وإذ تخشى الولايات المتحدة من الوصول إلى هذا السيناريو، سواء بهدف فرض أمر واقع أو ردّاً على خطوة إسرائيلية أو دولية، فهي تجد نفسها أمام منعطف حاسم: فإن امتنعت عن المبادرة إلى خطوات دراماتيكية فهي بذلك تسلّم تماماً بواقع إيران النووي؛ وإن لجأت إلى مثل هكذا خطوات، فهي تستدرج تداعيات هائلة على مصالحها في المنطقة وعلى معادلة الصراع على مستوى العالم أيضاً. ومن هنا، يأتي طرحها الأخير، والذي ينبئ بأن العدو لم ينجح في مساعيه لإقناع الإدارة الأميركية بتصعيد إجراءاتها ضدّ إيران عسكرياً واقتصادياً، أو الترويج لاتّفاق بديل سيكون مصيره الفشل، بسبب اختلاف المعادلات والظروف الإيرانية والدولية والإقليمية التي كانت سائدة عشية اتّفاق عام 2015، عمّا هو قائم اليوم. وعليه، فإن الاقتراح الأميركي الأحدث يُجسّد فشلاً سياسياً تامّاً لحكومة العدو الحالية، على مستوى القضية المركزية الأهمّ بالنسبة إلى الأمن القومي الإسرائيلي، ولا سيما أنه يأتي في ظلّ توتّر العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، والذي تمَظهر في إعلان البيت الأبيض أنه لم تُوجَّه دعوة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لزيارة واشنطن في المدى القريب، كما جرت العادة في أعقاب انتخاب حكومة جديدة في إسرائيل.
يؤشّر الطرح الأميركي إلى وجود قناعة راسخة بعدم إمكانية العودة إلى الاتّفاق السابق
من جهة أخرى، يؤشّر الطرح الأميركي إلى وجود قناعة راسخة بعدم إمكانية العودة إلى الاتّفاق السابق، لكن ليس للأسباب التي تتردّد في وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية، وعلى رأسها المساعدة العسكرية الإيرانية لروسيا و«قمع التظاهرات» في إيران، وإنّما لأن واشنطن ترفض تلبية مطالبة طهران بضمانات تمنع تكرار التجربة السابقة. ويُضاف إلى ما تَقدّم أنه بحسب بعض الخبراء، فإنه لم يَعُد ثمّة معنى أو فائدة لهكذا عودة، في ظلّ التطوّر النوعي الذي حقّقته إيران في برنامجها النووي، وهو ما يفسّر ما أورده موقع «واللا»، نقلاً عن خبيرَين أميركيَّيْن بالموضوع الإيراني، من أن مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، يقود عملية دفْع اتّفاق جزئي - على أساس محافظة إيران على درجة تخصيب 60% مقابل إزالة عقوبات محدَّدة عنها -، في ضوء عدم إمكانية التوصّل إلى اتّفاق كامل الآن. ويعكس ذلك تقديراً أميركياً لعدم جدوى الرهان على رسائل عمليّاتية مضبوطة تهدف إلى التأثير في القرار السياسي للجمهورية الإسلامية، ومحاذير تورّط الولايات المتحدة في السيناريو الذي تحرص على تجنّبه، والذي قد يدفع إيران إلى ردّ أكثر تطوّراً ممّا اعتمدتْه سابقاً في مواجهة الضغوط الأميركية وعمليات التخريب الأمنية، بطريقة مدروسة ومتدرّجة.
وأيّاً كان ما سيؤول إليه هذا الطرح الذي رفضته طهران، فإن دلالاته بالنسبة إلى إسرائيل هو أنه يجسّد جانباً من تداعيات تحوّل أولويات الولايات المتحدة نحو مواجهة روسيا على الساحة الأوكرانية، ومجابهة النفوذ الصيني، وهو التحوّل الذي كانت ولا تزال تخشاه تل أبيب. وما يزيد تلك الدلالات خطورة، أن الاقتراح الأميركي يأتي في ظلّ اتّساع هامش مناورة طهران إزاء ضغوط واشنطن، ووسط تبلور معادلات قوّة إقليمية تختلف كثيراً عمّا كان قائماً قبل نحو عقد، فضلاً عن تأزّم الوضع الداخلي الإسرائيلي، والذي لا يزال مفتوحاً على سيناريوات متعدّدة.