انتهى الاجتماع الذي كان منتظَراً من جانب الأطراف السياسيين، بين مرشّح المعارضة للرئاسة عن «تحالف الأمّة» كمال كيليتشدار أوغلو، والمرشّح الآخر محرم إينجه، اللذَين سيتنافسان مع مرشّحَين آخرَين، هما: الرئيس رجب طيب إردوغان عن «تحالف الجمهور»، وسنان أوغان عن «تحالف آتا». ولم يستمرّ الاجتماع بين الرجلَين لأكثر من ساعة، ليعقدا على إثره مؤتمراً صحافيّاً مقتضباً، أَظهر أن اللقاء لم يكن ناجحاً. فمن جهته، تحدّث كيليتشدار أوغلو عن ضرورة توسيع «مائدة خليل الرحمن» المعارِضة، فيما شدّد إينجه على «المبادئ» بالنسبة إلى الموقف من مجمل القضايا، ولا سيما الإرهاب والأكراد وفتح الله غولين، وعلى «ضرورة إنهاء حكم إردوغان» الذي قال إنه «يجب أن يذهب إلى بيته، لأنه لا يمكن له الاستمرار في إدارة تركيا، ولو لخمس دقائق». وأنهى إينجه المؤتمر الصحافي مخاطباً كيليتشدار أوغلو: «أهلاً وسهلاً. مع السلامة»، ما فُسّر على أنه افتراق بينهما. وفي نظر كثيرين، فإن الاجتماع الذي قد يكون الأخير بين المرشّحَين المعارضَين، مثّل نقطة تحوّل، وخصوصاً أن المعارضة كانت تعوّل على أن إينجه، الذي تمنحه استطلاعات الرأي 3% على الأقلّ من الأصوات يمكن أن ترتفع نقطتين أو ثلاثاً، سيعلن انسحابه من المعركة الرئاسية. ويُعدّ ترشّح إينجه بالغ التأثير بالنسبة إلى نتائج الانتخابات، حيث تُظهر الاستطلاعات تقارباً في نقاط إردوغان وكيليتشدار أوغلو، وبأقلّ من 50%، ما يعني أن الأصوات التي سيحصل عليها إينجه، ستَحول دون فوز أحدهما من الدورة الأولى في 14 أيار، لتذهب المعركة الرئاسية إلى الدورة الثانية في الـ28 منه.معركة كيليتشدار أوغلو التي بدأت قويّة، واجهت أولى عثراتها مع ترشّح محرم إينجه، الذي يتمتّع بحيثية ليست ضئيلة. فهو ترشّح مرّتَين في عامَي 2014 و2018 لزعامة «حزب الشعب الجمهوري» في مواجهة كيليتشدار أوغلو، وخسر في كلتَيهما. كذلك، رشّحه الحزب لمنافسة إردوغان في انتخابات عام 2018. ومع هذا، قرّر الانسحاب من الحزب في شباط 2021، بعدما لم يَجد ما يطمح إليه، فشكّل «حزب مملكت»، وأعلن في أيلول من العام الماضي أنه يعتزم الترشّح لرئاسة الجمهورية في عام 2023. أعطت الانتخابات الرئاسية الأخيرة صورة إيجابية عن إينجه، ومنها حيويّته وقرْبه من الشباب، من مختلف الانتماءات. وهو نال نسبة 31% من الأصوات، أي أكثر ممّا يمكن أن يناله «حزب الشعب الجمهوري» (25%)، ما يعني أنه حصل على أصوات من خارج الحزب أيضاً.
مع ذلك، فإنها المرّة الأولى التي تتاح فيها فرصة جدّية أمام المعارضة للتخلّص من سلطة إردوغان وحزبه «العدالة والتنمية» في انتخابات 14 أيار. ومن هنا، جاء تأييد «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي (الذي سيخوض الانتخابات النيابية تحت اسم «حزب اليسار الأخضر») الضمني لكيليتشدار أوغلو، الذي بدا، والحال هذه، وكأنه يقترب من حسم المعركة لمصلحته. لكنّ «أرنب» محرم إينجه خرج من كُمّ المشهد السياسي، ليعيد خلط الأوراق. لا يمكن القول، على أيّ حال، إن الرجل يعمل لمصلحة إردوغان، لكنه يَحمل ادّعاءات عالية بأنه قادر على المنافسة في الانتخابات، بل أن ينتقل هو وليس كيليتشدار أوغلو إلى الدورة الثانية. ويبدو أكيداً أن هذا الادّعاء خارج التصوّر، وربّما يكون ذريعة للانتقام من «الشعب الجمهوري» وكيليتشدار أوغلو شخصيّاً، ولو كان ثمن ذلك نجاح إردوغان مجدّداً واستمراره لخمس سنوات أخرى في السلطة. بل أكثر ممّا تَقدّم، سيصيب فوز إردوغان صفوف المعارضة في مقتل، إذ لا يمكن هذه الأخيرة أن تتوحّد بالشكل الحالي في كلّ مرّة. وفوز الرئيس الحالي، في ما لو حصل، قد يمهّد الطريق أمام استمرار «حزب العدالة والتنمية» في السلطة لخمس سنوات إضافية عبر شخصيّة جديدة، بعد انتهاء ولاية إردوغان المقبلة.
أكثر المستفيدين من وجود مرشّحَين آخرين للرئاسة، هو إردوغان نفسه


وفي هذا الجانب، يقول بدري قايمان، في صحيفة «جمهورييات»، إنه مهما حاول إينجه أن يبرّر عدم انسحابه، فسيُنظر إليه على أنه الرجل الذي منع إطاحة إردوغان، في وقت تبدو فيه الفرصة متاحة لتحقيق ذلك السيناريو، وخصوصاً مع تأييد القوى اليسارية لكيليتشدار أوغلو. ويرى عثمان سرت، في صحيفة «قرار» المعارضة، من جهته، أن إينجه «قد ينسحب وقد لا ينسحب، ولكن يجب أن تركّز المعارضة على الكتلة التي ستصوّت لصالحه، ومعظمها من الشباب»، وأن «تعمل، في حال بقيت الانتخابات للدورة الثانية، على استمالة غالبية هؤلاء إلى جانب كيليتشدار أوغلو». وفي المقابل، يدّعي مصطفى دستيجي، رئيس «حزب الاتحاد الكبير» المتحالف مع إردوغان، أن الأخير سيفوز من الدورة الأولى، إذ إن الاستطلاع الذي في حوزته يقول إن الرئيس الحالي سينال 49-50%، وسيحصل «تحالف الجمهور» على 60% من المقاعد البرلمانية. وعلى رغم التركيز على مسألة ترشّح إينجه، فإن ترشيح القومي سنان أوغان قد يترك أثراً سلبيّاً مشابهاً على حظوظ كيليتشدار أوغلو، على اعتبار أن الأصوات التي سينالها أوغان - مهما كانت قليلة - سيأكلها من حصّة «الحزب الجيّد» المعارض لإردوغان. وبالتالي، فإن أكثر المستفيدين من وجود مرشّحَين آخرين للرئاسة، هو إردوغان نفسه. وهذا ما يؤكده أيضاً فاتح أربكان، رئيس «حزب الرفاه الجديد» الصغير المؤيّد للرئيس الحالي والمتحالف معه من جديد، والذي قال إن ترشيح إينجه تحديداً يُعتبر خسارة لـ«تحالف الأمّة»، ويمهّد الطريق أمام ارتفاع حظوظ «تحالف الجمهور»، وفوز إردوغان من الدورة الأولى.
من جهته، يبيّن رئيس شركة «كونسينسوس» للاستطلاع، مراد صاري، أنه ليس هناك ما يوحي بذهاب الانتخابات نحو دورة ثانية، معرباً عن اعتقاده بأن الدورة الأولى ستنتج رئيساً. وبحسب اعتقاد صاري، فإن إينجه لن ينسحب من المعركة الرئاسية، لكنه لن ينال الأصوات التي يدّعيها، ولن يبقى إلى الجولة الثانية في حال كانت هناك واحدة. ويقول إنه سواء بقي إينجه أو أوغان في المعركة أو انسحبا، فإن الأرقام ستكون متقاربة جدّاً بين إردوغان وكيليتشدار أوغلو، والسبب أن الأوّلَين يحصلان على أصوات من تحالف السلطة والمعارضة في الوقت نفسه، مبيّناً أن «هناك تصاعداً في أرقام كيليتشدار أوغلو، ولكن تراجع أرقام إردوغان ليس كبيراً»، على رغم تهدّم 70% من البيوت ووفاة 50 ألف شخص وتهجير الملايين وعدم وجود خيم حتى الآن في الكثير من المناطق التي ضربها زلزال السادس من شباط، واصفاً الانتخابات المقبلة بأنها «أصعب انتخابات تمرّ على تركيا».
في هذه الأثناء، لا تتوقّف احتفالات افتتاح مشاريع البناء السكنية الجديدة بدلاً من تلك التي تهدّمت جرّاء الزلزال، والتي تحوّلت إلى مهرجانات لـ«العدالة والتنمية». ويراهن إردوغان على تسريع المشاريع لكي يثبت أن في إمكانه إخراج المتضرّرين من الوضع الذي باتوا فيه. كذلك، تتوسّع حزم التقديمات المالية لكسْب المؤيدين، بما يشمل رفْع معاش التقاعد إلى 7500 ليرة في حدّه الأدنى، أي ما يوازي 400 دولار، مع وعود بزيادة الحدّ الأدنى للأجور مجدّداً في الصيف المقبل. كما تُذكّر دعايات إردوغان بأنه في عهده تمّ إنتاج أوّل سيارة محلّية وأوّل طائرة حربية، وطائرات مسيّرة، وبأن تركيا ستكون مركزاً للغاز الطبيعي.