لم تستحسن المعارضة التركية إقرار الرئيس رجب طيب إردوغان، بالتقصير خصوصاً في الأيّام الأولى لزلزال السادس من شباط، وطلبه الصفح على خلفية التأخُّر في الاستجابة. إذ سارع زعماؤها، مرّة جديدة، إلى تحميل السلطة المسؤولية، عادّين اعتراف إردوغان بمثابة محاولة للهروب من المسؤولية، ومتوعّدين بمحاسبته أمام القضاء. على أنه يمكن حصْر السجال الجاري بالانتخابات المرتقب إجراؤها في الـ14 من أيار المقبل، والتي لا يزال يُنتظر معرفة اسم منافس الرئيس الحالي فيها، وسط ترجيح أن تسمّي المعارضة مرشّحها الجمعة. وإذا كان الجانبان متّفقَين على إجراء الاستحقاق في موعده، أو قبْله بقليل، يمكن «اللجنة العليا للانتخابات» التي أرسلت وفداً إلى المناطق المنكوبة، تفجير مفاجأة والاجتهاد من خارج الدستور، بتطيير الاستحقاق، في حال وجدت أن أجزاءً من البلاد لن يكون في مقدورها التصويت
شهدت الساحة السياسية التركية تطوّراً لافتاً، مع اعتراف الرئيس رجب طيب إردوغان، بأن تقصيراً حصل في عمليّات الإنقاذ في الأيّام الأولى بعد حدوث زلزال السادس من شباط، في قهرمان ماراش، وطلبه الصفح. فبعد جولة له، أوّل من أمس، في منطقة آدي يمان، قال إردوغان إنه: «بسبب التأثير المدمّر للزلزال وسوء الأحوال الجويّة، لم تَسِر الأمور في الأيّام الأولى كما نشتهي. لذلك، أطلب منكم الصفح»، واعداً بأن «يضمّد جراح الزلزال بنسبة كبيرة خلال سنة».
وجاء اعتراف الرئيس التركي بعدما حمّلته المعارضة مسؤولية الفشل في إدارة الكارثة، ولا سيما في أيّامها الأولى. وعلى رغم طلبه الصفح، إلّا أن معارضي إردوغان عدّوا اعترافه بمثابة محاولة للتهرّب من المسؤولية، متوعّدين بمحاسبته أمام القضاء، وفي صناديق الاقتراع. وفي هذا الإطار، قال رئيس «حزب مملكت»، مرشّح المعارضة السابق لرئاسة الجمهورية عام 2018، محرم إينجه، إنه «عندما قلنا إن الجيش تأخّر في النزول إلى الميدان، وإن فرق الإنقاذ أيضاً كانت مقصّرة، اتّهَمَنا إردوغان بالتحقير. أمّا اليوم، فعندما يعترف بالتقصير، يَطلب منّا الصفح. في الأنظمة الديموقراطية، لا يوجد صفح، توجد مساءلة أمام القضاء، وستحاسَب أنت وفريق عملك على ما لم تفعلوه». ومن جهته، توجّه رئيس «حزب الديموقراطية والتقدّم»، علي باباجان، إلى الرئيس التركي، بالقول: «يا سيّد إردوغان، يجب ألّا تَطلب الصفح من الذين بقوا أحياء، بل من الذين ماتوا من جرّاء إهمالكم. لن تستطيع الهروب من المسؤولية بطلب المغفرة. نسألكم كم شخصاً توفّوا من جرّاء تأخّر فرق الإنقاذ في النزول إلى الميدان لأكثر من 48 ساعة؟». كذلك، توجّه باباجان بعشرات الأسئلة إلى إردوغان، من بينها: «لماذا لم تصل فرق الإنقاذ إلى مكان الزلزال إلّا بعد 48 و72 ساعة؟ لقد قامت هيئة إدارة الكوارث بمناورات مواجهة زلزال مماثل في عام 2019، فلماذا لم تُطبَّق هذه المناورات بعد زلزال السادس من شباط؟». أمّا رئيس «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي السابق، صلاح الدين ديميرطاش، فقال: «ألا تخجل يا سيّد إردوغان؟ أنت مسؤول عن موت مئة ألف إنسان، ومن ثمّ لا تستقيل، بل تفكّر بالترشّح للرئاسة. ألا تخجل؟».
يتواصل الحديث عن احتمال حدوث زلزال مدمّر في مدينة إسطنبول، في السنوات المقبلة


لكنّ الانتقاد الأكبر لإردوغان جاء على خلفية توزيعه على أطفال متضرّرين من الزلزال، أثناء زيارته لآدي يمان، أوراقاً نقدية من رزمة مال كان يحملها في يده. هذه الخطوة انتقدها باباجان، معتبراً ما حصل «مهيناً لكرامات الناس. الناس يريدون خياماً وحاويات وتدفئة. كما لو أنك توزّع، من خلف الحواجز، شيئاً عظيماً وليس خرجية». وتَوسّع الانتقاد ليطاول «جمعية الهلال الأحمر» التركي بعدما تكشّف أنها باعت العديد من الخِيام الجاهزة إثر حدوث الزلزال إلى مؤسّسات مدنيّة تركية، مِن مِثل «اتحاد الصيادلة الأتراك»، بسعر 140 ألف ليرة (حوالى 7 آلاف دولار) للخيمة الواحدة بمساحة 76 متراً مربّعاً، بدلاً من توزيعها مجاناً على المتضرّرين. كما باع «الهلال الأحمر» خياماً إلى جمعية «أحباب» بقيمة 46 مليون ليرة، وهو ما أكّده مسؤولو الاتحاد والجمعية، بحسب ما ورد في صحيفة «سوزجيك».
وتأتي هذه التطوّرات في وقت تتكثّف فيه النشاطات والاتصالات استعداداً لمعركة الانتخابات الرئاسية. ومع أن موعد الاستحقاق سيكون مبدئيّاً في 14 أيار المقبل، فإن «اللجنة العليا للانتخابات» التي لها الكلمة الفصل في تحديده، أرسلت فريقاً إلى مناطق الزلزال لمعرفة إمكانية إجراء الانتخابات فيها. ولتقرير اللجنة أهمية بالغة، إذ يمكن لها أن تفجّر مفاجأة وتجتهد، خلافاً للدستور، بعدم إمكانية عقْد انتخابات في تلك المناطق، ما سيعني إبطالها وتأجيلها إلى موعد لاحق. وإذ تتّجه الأنظار إلى اجتماع «تحالف الستة» المعارض، يوم الجمعة المقبل، وما إن كان سيخرج بتحديد اسم مرشّح المعارضة الرئاسي أم لا، قال رئيس «حزب الشعب الجمهوري»، والمرشّح المحتمل للرئاسة، كمال كيليتشدار أوغلو، في تصريح لافت، إن «مرشّح طاولة الستّة سيربح من الجولة الأولى»، مضيفاً، في حديث إلى موقع «تقرير يتكين» الذي يشرف عليه الكاتب المعروف مراد يتكين، أن «النظام الرئاسي لم يَعُد قادراً على العمل. وقد أظهرتْ كارثة الزلزال هذه الحقيقة، وأنا واثق من أن مرشّح المعارضة سيفوز من الجولة الأولى». ووفق كيليتشدار أوغلو، فإن «المجتمع يشعر بقلق جدّي على مستقبله، فالاقتصاد قد ضُرب، والديموقراطية تترنّح، وتوزيع الدخل غير عادل، والسياسة الخارجية لم تَعُد موضع احترام، والفساد مستشرٍ، ومؤسّسات الدولة مهترئة، وتجربة إدارة الكوارث والطوارئ مع الزلزال خير مثال على ذلك، ومؤسّسات الجمهورية تتعفّن، ومثال على ذلك جمعية الهلال الأحمر التركي والجامعات». وعن الناخب الكردي، قال إن «المعارضة سترشّح شخصاً يريد أصواتاً من كلّ الفئات الاجتماعية من دون تمييز. وسنرى ذلك يوم 2 آذار».
وتمدّدت تداعيات الزلزال إلى المجال الرياضي، ولا سيما كرة القدم. فقد ألقى المشجّعون في مباراة «بشيكتاش» و«أنطاليا سبور»، الألعاب والدمى الخاصّة بالأطفال والشالات على أرض الملعب في الدقيقة الرابعة والثانية الـ17 من المباراة (توقيت حصول الزلزال في الساعة الرابعة والدقيقة 17 من فجر 6 شباط)، تضامناً مع ضحايا الزلزال. وكذلك حصل في العديد من المباريات الأخرى. لكن الذي ميّز كلّ هذه النشاطات، الاعتراضات على إردوغان، إذ هتفت جماهير «فنار باهتشه»، في مباراة فريقها مع فريق «قونية سبور»: «استقيلي أيّتها الحكومة»، و«كذب كذب كذب. لقد مرّت عشرون سنة. الاستقالة». أمّا قناة «بي إن سبورت» القطرية التي لها الحقّ الحصري في نقْل مباريات الدوري التركي، فقد قطعت الصوت على الهواء مباشرة لمنْع وصوله إلى آذان المشاهدين في منازلهم، وهو ما قوبل بانتقادات في وسائل التواصل الاجتماعي. وأثناء مباراة «طرابزون سبور» مع فريق «بازل» السويسري، رفع الجمهور لافتة كُتب عليها: «هناك حطام ولا توجد دولة. استقِل يا رجب طيب إردوغان». ومن جهته، كان زعيم «حزب الحركة القومية»، دولت باهتشلي، من أشدّ المطالبين بمنع الجمهور من حضور المباريات. واستتبع ذلك قول وزير الداخلية، سليمان صويلو، إنه «إذا كان البعض يريد العمل في السياسة، فالانتخابات على الأبواب، لكن يجب عدم تحويل الرياضة إلى ساحة سياسية».
في هذا الوقت، يتواصل الحديث عن احتمال حدوث زلزال مدمّر في مدينة إسطنبول، في السنوات المقبلة. ويعطي الخبراء صورة قاتمة جدّاً، بالقول إنه لن يكون «زلزال إسطنبول المدمّر، بل زلزال تركيا العظيم»، والذي سيقضي على 65% من اقتصاد البلاد. ووفقاً لتقرير أعدّته بلدية إسطنبول، فإن أكثر من 600 ألف مبنى سيتهدّم من جرّاء زلزال قوّته أكثر من سبع درجات ونصف الدرجة. ويقول المهندس من جامعة إسطنبول، جنك يالتيراك، إنه قياساً إلى نتائج زلزالَي مرمرة عام 1999، وقهرمان ماراش عام 2023، فإن تداعيات الزلزال المتوقّع ستكون أكبر بكثير. ففي منطقة مرمرة حيث إسطنبول، يوجد 65% من الاقتصاد التركي، وهو ما يوجب نقْل المصانع من هذه المنطقة، وعدم توسيع المدن ولا بناء مناطق صناعية جديدة. ولفت عميد كلية الهندسة في جامعة يلدز، شكري إرصوي، إلى أن إسطنبول تساهم بـ40% من الاقتصاد التركي، وتبلغ حصّتها من الناتج الإجمالي القومي 33%. وقال إنها «يمكن أن تُطعم تركيا، لكن تركيا لا تستطيع إطعام إسطنبول، لذا فإن أيّ زلزال فيها سيؤثّر سلباً على الاقتصاد».