أماطت موسكو اللثام عن وثيقة «المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية»، والتي تعكس «التطوّرات الثورية التي يعيشها العالم اليوم»، وفق ما أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف. ووقّع الرئيس فلاديمير بوتين، أمس، خلال اجتماع مع الأعضاء الدائمين في «مجلس الأمن الروسي»، مرسوماً يتعلّق بالوثيقة الجديدة، موضحاً أن «التغييرات الجذرية في الحياة الدولية، تطلّبت منا أن نعدّل بجدّية وثائق التخطيط الاستراتيجي الرئيسة، ومن بينها مفهوم السياسة الخارجية لروسيا، والذي يحدّد مبادئ ومهام وأولويات النشاط الديبلوماسي». وتأتي الوثيقة، بحلّتها الجديدة، بعد تعديلات طلبها الرئيس الروسي، ثم قُدّمت للمناقشة مع الأعضاء الدائمين في «مجلس الأمن الروسي» في كانون الثاني 2022، بينما كان الإصدار السابق لمفهوم السياسة الخارجية الروسية قد صدر في تشرين الثاني 2016.من جهته، بيّن وزير الخارجية، سيرغي لافروف، أن «مفهوم السياسة الخارجية الجديدة لروسيا، يعكس واقعاً سياسياً جديداً، ومتغيّرات جيوسياسية، وتطوّرات ثورية في العالم، تسارعت بشكل ملحوظ مع بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا». وأشار لافروف إلى رصد مستوى غير مسبوق من «التوتّر الدولي» على مدى العقد الماضي، منبّهاً إلى أن «هذا المستوى يُعتبر خطراً وجودياً يهدّد أمن روسيا وتنميتها». واعتبر أن «التوتّر والتهديدات التي نعيشها، هي نتيجة لتصرّفات الدول غير الصديقة». كما تطرّق إلى المفهوم الجديد للسياسة الروسية، كاشفاً أنه يطلق على الولايات المتحدة تسمية «المبادر الرئيس والمحرّض الرئيس على انتهاج الخطّ المناهض لروسيا في العالم»، ويحدّد واشنطن بوصفها «أكبر تهديد يواجه العالم وتطوّر البشرية»، مضيفاً أن «الغرب بصفة عامة ينتهج سياسة تهدف إلى إضعاف روسيا من جميع النواحي، في ما يمكن اعتباره حرباً هجينة من نوع جديد». وتابع أن المفهوم الجديد ينصّ على «إمكانية اتّخاذ إجراءات مماثلة، أو غير مماثلة، ردّاً على الإجراءات غير الودّية ضدّ روسيا»، وعلى أن «مبدأ الارتباط الأمني متاح استناداً للندّية»، في ظلّ ظروف التهديدات الخارجية.
أكدت الوثيقة أن روسيا ستعمل على القضاء على هيمنة الولايات المتحدة


وفي هذا السياق، جاء في الوثيقة الجديدة أن «روسيا تهتمّ على نحو خاصّ بتعزيز العلاقات والتنسيق بشكل شامل مع مراكز القوّة العالمية الصديقة: الصين والهند»، وأن «المشروع الرائد بالنسبة لروسيا في القرن الحادي والعشرين هو تحويل أوراسيا إلى مساحة متكاملة يعمّها السلام والاستقرار والازدهار». أما عن التهديدات التي تواجهها، فأكّدت أن «روسيا ستستخدم الجيش لصدّ ومنع أيّ هجوم مسلّح ضدّها أو ضدّ أيّ من حلفائها». كذلك، أشارت الوثيقة إلى أن «مخاطر الصدام تتنامى بين الدول الكبرى بما فيها الدول النووية»، لكن «روسيا تسعى لعدم خلق ظروف تؤدّي إلى استخدام أسلحة نووية أو أسلحة دمار شامل»، محذّرةً من أن «احتمال الانتقال إلى حرب كبرى يزداد»، في الوقت نفسه الذي قالت فيه إن «موسكو مهتمّة بضمان التوازن الاستراتيجي والتعايش السلمي مع الولايات المتحدة».
وبخصوص العداء المتزايد في العالم لروسيا، شدّدت الوثيقة الجديدة على أن مكافحة «الروسوفوبيا» (رهاب الروس)، في مختلف المجالات، تُعدّ من «أولويات السياسة الإنسانية لروسيا في الخارج». وفي مؤشّر إضافي إلى مدى تردّي العلاقات الروسية - الأميركية، أكدت الوثيقة، بكل وضوح، أن «القضاء على أساسيات الهيمنة من جانب الولايات المتحدة والدول الأخرى غير الصديقة في الشؤون الدولية سيكون إحدى أولويات روسيا». وفي المقابل، ستسعى الأخيرة «جاهدة إلى تشكيل نظام عالمي يوفّر أمناً موثوقاً به، ويضمن تكافؤ الفرص بالنسبة للجميع»، كما «ستسعى جاهدة لتحقيق الأمن المتساوي لجميع الدول على أساس مبدأ المعاملة بالمثل».
أمّا بشأن تطورات الوضع في شرق آسيا، فقد جدّدت رفض روسيا «خطوط التقسيم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ»، وتحدّثت عن «إعادة هيكلة» جادّة للاقتصاد العالمي، في وقت يبدو أن الخلاف الروسي - الغربي قد وصل إلى حدّ المواجهة الشاملة.