حزباً، فتخوض الانتخابات منفردة وبشعارها الخاص بها. وستوزَّع على الناخبين قائمتان منفصلتان، واحدة للانتخابات الرئاسية وأخرى للانتخابات النيابية، لكن الناخب سيضع القائمتَين في مغلّف واحد وصندوق واحد.
في هذا الإطار، تحدّث الكاتب المعروف جنكيز تشاندار، الذي أحدث ترشيحه عن «حزب اليسار الأخضر» الكردي في منطقة ديار بكر ضجّة، قائلاً إن «الوضع يتطلّب أن يرحل إردوغان، وإذا بقي في السلطة، لن يكون أمل في حلّ المشكلة الكردية». وجاء ترتيب عثمان جنكيز تشاندار في المرتبة الثالثة على لائحة «الشعوب الديموقراطي» في ديار بكر، وهو ما يضمن له النجاح، حيث سيفوز هناك معظم المرشّحين عن الحزب الكردي، وعددهم 12. أمّا الكاتب حسن جمال، فقد ترشّح أيضاً في قائمة «اليسار الأخضر» عن منطقة إسطنبول (الدائرة الثانية)، وجاء في المرتبة الثالثة، وهو ما يجعل فوزه أيضاً شبه مضمون.
احتاجت التحالفات الانتخابية إلى حسابات معقّدة ودقيقة تستند إلى ظروف الدائرة الانتخابية وقوّة كل حزب فيها


وعلى الصعيد النسائي، بلغ عدد المرشّحات عن كلّ الأحزاب أقلّ من 600، وفي حال نجاحهنّ جميعهنّ - وهذا غير واقعي - لن يستطعن ملء مقاعد المجلس النيابي، وعددها 600. وقد برز «اليسار الأخضر» الكردي (بديل «الشعوب الديموقراطي» المعرّض للحظر) كأكبر حزب رشّح على قوائمه نساء، وبلغ عددهنّ 200 مرشّحة، يليه «حزب العمال التركي» (161)، «حزب الشعب الجمهوري» (147) - وعُدّ هذا الرقم متدنّياً قياساً إلى علمانية الحزب وحجمه -، فالحزب الجيّد (145). ولم يتجاوز عدد مرشّحات «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، 113 امرأة من أصل 600 مرشّح هم عدد أعضاء البرلمان، وإنّ الحزب لم يرشّح أيّ امرأة في 33 دائرة انتخابية، فيما رشّح شريكه، «الحركة القومية»، 90 امرأة. أمّا أصغر مرشّحة (18 عاماً) فهي نيسا ألبتكين عن «العدالة والتنمية» في إزمير. والجدير ذكره أن عدد النساء في البرلمان الحالي هو 100 من أصل 600 مقعد، بنسبة 17.33%.
وعلى الصعيد الرئاسي، جاء في آخر استطلاع أجرته شركة «متروبول» أن كمال كيليتشدار أوغلو سينال 42.6%، فيما سينال رجب طيب إردوغان 41.4%، ثمّ محرّم إينجه 5%، وسنان أوغان 2.2%، فيما تبلغ نسبة اللاقرار - أو المتردّدين -، حتى الآن، 4.4%، ومثلها لمَن لديهم أسباب مختلفة أخرى.